تختلف طقوس الابتهاج برمضان والعيد في محافظة حضرموت -شرقي اليمن- بحسب اختلاف مناطق الوادي والساحل، لكن مشاركة الفرح والابتهاج هي مشترك كل هذه الطقوس، كما تعتبر (الختايم) أيضًا عادة مشتركة بينهم ويقيمها الأهالي خلال شهر رمضان في المساجد.
في أول أيام شهر رمضان، يقوم الأهالي بالتزاور بينهم وبين الأصدقاء والجيران، وذلك للمباركة والتهاني بعودة الشهر الفضيل عليهم وتسمى عادة (المشاهرة)، أما ليالي الختايم فتختلف في تاريخ إقامتها بحسب كل مدينة بحضرموت، وهي تقليد شعبي دأب عليه سكان المحافظة منذ القدم، حيث يحتفل أهالي وسكان كل حي (حارة) في مسجدهم بتختيم عدد من كبار السن في المسجد للقرآن الكريم، في جو من التواشيح والذكر والابتهالات والطقوس الدينية.
تتجسد في (الختايم) صور التراحم والتكافل الاجتماعي، حيث يقوم أهالي كل حي بدعوة أرحامهم، ويجتمع الأقارب على الموائد الرمضانية. كما يؤكد كتّاب ومؤرخون وباحثون، أن "الختومات" أتت منذ عصر النبوة والتابعين الذين حرصوا على تعظيم تلك المجالس، بكيفيات مختلفة، طالما أن الأصل مشروع.
يقوم الباعة بافتراش الساحات المجاورة للمسجد الذي يقام فيه الختم منذ ظهر كل ليلة، عارضين بضائعهم من ألعاب للأطفال، بعضها يصنع خصيصًا لهذه المناسبة.
في هذا الصدد، يقول الأربعيني محمد سالم، لـ"خيوط": "هذا موسمٌ لطلب الرزق بالنسبة للكثيرين من الباعة، الذين تشكل لهم "الختايم" مصدر دخل وعمل أساسي يقتاتون منه في يومهم، فضلًا عن البسمة التي ترتسم على محيا الأطفال، وهو ما يضفي جمالًا آخر لهذه الاحتفالات".
في عصر كل يوم طوال الشهر، تبدأ الملاحم التنافسية بين شباب الأحياء، حيث يحرصون على تقديم أفضل العروض والأغاني والرقصات الشعبية المستمدة من التراث الشعبي القديم، إضافة إلى عرض بعضٍ من الفقرات التمثيلية للمهن المتوارثة، كحمل الأطفال على قوارب الصيد، وهي المهنة التي يعمل بها الكثير من أبناء ساحل حضرموت.
بهجة للأطفال
تختلط في هذا اليوم العروض التراثية بابتسامات الأطفال، وهم يرتدون الملابس الجديدة المستوحاة من الزي التقليدي في حضرموت، راسمين نقوش الحناء على أيدي الصغيرات، منشغلين بشراء الألعاب والحلويات والمكسرات من الباعة في ساحات المسجد.
تمتاز حضرموت بموروثها الثقافي والفني الغني الذي ما يزال متوارثًا جيلًا بعد جيل، ويشمل هذا الموروث الأمسيات الفنية والألعاب الشعبية، كرقصة العدة والشبواني والزامل والدحيف، وغيرها من الرقصات، إذ يحرص أهالي حضرموت كل الحرص على إحياء هذا الموروث الشعبي وممارسته في الأعياد والمناسبات، ومنها مناسبة عيد الفطر
وفي هذا اليوم، تكون هناك فرق شعبية خاصة بالشباب، وأيضًا خاصة بالنساء، تجول الحارات؛ البعض يبدأ منذ العصر، والبعض الآخر من بعد تناول وجبة العشاء، يجولون بين البيوت من أجل التختيم الذي سيقومون به، للأطفال المولودين، أو للأطفال الذين أكملوا عامهم الأول، أو التختيم للعروس المتواجدة، للسنة الأولى، في بيت زوجها.
