عشية عيد الأضحى روعت مدينة عدن بنبأ مقتل البروفيسور أحمد دويل، الذي يصفه العديد من زملائه بأنه أفضل بروفيسور متخصص في مجال النساء والولادة والعقم، فهو الوحيد الذي يجري عمليات أطفال الأنابيب على مستوى الجمهورية اليمنية في مستوصف الحسين بمديرية المنصورة.
منذ الساعات الأولى لوقوع الحادثة، سارعت بعض وسائل الإعلام نقلًا عن مصادر أمنية وأخرى عاملة في المستوصف إلى اعتبار الواقعة حادثة انتحار، مستدلين بمعلومات أمنية أولية منها وجود طلقة رصاص واحدة فقط في الراس ووجود المسدس مرميًّا على الأرض، إلا أنّ هذه الرواية لم تقنع الرأي العام في عدن الذي شكّك باحتمالية إقدام طبيب ناجح في عمله وميسور ماديًّا على قتل نفسه قبل يوم واحد فقط من عيد الأضحى.
نبذة تعريفية
وُلد الدكتور أحمد سليمان بن دويل العجيلي في خمسينيات القرن الماضي في محافظة حضرموت، التي درس فيها الابتدائية والإعدادية قبل أن ينتقل لدراسة الثانوية العامة في ثانوية عبود بعدن.
تخرج الدكتور أحمد دويل من كلية الطب بجامعة عدن عام 1982، ثمّ درس تخصص النساء والتوليد في هنجاريا ضمن منح تعليمية مقدمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك، وأنهى دراسة التخصص عام 1988، ليدرس لاحقًا جراحة المناظير النسائية في ألمانيا عام 1997.
بدأ الدويل حياته المهنية بعيادة طبية في حي عبدالعزيز بمديرية المنصورة بعدن، وطورها لاحقًا إلى مركز الدويل التخصصي لأمراض النساء والولادة والعقم، قبل أن يتوسع لاحقًا ويفتتح مستوصف الحسين الطبي كمستشفى متكامل متخصص في أمراض النساء والولادة، إضافة إلى المساعدة على الحمل والإخصاب وأطفال الأنابيب.
يعد البروفيسور أحمد الدويل أول من أجرى عمليات المناظير النسائية في محافظة عدن، وأول من استخدم جهاز منظار عنق الرحم وأول من يجري عمليات أطفال الأنابيب في اليمن.
تفاصيل الواقعة
كان مستوصف الحسين الطبي الذي يملكه البروفيسور أحمد دويل قد أوقف أعماله يوم الخميس 8 يوليو/ تموز بمناسبة قدوم عيد الأضحى، وكان الطاقم الطبي والتمريضي في إجازة باستثناء طاقم الطوارئ وبعض الموظفين الأمنيين وموظفي الخدمات.
بعد يوم من الحادثة، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسريبًا للقطات كاميرا المراقبة كان واضحًا خضوعها للتعديلات؛ "القص والحذف"، إلا أنّ مصدرًا أمنيًّا قال إنّ الحذف تم لأسباب تقنية وحتى لا يطول المقطع ولم يشمل أي جزئية مهمة يمكن أن تزيل شيئًا من غموض الجريمة.
عصر الجمعة 9 يوليو/ تموز، الذي كان يصادف يوم إجازة في المستوصف نزل الدكتور أحمد دويل من شقته التي تقع أعلى مركزه الطبي إلى مكتبه في المستوصف، قال بعض العاملين الأمنيين إنه يحضر أحيانًا في أيام الإجازات إلى مكتبه لتصفح الإنترنت أو قضاء بعض الأعمال.
قبيل مغرب الجمعة كانت عاملة نظافة في المرفق الطبي تقف إلى جانب باب مكتب الدكتور دويل -وفقًا لمقطع فيديو تم تسريبه من كاميرات المراقبة- لتدخل بعدها إلى مكتب الدكتور وتخرج هلعة تجري طلبًا للمساعدة قبل أن يدخل معها ثلاثة أشخاص إلى المكتب ويخرجوا منه مرة أخرى وهم في حالة ذهول، كما تبين لقطات كاميرا المراقبة. تم نقل البروفيسور دويل بعدها إلى مستشفى أطباء بلا حدود، فيما باشرت أجهزة الأمن والتكنيك الجنائي جمع الاستدلالات ومعاينة مسرح الحادثة.
