كان شهر أكتوبر/ تشرين أول، يمثل لليمنيين ذاكرة وطنية لحدث جليل، إذ يحتفون فيه بعيد ثورة 14 أكتوبر المجيدة وتحرير جنوب الوطن من الاستعمار، غير أن التاريخ صفعهم بحدث أليم على إثر اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في شمال الوطن، في الوقت الذي كان يتأهب للذهاب إلى عدن للاحتفال بعيد ثورة 14 أكتوبر. كانت تفصله ثلاثة أيام عن حضور ذلك الاحتفال برفقة الرئيس سالم ربيّع علي، بينما تفيد المرويات التاريخية أن الرئيسين كانا يعتزمان إعلان الوحدة بين شطري اليمن في تلك السنة المميزة التي وافقت حلول العيد الـ14 لثورة 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963.
كان كتاب التاريخ الذي يتلقاه طلبة المدارس قد تم توحيده بقرار يدل على إدراك الرئيسين لأهمية التصالح مع التاريخ الذي لم يعد ظاهراً منه سوى العداوات المزدهرة التي غذّاها الاستبداد والاستعمار لقرون. كان لا بد من معرفة الجيل القادم للمشتركات المضيئة في تاريخ اليمن قبل الإقدام على إعلان الوحدة بين الشطرين؛ فذلك الجيل كان ليكون الضامن الأمتن لصون وحدة اليمن واستقراره.
لم يكن السعي لإعلان الوحدة في تلك السنة، هو الإنجاز الوطني الوحيد للرئيس الحمدي، وبالمثل للرئيس سالمين، الذي لحقه بعد سبعة أشهر فقط. وإذ تحلّ ذكرى اغتيال الحمدي كل عام، يكون من الصعب الحديث عن ذلك بمعزل عن رفيقه سالمين، وتوافق سياسة الرئيسين النزاعة لبناء يمن موحد ومستقل، جغرافية وإنساناً، حتى أن اغتيالهما تم بطريقتين متشابهتين.
يوافق الـ11 من أكتوبر/ تشرين أول هذا العام، الذكرى الـ43 لاغتيال الرئيس الحمدي، وفي حين لا تزال الكثير من تفاصيل تلك الظهيرة المشؤومة غامضة، تتفتق ذاكرة اليمنيين عن تفاصيل أكثر سنواتهم أمناً ورفاهية ومجداً. بحساب الذاكرة الشعبية، كانت ثلاث سنوات ونصف، وبحساب التقويم الرقمي، كانت 1216 يوماً. الذاكرة الشعبية المتحسرة على اغتيال حلمها بحياة كريمة، لا تزال تسترجع ظلال أشجار الكافور على الطرقات، والمزارع دائمة الخضرة والإنتاج طيلة أيام السنة، والسلاح الذي رماه المواطنون في زرائب مواشيهم لعدم احتياجهم لتأمين أنفسهم وممتلكاتهم في ظل وجود دولة مواطنة متساوية، وأجهزة حكم مسؤولة عن حماية البلد وسكانه وثرواته ومكتسباته، الدولة التي كان الرئيس الحمدي لا يفصل بين مسؤوليتها عن حماية أراضيها وبحارها وأجوائها، وبين مسؤوليتها تجاه الشعب الذي يحكم ويتحدث باسمه.