كثيرٌ من العادات والتقاليد التي توارثها اليمنيون في أريافهم ومدنهم، بدأت بالاختفاء شيئًا فشيئًا مع تبدُّل أنماط الحياة، ومنها تلك المرتبطة بمواسم الزراعة والحصاد. في ريمة، بدأت تتلاشى تقاليد ما يُعرف بالدياس؛ بسبب قلة المحاصيل، والهجرة من الريف إلى المدينة، وانتشار ظاهرة زراعة القات بدلًا عن الحبوب.
الدياس وموسم الحصاد
الدياس من أشهر طرق حصاد محاصيل الحبوب، يتم بجزّ السنابل الناضجة ونقلها إلى أسطح المنازل. لتعريضها لأشعة الشمس بُغية تجفيفها، بعد ذلك تأتي طريقة نزع الحبوب من سنابلها الجافة؛ إما بالخبط بالعِصيّ أو "الدياس". والمقصود بالدياس أو الدوس، هو وضع ربطات القمح في مكان مخصص، وتقوم الثيران بسحب حجر صوان "الخورمة"، وتمرّ على القمح المصروم، فتدوسه على شكل دوران مستمر، فيُنزع الحَبّ من مواضعه، وهناك طريقة أخرى وهي جعل الأثوار "تتناطع" في جرن مملوء بالسنابل لإنجاز ذات المهمة.
ولاستدامة هذه العملية في كل موسم، تتم تربية الثيران والاهتمام بها، وعند موسم الحصاد يؤتى بثور لينازل ثورًا آخر تتراوح أعمارهم من ثلاث إلى سبع سنوات، ويسمى في ريمة "الرداع"، حيث يقوم كل ثور بمنازلة الثور الآخر ويرتبط كل واحد منهما بقرن الآخر، ثم الدوران حول بعض تارة أخرى. وقد يكون هناك أكثر من ثور تحت قوائمهم السنابل، فيدوس الثيران عليها ليخرج الحَب من سنابله. تُترَك الثيران تناطح بعضها حتى يستسلم أحدهما، فيتوقف ساعتها النزال. وأثناء عملية النزال بين الثورين، يقوم أحد المزارعين بحمل عصا لفضّ الاشتباك في حال بدأ أحد الأثوار بإيذاء الآخر؛ حفاظًا على حياته.
يقول أحد المزارعين: "إنّ من كثرة الخير (المحصول) الذي كان يجنيه الناس الأعوامَ الماضية، كانوا يلجؤون إلى الدياس؛ لأنه وسيلة اقتصادية، وفي الوقت ذاته ممتعة. وكلفتها أقل بكثير من عملية خبط السنابل بالعِصيّ.
يتم تهيئة مكان الدياس، ويسمى "المجران"، وهو في العادة مكان استراحة للحيوانات وإيوائها في الأشهر الحارة وقليلة المطر، وتكون أرضيته مستوية، وسوره الحجري عالٍ ودائريّ في الغالب له باب وحيد يتم إغلاقه بإحكام أثناء منازلة الثيران، بعد أن تكون أرضية "المجران" قد امتلأت بالسنابل الجافة المراد استخراج حبوبها، وأثناء عملية الدياس، يتم تكميم أفواه الثيران حتى لا تأكل من السنابل التي تدوسها.
يُولي أبناء ريمة أهمية كبيرة لمنازلة الثيران؛ حيث يحتشد الكثيرون من مُحِبّي هذا النوع من المنازلات على أسوار "المجارن" التي يتم فيها الدياس، للتشجيع وبحماس لأثوار قراهم، أو لتلك التي يؤتى بها من قرى ومحلات مجاورة.
يقول أحد المعمَّرين: "جمع الدياس في مناطق ريمة بين رياضة نزال الثيران واستخراج الحبوب من السنابل. وكنّا فيما مضى نحضر الدياس بصورة مستمرة، ونتنقل بين القرى والعزل للاستمتاع بهذه المهرجانات الشعبية، فرداع الثيران كان يبعث في أنفسنا الحماس والمتعة".
الدياس رياضة ممتعة دون سفك الدماء
خلافًا لمصارعة الثيران التي تجري في دول كإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، حيث يواجه ثيران النزال الشرسة الماتادور (المدرب)، قد تنتهي العملية بموته، فإن الثيران في ريمة تتصارع لدوس الحبوب، وتنتهي المواجهة بنفعٍ اقتصادي ودون سفك قطرة دم، نزال بالمناطحة ( الرّدَاع) يجمع بن المتعة والفائدة، ويرافَق بالحماس وترديد المهاجل والأغاني الشعبية، لزمن يمتد لساعات، سواء في الصباحات أو في الأصائل، حيث يحضر دور المرأة بإعداد الطعام والقهوة لجمهور الحاضرين.
عادة الدياس وتقاليدها الموسمية بدأت بالاندثار، بعد أن كانت لا تخلو قرية من قرى ريمة من مزاولتها في مواسم الحصاد، ويتوجب على المؤسسات ذات العلاقة توثيقُها قبل أن تصير في طي النسيان مع دخول الآليات الحديثة في الحصاد ونزع الحبوب، هذا الميدانَ وبكلفة مادة أقل.
تحرير/ خيوط