تشكيكات في الانتحار
كانت التسريبات الأمنية الأولية تفيد بأن الواقعة هي حادثة انتحار على الأرجح، لكن هذه الحادثة قوبلت بتشكيك كبير في وسائل التواصل الاجتماعي، ومما زاد الأمر غموضًا بعضُ التفاصيل العينية التي سربت لوسائل الإعلام ومنصات التواصل.
بعد يوم من الحادثة، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسريبًا للقطات كاميرا المراقبة كان واضحًا خضوعها للتعديلات؛ "القص والحذف"، إلا أنّ مصدرًا أمنيًّا قال لـ"خيوط"، إنّ الحذف تم لأسباب تقنية وحتى لا يطول المقطع، ولم يشمل أي جزئية مهمة يمكن أن تزيل شيئًا من غموض الجريمة.
وفي اليوم التالي لتسريب الفيديو، تم تداول ورقة مطبوعة على أنها وصية انتحار البروفيسور دويل، وبمطالعة الورقة التي تم تصويرها وفوقها بقعة دم، يلاحظ أنها صيغت بأسلوب كتابة ركيك وأخطاء إملائية فاضحة لا يقع فيها طالب في الابتدائية فضلًا عن بروفيسور متميز، عدا عن أن طباعة الورقة من الأساس شكّكت الكثيرين فيها، قائلين إن المنتحر لو أراد كتابة شيء سيكتبه بخط اليد، ولن يجد وقتًا لطباعة ورقة انتحاره بالكمبيوتر.
عدا عن ذلك نقل الصحفي فتحي بن لزرق، رئيس تحرير صحيفة عدن الغد، عن أحد أقارب الدكتور أحمد الدويل أنه أنهى صباح اليوم الذي وُجِدَ فيه مقتولًا كافة ترتيباته العائلية لاستقبال عيد الأضحى، وأنه كان لديه موعد سفر بعد العيد مباشرة في مهمة تتعلق بعمله الطبي.
الأمن يحيل الملف للنيابة
إدارة أمن عدن أصدرت مساء الجمعة 15 يوليو/ تموز، تصريحًا إعلاميًّا مقتضبًا بعد مرور أسبوع على الحادثة، قالت فيه إنّ فريق التحقيق الجنائي وخبراء الأدلة الجنائية وخبراء السلاح والبصمات والطبيب الشرعي قاموا بكافة الإجراءات القانونية وجمع الاستدلالات مرفقة بالتقارير اللازمة إلى النيابة العامة، وذلك بتاريخ 12 يوليو/ تموز لاستكمال الإجراءات المتبعة وفقًا للنظام والقانون.
وطالبت إدارة أمن عدن في تصريحها الإعلامي المقتضب جميع وسائل الإعلام ونشطاء التواصل الاجتماعي "ألّا ينجرّوا خلف التأويلات التي تؤدي إلى زيادة الجدل حول ملابسات وأسباب القتل حتى تنتهي النيابة العامة من حيثيات القضية وفقًا للإجراءات القانونية، وتصدر بيانًا كاملًا حول تفاصيل القضية".
واللافت أنّ أمن عدن تحدث في هذا التصريح حول ما أسماه "ملابسات وأسباب القتل" وهو ما عدّه مراقبون اعترافًا بأن ما جرى جريمة قتل وليس واقعة انتحار.
احتجاجات، والقبائل على الخط
دعت طبيبات من مختلف التخصصات الطبية في عدن في بيان وزعنَه على وسائل الإعلام، اطلعت عليه "خيوط"، إلى تنظيم وقفة احتجاجية في حرم كلية الطب جامعة عدن، بحي خور مكسر صباح الأحد 17 يوليو/ تموز 2022، للمطالبة بتحقيق عادل وشفّاف والكشف عن قتلة الدكتور أحمد الدويل.
وقال البيان الذي حوى أسماء عشرات الطبيبات، إن الوقفة الاحتجاجية ستطالب النائب العام القاضي قاهر مصطفى، والسلطات القضائية المحلية والأمنية في عدن إلى القيام بمهامها بمسؤولية، والإسراع في استكمال التحقيق في مقتل الدكتور أحمد الدويل، والكشف عن قاتليه وإعلان نتائج التحقيق بشفافية للرأي العام.
إلى ذلك ندّدت جماعات قبلية في حضرموت بحادثة مقتل الدويل، بحسب بيان صادر عنها، ووصفت حادثة القتل بـ"الإجرامي المشين والمخالف للأعراف الإنسانية والأخلاقية والأدبية". وطالبت الجهات الأمنية والقضائية بسرعة كشف الجناة ومن يقف خلفهم، وإحالتهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل.