وجد بعض سكان المشاولة بمديرية الوازعية بمحافظة تعز من جبل النجج المتاخم لمديرية المضاربة في محافظة لحج، مرادَهم في الحصول على فرص عمل تتمثل في التنقيب عن خام العقيق الذي يوجد، بكميات قليلة، ضمن المكونات الصخرية للجبل، بعد أن بدأ الاقتصاد الريفي بالاضمحلال في المنطقة والمناطق المجاورة.
والعقيق نوعٌ من أنواع الأحجار الكريمة المكون بدرجة أساسية من العقيق الأبيض والكوارتز، ويتشكّل العقيق اليماني بشكل أساسي داخل الصخور البركانية والمتحولة، ويشتهر العقيق اليمني منذ آلاف السنين بجودته العالية، وتنوع ألوانه وأنواعه، وعلاقته أيضًا بالمعتقدات الدينية. تستخرج خامات العقيق بطرق بدائية من داخل الصخور في مناطق جبلية، ويجري عادة تتبع خامات العقيق في الصخور، في مساحة لا تتجاوز عشرة أمتار، وعمقٍ قد يصل إلى ثمانية أمتار تقريبًا، ويتم إخراجها على هيئة كتل مختلفة الأوزان، لا يتجاوز وزن الخام من العقيق فيها الكيلوجرام.
قسوة الحياة والصخور
لم يعُد أمام الأربعيني، علي العثلي، من عمل يقتات منه غير قضاء جل نهاره في جبل النجج الشاهق، والحفر في كثير من مواضعه؛ بحثًا عن خام العقيق، وهذه العملية باتت الفرصة الوحيدة أمامه للحصول على المال لتسيير حياته وأسرته، في ظل ظروف بالغة القسوة، تقترب من قسوة الجبل الذي ينقب فيه.
يتناول علي فطورَه في منزله باكرًا ثم يصطحب الماء والزاد الذي يكفيه لوجبة الغداء، ويحمل معه مطارقه، ويقضي ثماني ساعات إلى عشر يوميًّا في قمة الجبل الشاهق، ينقب بحثًا عن ضالته اليومية.
ليست عملية الاستخراج سهلة، كما يقول علي العثلي، فهي معقّدة وشاقّة، أحيانًا يجد أحجارًا قليلة، وكثيرًا ما يعود خالي الوفاض، مثقَلًا بالتعب وبعض التقرحات في يديه من كثرة دقّ المطارق على الصخور الصمّاء.
ويشكو العثلي ورفاقه من عملية الاستغلال التي تتم أثناء عملية بيع أحجار خام العقيق لسماسرة يصلون إلى المنطقة لتسويقها في صنعاء، حيث يشترون شوالًا بعبوة عشرة كيلوجرامات بعشرين ألف ريال فقط، وهذا لا يغطّي ثمن الجهد والتعب الذي تم بذله في عملية الاستخراج خلال نهارات طويلة في الجبل.
وحتى تصل إلى قمة الجبل، يتطلب منك قطع المسافة الوعرة في ساعة كاملة، وخلالها سترى الشباب يتناثرون في شعاب الجبل المختلفة، ولا تسمع سوى صوت المطارق وصبّارات الحديد المتينة التي تستخدم لقلع الأحجار الصلبة، في الأماكن التي يتوقعون فيها وجود الخام الثمين.
فقدَ وليد الفرخ والدَه في الأول من يونيو من عام 2013، عندما كان يقوم بعملية البحث عن خام العقيق في أعلى قمة جبل النجج، ليهوي إلى أسفل الجبل، ليفارق الحياة. ومع ذلك لم يثنِ هذا الحادث وليدًا واثنين من أشقائه عن المضي على خطى والدهم في المهنة ذاتها التي دفع حياته ثمنًا لها.
يقول وليد الفرخ (36 عامًا) إنّ فريقًا وصل المنطقة، بعد وفاة والده، وزار أسفل جبل النجج، وكان الفريق يقوم بعملية جمع الأحجار، ويقوم بتصويرها، فاستفسرهم الشباب عن ذلك، فأخبرهم الفريق أنّ الجبل يحتوي على خام العقيق، وقبل مغادرته المنطقة طلب الفريق الزائر من الشباب تجميع كميات من العقيق وبيعه لهم.
العقيق نوعٌ من أنواع الأحجار الكريمة، المكون بدرجة أساسية من العقيق الأبيض والكوارتز، ويتشكل العقيق اليماني بشكل أساسي داخل الصخور البركانية والمتحولة، ويشتهر العقيق اليمني منذ آلاف السنين بجودته العالية، وتنوع ألوانه وأنواعه، وعلاقته أيضًا بالمعتقدات الدينية.
تآكل الاقتصاد الريفي
عملية البحث عن خام العقيق ليست بالسهلة، فهي تأخذ جهدًا ووقتًا يمتد إلى آخر ساعات النهار في أغلب الأيام، ومع ذلك قد لا يُثمر هذا الجهد في بعض الأحيان، بالحصول على أيٍّ من تلك الأحجار، وعن عملية البحث والتنقيب يقول وليد الفرخ: "إنّ العملية تبدأ من الضرب بالمطارق والعتَل الحديدية إلى أن يتم استخراج كميات من الأحجار التي تحتوي على خام العقيق، ويتم تصفيتها من التراب في الجبل، ومِن ثَمّ تصفيتها بالماء وتعريضها للشمس، للتعرف على حقيقة الحجر إن كان يحوي العقيق أم لا، بعدها يتم جمع كميات كافية منها، ثم يتم التواصل مع أشخاص يعملون على تسويقها لملّاك معامل في صنعاء".
وأشار وليد إلى أنّ المصاعب التي يواجهها الباحثون عن العقيق، تتمثل في خطورة الأماكن الوعرة والصعبة التي يتسلّقها الشباب أثناء الصعود لقمة الجبل، التي تزداد خطورتها أثناء موسم الرياح، إذ تعيق تحرك الباحثين، وتقلل من عملية البحث في الصخور.
في السياق ذاته، يقول الباحث الاقتصادي منير كريم، إنّ استخراج وبيع العقيق بات رافدًا اقتصاديًّا حيويًّا لدخل الأُسَر التي يعمل شبابها في هذه المهنة، حيث يتم جمع العقيق على مدى أسبوع كامل، قبل أن يتم التواصل مع الأشخاص الذين يأخذون منهم الأحجار التي تشير إلى وجود خام العقيق فيها، ويشترونها بأسعار متفاوتة تبعًا للجودة والصفاء وكمية الخام الموجود في عروق الأحجار، ولا تخلو هذه العملية من استغلال السماسرة حاجةَ المنقِّبين، ويشترون منهم الكميات التي جمعوها بأسعار بخسة لا تساوي الجهد الذي بُذِل في استخراجها وتنقيتها، ومع ذلك ما يتحصل عليه العاملون في البحث والتنقيب، يساهم في تغطية بعضٍ من تكاليف المعيشة المرتفعة في هذه المناطق الريفية النائية، التي شح فيها العمّال وقلّت فيها فرص العمل؛ بسبب تداعيات سنوات الحرب، وتآكل الاقتصاد الريفي البدائي، الذي كانوا يعتمدون عليه في السنوات الماضية، ومنها الفلاحة ورعي الماشية والتنحيل.