كلمات: عبدالله سلام ناجي
ألحان: محمد عبده زيدي
غناء: محمد عبده زيدي
أغنية الدودحية التي كتب كلماتها الشاعر عبدالله سلام ناجي، وظهرت مغناة أوائل السبعينيات -بصوتَي المطربين الرائدين محمد عبده زيدي وفرسان خليفة، وبلحنين مختلفين- هي من نصوص المعالجات الاجتماعية الرائدة لعلاقة الفئات الشعبية المسحوقة بالطبقة الإقطاعية المتملكة والمؤثرة، وكيف أن الوعي الشعبي استغل تجاوز احدى فتيات هذه الطبقة المنتمية للمنطقة الوسطى في اليمن تقاليد المجتمع وهروبها مع ابن عمها، بعد أن رفض الأب تزويجه بها لينتج هذا الوعي سرديات عديدة للتعريض بهذه الطبقة، لكنه بالمقابل لم ينظر إلى مظلومية المرأة في دفاعها عن خياراتها العاطفية، حتى أعادت نصوص، مثل: خطر غصن القنا لمطهر الإرياني، والدودحية لعبدالله سلام ناجي، زاوية الرؤية لهذه الحالة ومعالجاتها جماليًّا.
تقول كلمات أغنية الدودحية التي كُتيت بصوت ابن العم الذي هربت معه الفتاة (الدودحية)، بصوت الفنان الزيدي:
غدّر عليَّهْ بوادي الـدودحي غدّر عليَّهْ
ورده فراجم وغصنه مستحي غدَّر عليَّه
والنجم سامر يواسي الـدودحي غدَّر عليّه
ومنك تصدع قليبه ما يحي غدَّر عليّه
أمان يا نازل الوادي أمان
يا دودحية وأنا ابن عمك أنا وانتي اللي تدري بمو تم بيننا
لا الذنب ذنبك ولا ذنبي أنا ذنب الذي من دجا الباب ردّنا
يا دودحية يا قبوة من درر ما دودح البن إلا بالمطر
لا تسمع الريح هداره والخبر واللّي جمعنا جمعها لو قمر
أمان يا نازل الوادي أمان
يا اللّي أنت قاسي وقلبـك من حجر مو ينفع اليوم بكاءك والحذر
لا تقـدر أنتهْ ولا غيرك قدر واللي تخافه من الناس قد ظهر
مو يعمل القلب واليد خاليةْ والدودحي قال بنته غاليةْ
وكم سألته وجاب مـاهيش ليهْ للّي معه لهج ويسمر ليليةّْ
أمان يا نازل الوادي أمان(1)
عن الفنان
يعتبر الفنّان محمد عبده زيدي أحد الفنّانين الذين أثرَوا الحياة الغنائية اليمنية بأعمالهم العذبة التي راجت في ظروف فنية، تميّزت بالاستقطاب الجماهيري الحادّ لتيارَي الفنّانين الكبيرين: محمد مرشد ناجي، وأحمد بن أحمد قاسم، ويبدو منذ أول وهلة أنّ بروز الفنّان القدير الزيدي في مناخ كهذا مؤشر هامّ على أصالة ملَكته الموسيقية التي أكّدتها فعلًا تجديداته الموسيقية"؛ كما يقول الفنّان والباحث الموسيقي جابر علي أحمد.
من جهته، يقول الباحث والفنّان عصام خليدي، عن الفنّان الزيدي:
"حمل على عاتقه مهمة تغيير أسلوب الغناء اليمني من الغناء (التطريبي) إلى أسلوب جديد عُرف بمسمى الغناء (التعبيري)، فقد كان الغناء اليمني حينها يعتمد على قوة الصوت والأداء الذي يستند على السلطنة والتطريب وحرفية الصوت بزخرفاته وعُربه وحلياته أثناء الأداء، وهو ما عُرف بالغناء التطريبي، أما الغناء التعبيري فيختلف تمامًا عن سابقه اختلافًا جذريًّا، إذ إنّ الغناء التعبيري يعتمد على رقة الصوت ودقة التصوير والتعبير الذي يجسد المعاني بإحساس قوي، مصحوبًا بأداء هادئٍ عميقٍ راكزٍ للفنّان دون تكلف أو افتعال".
عن الشاعر
عبدالله سلام ناجي، مولود في قرية "الأُكيمة"، في منطقة جبل صبران، عزلة بني غازي، بمديرية الشمايتين، قضاء الحجرية، محافظة تعز، في العام 1939. انتقل إلى عدن وهو في السابعة، فدرس في المدرسة الأهلية بالتواهي، التي كانت تستقبل الطلاب الذين حُرموا من الالتحاق بالمدارس الحكومية. التحق بكلية عدن في 1954، وطرد منها لمواقفه السياسية ضدّ الاحتلال.
