زيارةٌ هي الثانية له، إلى محافظة حضرموت، منذ تنصيبه رئيسًا لمجلس القيادة الرئاسي وفق اتفاق نقل السلطة للمجلس من الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في أبريل من العام 2022. تأتي الزيارة في ظلّ مفاوضات تجري بين الحكومة الشرعية وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في سلطنة عمان من أجل خفض التصعيد الاقتصادي في إطار مساعٍ متعددة لإطلاق اتفاق سلام شامل في اليمن، برعاية أممية ودعم إقليمي. خفض تصعيد كانت بوادره في تراجع البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن، عن قراراته تجاه البنوك الموجودة في مناطق سيطرة الحوثيين، وانطلاقته من إعادة تصدير النفط من حقول المسيلة بهضبة حضرموت، بعد إيقاف تصديره بفعل الضربات الحوثية التي استهدفت ميناء الضبة النفطي في أكتوبر 2022.
تكهنات كثيرة رافقت زيارة العليمي للمحافظة النفطية؛ أبرزُها الحديثُ عن الترتيبات لإعادة تصدير النفط الحضرمي في سياق الاتفاق الاقتصادي مع الحوثيين، بعكس ما أعلن عنه الرئيس فور وصوله إلى مطار الريان الدولي على متن طائرة سعودية؛ حيث أوضح في تصريحه أنّ الزيارة تأتي للاطلاع على أوضاع المحافظة، وتفقد المشاريع الجاري تنفيذها، والإعلان عن حزمة مشاريع تنموية.
زيارة غير مرحب بها
حالما أُعلن عن زيارة الرئيس العليمي، أصدر مؤتمر حضرموت الجامع –أبرز المكونات الحضرمية- بيانًا يرفض فيه الزيارة، في ظلّ ما أسماه عدم حصول حضرموت على ما تستحقّه من هذه الجهات، وتعمد عدم إشراك حضرموت بصفتها طرفًا أساسيًّا في أيّ تعاملات تخص الشأن اليمني أسوةً ببقية الأطراف، وإقصاءها في كافة المجالات رغم كل التضحيات والمواقف التي قدّمتها حضرموت، بالإضافة إلى ما وصفه البيان بالظروف المعيشية والخدمية المزرية واحتقان مجتمعي واسع، كما لوحظ غياب عضو مجلس القيادة الممثل لمحافظة حضرموت، اللواء الركن فرج سالمين البحسني، عن الزيارة، وقد كتب مدير مكتب البحسني، هشام الجابري، منشورًا بصفحته على فيسبوك، قال فيه: "كان من الأحرى أن يكون اللواء البحسني في مقدمة مُستقبِلِي الرئيس عند وصوله، وأن يقوم كذلك بالإعداد والتجهيز لهذه الزيارة قبل وصول الرئيس في إطار تنسيق مسبق قبل الزيارة بوقت، لا أن يكون مجرد ضيف شرف، حتى تكون الزيارة ناجحة وواضحة الأهداف، وهذا لا يروق للبعض؛ هذه الزيارة تثير الكثير من الاستغراب حول أهدافها المجهولة، لا سيما بهذه الطريقة، التي لن تقدم شيئًا لحضرموت، وستكون كسابقاتها من الزيارات".
مقاطعةٌ لها عددٌ من الدلالات؛ كما يرى الباحث في المجال السياسي حسن بن عبيد الله، في حديثه لـ"خيوط"، فعدم جدّية الرئاسة والحكومة مع المطالب المُحِقّة لحضرموت، وصلت إلى حدٍّ لا يقبل معه التماهي مع هذه التوجهات، فضلًا عن عدم تنفيذ الرئيس وعودَه في الزيارة السابقة بتمكين أبناء المحافظة من إدارة شؤونهم الإدارية والعسكرية والأمنية، وكذا الانهيار الخدماتي، بدون أيّ تحرك من الحكومة لتنفيذ المشاريع التي أعلنها الرئيس، وكذلك عدم إشراك المكونات السياسية والمجتمعية الحضرمية في حوار مفاوضات الحل النهائي للحرب في اليمن، وهي ردة فعل طبيعية لحجم التهميش الذي تعانيه المحافظة ومتطلباتها الخدمية، من الرئاسة والحكومة.
