معظم المدن التي تقع على الشواطئ الدافئة والحارة تتوفر فيها خدمات الطاقة للتخفيف من معاناة السكان من صيوفها اللاهبة التي ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل جنوني، ولا يمكن التعايش معها إلا بكسر أنساقها بالتبريد والتكييف، وغيرها من الحلول المبتكرة التي تتخذها الحكومات للتخفيف من معاناة سكان هذه المدن.
مدينة الحديدة من المدن التي حين يحل عليها فصل الصيف تتحول إلى بيئة طاردة تمامًا لكل مقتدر على مغادرتها إلى خارجها، ووحدَه المواطنُ الفقير عديم الخيارات يبقى فيها متكبدًا كلَّ صنوف المرارة، حين تلتهم فواتير الكهرباء كل مداخيله، على حساب متطلباته الأخرى في المعيش.
بعض المزايا القليلة التي يتحصل عليها سكان مدن ساحلية أخرى (عدن والمكلا)، لا يحظى بأقلها المواطن في الحديدة، بسب الممارسات الفجة لمؤسسة الكهرباء، وخفوت صوت الاحتجاج ضدّ هذا التعسف الجائر، رغم أنّ المدينة وبواسطة مينائها ومداخيل الجباية الأخرى على أسواقها، ومنتجاتها الزراعية من فواكه وخضروات وماشية وحبوب، تمثّل أكبر دخل للسلطة المحلية والسلطة المركزية، وتقدر موارد مينائها فقط بما يقارب ١٥ مليار ريال يمني شهريًّا، وهذا المبلغ يتضاعف اليوم بسبب وجود هدنة ما بين أطراف النزاع الدائر فيها مُنذ مطلع العام ٢٠15م.
وردَ في تقرير يوميّ نشرته مؤسسة موانئ البحر الأحمر في الحديدة مؤخرًا، أنّ هناك سفينة نفطية على رصيف الميناء، وست سفن نفطية، وسفينتَي غاز منتظرة دورها في الغاطس للرسو. وباستطاعة كل واحد منا أن يقيس على ذلك، وحساب عدد السفن التي رست وأفرغت حمولاتها خلال الفترة الماضية؛ مُنذ بدأت الهدنة والسماح بعودة ميناء الحديدة للعمل.
إعلان تخفيض تعرفة فاتورة الكهرباء بمدينة الحديدة من قبل حكومة صنعاء، لم يغير في الأمر شيئًا مع استمرار بقاء السعر مرتفعًا دون عودته إلى السعر الرسمي المعروف ما قبل انفجار حالة الحرب في البلاد، وليس هناك من مبرر يمكن القبول به، مثل استمرار العدوان والحصار، الذي كانت تتذرع به السلطتان المحلية والمركزية.
أيضًا، أعلنت حكومة صنعاء في مطلع العام ٢٠٢١م، عن مشروع كهرباء فقراء الحديدة كما أسمته وزارة الكهرباء، للمساهمة في التخفيف عن معاناة الفقراء والمحتاجين في المدينة، لكن لم تطُل المدة التي بدأ فيها المشروع وتوقف لأسباب غير معروفة، ولم تصرح بها وزارة الكهرباء أو مسؤول صندوق التنمية التي تعدّ إيراداته من دخل ميناء الحديدة من رسوم النفط والغاز، حيث أُنشِئ هذا الصندوق للخدمات التنموية في الحديدة، وتوفير الكهرباء المجانية لجميع سكان المحافظة وغيرها من الخدمات التنموية، لكن لا حياة تنمو ولا صندوق يشرق بخير على هذه المدينة والمحافظة بشكل عام، في ظلّ استمرار تغيُّبٍ عن الرقابة على أعماله، وقبل ذلك إيراداته وطرائق تصريفها، لتبقى المدينة والمحافظة في حال موت حقيقي.
قال لي أحد المواطنين وهو يشكو بمرارة، إنّ الكهرباء ضاعفت من معاناة الناس في ظل انقطاع المرتبات الحكومية وصعوبة الحصول الاحتياجات الأساسية للأسرة وإيجار المنزل ومصاريف الدراسة في الصيف الحارق.
ويتساءل: "كيف سأستمر في العيش وأنا أشاهد ابنتي الوحيدة وزوجتي يعيشان في الظلام الدائم وفي أجواء شديدة الحرارة، فكلما حاولت تغطية احتياجاتي الأساسية يفاجئني مرض ابنتي بسبب تقلبات الطقس وارتفاع درجة الحرارة، وارتفاع سعر الكهرباء التي تزيد معاناتي أكثر وأكثر ولا أدري إلى أين اتجه!".
يضيف: "في بعض الأوقات أحاول رش منزلي بالماء، لكن تظل حرارة النهار تلهو ليلًا في منزلي، وإن قمت باستخدام الكهرباء الحكومي من أجل تشغيل المكيف لمدة خمس ساعات فقط في اليوم، للتخفيف من هذا الصيف الحار أفكّر مرارًا بفاتورة الكهرباء التي لو استخدمت في اليوم خمسة كيلو من تشغيلي لمكيف التبريد، تهل عليّ الفاتورة نهاية الشهر بمبلغ خمسة عشر ألف ريال، غير الإضاءة وبقية المعدات المنزلية التي تحتاج للكهرباء".
أصبح من الضروري توفير الكهرباء شبه المجانية لهذه المدينة والمحافظة بالمجمل، بعيدًا عن مسمَّى مشاريع للفقراء؛ لأنّها في الأصل واجب على السلطة، لأنّ عائداتها منها كبيرة جدًّا، وتكفي لعمل محطات توليدية عديدة، لكنه الفساد والنهب المنظم في غياب الرقابة وإذعان المستضعفين.