بعد فصله من الكلية، استطاع الحصول على منحة إلى جمهورية مصر العربية، عبر إحدى التكوينات الاجتماعية في عدن.
في سنوات دراسته الثانوية، في مصر، التي أكملها في العام 1961، بدأت مدارك الشاب بالتفتّح على عوالم سياسية وثقافية أكثر اتساعًا ممّا كانت عليه حالته المعرفية إبان تكوينه الباكر في المدرسة الأهلية بالتواهي أو كلية عدن، وانخرط في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي بشكلٍ رسمي في حلقات الطلاب اليمنيين وقتها في القاهرة، حينما كان البعث يمثّل حركة فكرية وثقافية وسياسية ذات تأثيرٍ طاغٍ على الأُدباء والمثقفين الشُّبّان في اليمن.
تقدَّم مجموعة من الطلاب اليمنيين لامتحانات منح الخارجية الأمريكية (منح السيناتور فولبرايت) عبر القنصلية اليمنية في القاهرة، في صيف 1962. أُعلن عن قَبول ثلاثةٍ من الطلاب (عبدالله سلام ناجي، ومحمد نعمان غالب القدسي، وعلوان سعيد الشيباني)، غير أنّ عبدالله سلام ناجي استُبعد لعدم تجاوزه الفحص الطبّي.
بعد تعذّر سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التحق بجامعة القاهرة طالب طب، غير أنّه لم يستمرّ طويلًا، إذ قامت الأجهزة المصرية بالتضييق عليه، وكان قريبًا من دخول المعتقل بسبب انتمائه السياسي، لولا مغادرته السريعة أرض مصر؛ ويقال إنّ الفنّان محمد مرشد ناجي كان له دور في إخراجه من مصر، وإن صحّت هذه الرواية يعني أنّ تعاونًا فنّيًّا بين المرشدي وابن سلام كان قد نشأ على الأقل في أغنية "يا ميناء التواهي".
قبل استقراره في دمشق طالب جيولوجيا، كان قد تحصل على منحة إلى دولة تشيكوسلوفاكيا لدراسة الطب، لكنه لم يستطع المواصلة فيها لأسباب سياسية (تضييق الأجهزة الأمنية عليه، بسبب نشاطه السياسي أيضًا).
في المرحلة الدمشقية، سيصير قائدًا طلابيًّا كبيرًا، في إطار اتحاد الطلاب اليمنيين، وشاعرًا يُشار إليه بالبنان، وناقدًا أدبيًّا بمنهج علمي واضح؛ فلم يعد السياسي الجاف هو الذي يُعرَّف به، بل الشاعر والناقد المنحاز لقضايا الجماهير. وستُثمر هذه المرحلة قصيدتَه ذائعة الصيت "نشوان والراعية"، التي أتمّها في العام 1964 في الغالب، والتي ستغدو لاحقًا مُعرِّفًا جديدًا، ليس بالموضوع الشعري في اليمن بمستلهماته الحكائية، وإنّما بنقل العامية إلى مصافٍّ من التلقّي العالي، لتصير مع الوقت الدليل لكتابة النصّ العامي المتجاوز للقولبة والتنميط عند كثير من الشعراء.
في العام 1971، عاد عبدالله سلام ناجي إلى عدن المدينة التي عشقها حتى الثمالة، بعد أن أنهى دراسته الطويلة في دمشق، فعمل في وزارة النفط حتى العام 1976. في إقامته العدنية الجديدة عاش واقعًا سياسيًّا مختلفًا غير ذلك الذي تركه في العام 1956، في عهد الاحتلال الإنجليزي.
في العام 1974، سيكون ضمن ثلة من المثقّفين والأدباء والكُتّاب والمؤرّخين الذين سيسهمون في عقد المؤتمر الأول لاتحاد الأدباء والكُتّاب اليمنيين في مدينة عدن.
في مطلع العام 1977، غادر عدن سرًّا إلى قريته "الأكيمة" بعد شعوره بخطرٍ داهم من الأجهزة التي بدأت بحملة اعتقالات وإخفاء قسري للكثير من غير المحسوبين على بنية السلطة الجديدة من المثقّفين والأدباء، وبعد عام وصل إلى صنعاء، حيث عُيِّن بعد فترة من وصوله إليها نائبًا لرئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني، وبعدها انتقل للعمل في شركة النفط اليمنية (شركة المحروقات).
ابتداء من العام 1987، اختار العزلة الصامتة، ليرحل بعد اثنتي عشرة سنة، عن ستين عامًا؛ تاركًا وراءه إرثًا استثنائيًّا (شعرًا ونقدًا ومسرحًا وسردًا).
__________________________
(1) موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين، دائرة التوجيه المعنوي، صنعاء، 2005، الجزء السادس، ص126-127.