الإعلامي علي بامسعود، يتحدث لـ"خيوط" قائلًا: "لم تكن هناك أي فعاليات شبابية في السابق غير فعاليات خاصة بالأطفال فقط، ولكن في السنوات الأخيرة شهدت "الختومات" تطورًا ملحوظًا، وذلك بإقامة العديد من الاحتفالات والفعاليات الشبابية، التي تُحيي التراث الشعبي من خلال الرقصات الشعبية والعروض الفلكلورية للدان الحضرمي، إضافة إلى وجود أركان خاصة لعرض الأدوات والمجسمات القديمة وتزيين مداخل وشوارع الحارة بسعف النخيل والأنوار والملصقات ذات الطابع الروحاني الخاص بالمناسبة، وتستمر الاحتفالات من الساعات الأولى للعصر حتى منتصف الليل".
ويضيف بامسعود، أنّ كل هذه التجديدات تدفع الشباب للتوافد بشوق كبير من مختلف الأحياء والمناطق المجاورة لحضور هذه الفعاليات مستمتعين برؤية العروض والعادات القديمة التي يحييها شباب المحافظة، باعتبارها من العادات الرمضانية الاجتماعية.
توديع رمضان
هي عادة سنوية يقوم بها المسحراتي في اليوم الأول من العشر الأواخر من رمضان، وتستمر حتى السابع والعشرين، فيما تستمر عند البعض حتى التاسع والعشرين، مرددين الأناشيد والقصائد التوديعية لشهر رمضان.
يقول بامسعود، إنه خلال هذه الأيام يبدأ الأهالي بالتجهيزات اللازمة لاستقبال عيد الفطر المبارك، من خلال قيامهم بأعمال طلاء البيوت ورشها بمادة النورة (وهي مادة تمتاز بأنها بيضاء نقية تسمح بنفاذ الضوء، وتعمل على تخفيض درجة الحرارة في البيوت الحضرمية، خاصة البيوت التراثية القديمة)، حيث درج استخدامها كنوع من التجديد تضفي على البيوت رونقًا جماليًّا بلونها الأبيض، وتحافظ في المقابل، على التقاليد المتوارثة في حضرموت".
فيما يؤكد محمد سالم، من أهالي حضرموت لـ"خيوط"، أن هذه المناسبة فرصة اجتماعية لصلة الأهل والأقارب وفرحة للكبار والصغار من خلال تجمعاتهم التي تُدخل الفرح والبهجة، بعيدًا عن بؤس هذه الأيام وما يمرون به من أزمات سياسية واقتصادية التي أوشكت أن تنهي فرحة الكثيرين من أبناء الوطن.
ليلة العيد
عند التثبت من رؤية هلال العيد، يسعى بعض الشباب من أبناء حضرموت ليلًا إلى إطلاق الأعيرة النارية لتزيين سماء مدينتهم بالأضواء والألوان اللافتة للأنظار، فرحًا بقدوم العيد، وكذلك لإعلام الناس بثبوت رؤية هلال العيد. ويرافق ذلك عادة حضرمية أخرى تسمى "ليلة الحياء"، كما يطلق عليها في حضرموت، تمارس هذه العادة في وسط المساجد، وتتضمن إحياء شعائر لله والصلاة على النبي والتكبير والتهليل، إضافة إلى تلاوة وترتيل آيات من القرآن، وكذلك تتناول بعضًا من الأذكار، تبدأ في الساعات الأخيرة من الليل، وتستمر حتى قرب وقت صلاة الفجر.
وبعد بزوغ شمس العيد في يومه الأول، يحرص الجميع، رجالًا ونساء وأطفالًا، على ارتداء أجمل ما لديهم من ملابس، ويتجهون نحو المساجد لأداء صلاة العيد أو كما يطلِق عليها البعض الآخر: صلاة "الزينة"، ويتبادل المصلّون التهاني بهذه المناسبة العظيمة بعد انتهاء صلاة العيد وخطبتيه.
تقام أيضًا احتفالات وفعاليات ثقافية وتراثية بعد أداء صلاة العيد مباشرة، ينظمها الأهالي والشباب بجهود ذاتية، وتنفذ في بعض المدن والمناطق السكنية، خاصة في مدينة المكلا (عاصمة محافظة حضرموت)، وسط أجواء فرائحية متفردة، وبمشاركة وحضور زوار ووافدين من مختلف المدن والمحافظات المجاورة، ويتم في هذه الفعاليات تقديم لوحات كرنفالية استعراضية ورقصات شعبية على أنغام ومقطوعات موسيقية حضرمية الأصل، وكذا تقديم مسابقات وهدايا للأطفال من الحضور، وتتواصل هذه الاحتفالات طيلة أيام العيد في فترة المساء، وبأماكن مختلفة كالمتنفسات والحدائق العامة.