أحد أبرز أسباب التصعيد الحالي يعودُ إلى محاولة طرفٍ إقصاءَ الأطراف الأخرى ومحاولة الانفراد بالسلطة والقرار داخل المحافظة، دون مراعاة قواعد اللعبة والسياق السياسي التوافقي الذي تدار به العملية السياسية في البلاد، وتغير تركيبة اللاعبين المحليين بعد أحداث 2011.
الاعتراف بحق حضرموت
رافق الإعلان عن الزيارة، تصعيدٌ قبَليّ قاده الشيخ القبلي البارز عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، الذي توجه إلى هضبة حضرموت، معقل قبيلة الحموم، وأعلن خلال اجتماعٍ لقبائل الحلف عن عدم اعترافه بشرعية لا تعترف بشرعية حقوق حضرموت؛ حد وصفه، وأمهل البيان الذي أصدره اجتماع قبائل الحلف في 31 يوليو، الرئاسةَ والحكومة 48 ساعة لتحقيق عدد من المطالب، أقرّها بيانُ الحلف، أهمّها: الاعتراف بحق حضرموت، وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية، ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع، أسوة بالأطراف الأخرى المشارِكة في التسوية الشاملة في البلاد، وعدم التصرف بنفط حضرموت أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، وتنفيذ القرارات المتخذة من مؤتمر حضرموت الجامع، والمزمنة، الصادرة بتاريخ 13 يوليو 2024، وأنّ المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء ضبة والمسيلة حقٌّ من حقوق حضرموت، ولن يتم التنازل عنه، على أن تسخر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية لحضرموت، وأنه "في حالة عدم الاستجابة لِمَا ذُكر خلال مدة 48 ساعة، سنضع أيدينا على الأرض والثروة"، مهددًا بما أطلق عليه بسط السيطرة على الأرض الحضرمية، وقد دعا بن حبريش للتجمع القبلي يوم الجمعة عقب انتهاء المهلة، وشهدت على إثرها الهضبة وبعض مناطق المحافظة انتشارَ العشرات من مقاتلي القبائل.
تغليب اللون الواحد
خلافٌ سياسي هو أساس التصعيد؛ كما يرى الكثير من المراقبين، وهو ما لخّصه التقرير الذي نشره مؤتمر حضرموت الجامع عن أداء محافظ محافظة حضرموت، مبخوت بن ماضي، الذي يتحدث في أحد نقاطه عن استفراد السلطة المحلية بالقرار وتغليب مصلحة طرف ولون سياسي معين على القرار دون التشاور مع المكونات والأحزاب السياسية الأخرى بالمحافظة، كما أنّ الشيخ بن حبريش في تصريحه، أشار إلى أنّ التضحيات التي قدّمها الحضارم منذُ انطلاق الهبة الحضرمية في العام 2013، ليست من أجل إعادة أحزاب قد اندثرت –إشارة إلى المؤتمر الشعبي العام- الذي تنتمي له السلطة المحلية بالمحافظة، وهو ما يؤكّده الصحفي المهتم بالشأن الحضرمي، عبدالله مؤمن، في حديثه لـ"خيوط"، الذي اعتبر فيه أنّ التصعيد الحالي في حضرموت أحد أبرز أسبابه يعود إلى محاولة طرف في السلطة إقصاءَ الأطراف الأخرى ومحاولة الانفراد بالسلطة والقرار داخل المحافظة، دون مراعاة لقواعد اللعبة والسياق السياسي التوافقي الذي تُدار به العملية السياسية في البلاد، وتغير تركيبة اللاعبين المحليين بعد أحداث 2011، بالإضافة إلى أنّ حالة التهميش هذه طالت حتى قيادات في السلطة المحلية نفسها كانت محسوبة على مكونات وأحزاب سياسية مختلفة أو على سلطات سابقة. وجهة نظر يؤكّدها بيان السلطة المحلية بالمحافظة، التي أكّدت فيه انفتاحها على دعوات الحوار مع المكونات والأحزاب السياسية والمختلفة بالمحافظة، التي يظهر خلالها استيعاب السلطة متأخرًا لهذا التوجه.