لو سألت كم يبلغ عدد جمهور المومري والأضرعي والربع، ستكون الإجابة أنه جمهور يبلغ الآلاف، سواء أكانوا مجتمعين أم فرادى.
جمهور يتابعهم بشغف لا حدود له، والدليل أن المئات ينضمّون يوميًّا إلى ذلك الجمهور، كما كانوا يتابعون جلال الصلاحي وأمثاله!
بالمقابل، لو بحثت عن صفحات السياسيين والحزبيين وأحصيت جمهورهم هنا في العالم الافتراضي وفي الواقع -باستثناء التحشيد- ستجده لا يساوي شيئًا مقارنة بطلب صغير من المومري، فقد جاء طواعية من المحافظات الأخرى جمهور ملأ ميدان السبعين، بدون أن يصرف عليهم ريالًا واحدًا!
المومري والأضرعي والربع ليسوا بشرًا سيئين كما يصفهم البعض، فلهم جمهورهم المعجب بهم ويسمع لهم، وفي الأخير هم انعكاس لواقع الحال! لماذا نتهرب ونتهمهم كما لو أنهم هبطوا بالبرشوت على المجتمع المثالي!
رسالتهم مؤثرة أكثر من الأحزاب والنخب وتصل إلى أذهان الناس بلغتهم وأسلوبهم ومقدرتهم على الإدراك!
السر هنا أن الأحزاب والسياسيين والزعامات كبرت على الواقع بالشعارات والخطاب الذي لا علاقة له بالواقع!
نأتي الآن ونكيل الشتائم للمومري وأمثاله: "متخلف، جاهل،..."، ولم يسأل نفسه أي أحد: "كيف ولماذا سيطر المومري على أسماع الناس وأبصارهم؟"، سأقول لكم بكل الصدق، فالأحزاب تركت الشارع وانفصلت عن قياداتها التي تغني وحيدة.
ذات يوم، قال علي عبدالله صالح: "أنا لا أخاطب المبنطلين"، ولم يستوعب أحد مقصده، ظلوا يسخرون".
المومري تحديدًا استوعب ومسك راس الخيط والآن يكسب الملايين من "اليوتيوب" على حساب الجمهور وهذا حقه، وكذلك الأضرعي، وفي الشارع له شعبية أكبر من كل السياسيين العقيمين الذين دائمًا ما يرون الكلب خروفًا، حسب الحكاية إياها.
ذات نهار التقيت ذلك الزعيم الكبير يوسف الشحاري عند كشك التحرير، فاجأني بالقول: "كلم أصحابك!"، قلت: "من يا أستاذ؟"، قال: "اليسار الـ...، اسألهم لماذا لا يدخلون المسجد؟ لماذا تركوه؟".
كلامه لخص المسألة كلها؛ جمهور. والجمهور الواسع العريض ترك لأصحاب الفتاوى الصفراء يشكلون وعيه كما يريد فهمهم القاصر للدين، ولذلك ها نحن نرى النتيجة أمامنا؛ لأن الأحزاب رفعت شعارات تصلح لأماكن وواقع آخر، وتركت هذا الواقع لأصحاب الدقون المرسلة وبكل الأشكال، وما تبقى من جمهور تاه وذهب يبحث عن لقمة العيش، لا يدري عن الوطن والمواطنة إلا ما يسمعه من أصحاب الخلافة والولاية!
نأتي الآن ونكيل الشتائم للمومري وأمثاله: "متخلف، جاهل،..."، ولم يسأل نفسه أي أحد: "كيف ولماذا سيطر المومري على أسماع الناس وأبصارهم؟"، سأقول لكم بكل الصدق، فالأحزاب تركت الشارع وانفصلت عن قياداتها التي تغني وحيدة، وإن أردتم الدليل فانظروا إلى قيادة الاشتراكي باستثناء رئيسه؛ أين هم؟ يغردون في مصر! تركوا الواقع ويناضلون من خلال الشاشات ومن الشقق! بقية الأحزاب تغني في وادٍ آخر، لا علاقة لها بالواقع، والنخب بكل أشكالها تقبع في كشف اللجنة الخاصة، والإصلاح والحوثيون يتضاربون على المساجد والميكرفونات، كلٌّ يحاول إقناع الجمهور في المساجد أنه الأفضل!
المومري وجد الساحة خالية إلا من جمهور متشوق لملء فراغ الأيام، فاستجاب! هل تتذكرون جمهور السينما الهندية؟ الأمر شبيه بتلك الأيام التي هجمت فيها موجة الخصخصة على كل ما هو جميل، فغابت السينما الجادة الهادفة لصالح أفلام الضحك للضحك، فأصبحت السينما من يومها مكانًا لكل صاحب رأس أجوف! وفي مصر اشترى الشيخ صالح كامل معظم تراث السينما المصرية لتهجم سينما الهيافة وكل من هب ودب على رأس الجمهور!
الآن الناس وفي عصر الفضاء المفتوح وعند بوابة المستقبل الذي سيفتتحه صاحب الفيسبوك و"ميتا"، سيدخل بمجتمعه وأصحاب العقول ويتركنا ننتظر المومري!
لا تحملوا المومري المسؤولية، تحملوا أنتم، واسألوا أي حزب: متى آخر مرة فتح باب الدائرة الثقافية للجمهور؟ هذا إذا وجدت.
من نهاية السبعينيات لم نعد نرى إعلانًا واحدًا عن محاضرة أو لقاء مفتوح، فالأحزاب في دواوين القات، والمومري في الشارع.
لله الأمر