العيدية والألعاب الشعبية
العواد؛ عادة متوارثة في حضرموت، حيث يقوم الأهالي بالتزاور فيما بينهم وزيارة الأقارب والأصدقاء وبعض الساكنين بنفس المنطقة، متبادلين التهاني والتبريكات، وتتم في هذه الزيارات توزيع العيدية أو كما تسمى "العواد" للأطفال، وهو تقديم شيء من المال أو بعضٍ من الحلويات أو المشروبات بمختلف أنواعها.
كما تمتاز حضرموت بموروثها الثقافي والفني الغني الذي ما يزال متوارثًا جيلًا بعد جيل، ويشمل هذا الموروث الأمسيات الفنية والألعاب الشعبية، كرقصة العدة والشبواني والزامل والدحيف، وغيرها من الرقصات، إذ يحرص الحضارم كل الحرص على إحياء هذا الموروث الشعبي وممارسته في الأعياد والمناسبات، ومنها مناسبة عيد الفطر المبارك.
وهو ما يؤكده أبو عبدالرحمن، أحد لاعبي الرقصات الشعبية بحضرموت، لـ"خيوط" بالقول: "إن هذه الألعاب تختلف من منطقة إلى أخرى، إلا أن هناك ترابطًا كبيرًا بين المدن بشكل عام في المحافظة من خلال مشاركة الفرق الشعبية بمدن الساحل في المحافل والمناسبات التي تقام في مدن وادي حضرموت وكذلك العكس، مضيفًا أن هذه الألعاب تشكل أحد المظاهر الثقافية للمجتمع الحضرمي.
وعلى الرغم من الأزمات والظروف الصعبة التي يعيشها أهالي حضرموت، كغيرهم من سكان معظم المحافظات اليمنية بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015، إلا أنهم ظلوا محافظين على هذه العادات بحضورها المنتظم كتقاليد لم تتغير مع الزمن، كما هو الحال في كثير من العادات التي طمست، إذ إن التمسك بهذه العادات والطقوس الروحانية والتراثية هو تعزيز للتراحم والتكافل الاجتماعي وترميم الحاضر بالماضي الجميل الحافل بالتقاليد الحسنة.
الجدير بالذكر أن بعض هذه العروض التي تحيي الموروث بما يصاحبها من أزياء مميزة وأدوات خاصة يستخدمها المشاركون أثناء تقديم الألعاب الشعبية، تقام منذ مساء اليوم الأول وحتى الخامس من العيد، في مدن ساحل ووادي حضرموت.
ويشير الصحفي أمجد صبيح -صحفي من حضرموت- أن حضرموت تتميز كثيرًا في إحياء الطقوس الدينية، لكن هناك أيضًا خصوصية لكل مدينة في مدن وادي حضرموت، ما يجعلها تتفرد عن غيرها، كمديرية تريم عاصمة الثقافة الإسلامية التي يمارس مواطنوها عادة جماعية تسمى "نيّة الصيام" في اليوم الثاني من العيد، وهي صيام الست من شوال، وتسمى "صيام رمضان الصغير"، وعقب ذلك يتم إحياء عيد آخر بعد انتهاء الست من شوال يسمى بعيد "الحاوي".
من جانبه، يشير بامسعود إلى فعالية أخرى تقام ثاني أيام عيد الفطر المبارك في مدينة المكلا تسمى "يوم الباخمري الحضرمي"، وهي عادة سنوية للشباب استُحدثت في السنوات الأخيرة، يتم خلالها تناول وجبة الفطور المتمثلة في "الباخمري" والشاي بوسط المقاهي الشعبية. إلى جانب إحياء فعاليات أخرى في فترة المساء بمختلف مدن ساحل حضرموت تسمى "ليالي التسامر"، وهي عبارة عن إقامة جلسات غنائية خاصة.