في البلدان التي ضربها الصراع، مثل اليمن، وما نتج عنه من تراجعٍ حادٍّ في نشاطها الاقتصاديّ، يمثّل الذهاب إلى المدرسة معاناةً يوميّة للعديد من الأطفال وأسرهم، إضافة إلى الآثار المباشرة للجوع، في ظلّ بروز عواقب طويلة الأجل لتعطل التعليم، سواء من حيث الإمكانات الاقتصادية أو البشرية للبلد المعني.
ويشكو كثيرٌ من المواطنين في اليمن من تراكم الأعباء المعيشية التي أصبحت تثقل كاهلهم في ظلّ فقدان نسبة كبيرة من السكان لمصادر دخلهم وسبل عيشهم المتاحة، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وتوقف صرف رواتب الموظفين المدنيّين؛ ما جعل التعليم يصبح أمرًا ثانويًّا لدى عديدٍ من الأسر اليمنية في مختلف مناطق البلاد.
وتقف "وجبة الإفطار" كعائق كبير أمام العديد من الأسر في اليمن، التي تجد صعوبة في توفيرها لأبنائها الملتحقين بالمدارس؛ الأمر الذي تسبّب إلى جانب عوامل أخرى، في زيادة معدلات التسرُّب من التعليم في بلدٍ ضاعفت الحرب من مأساتها على كافة الأصعدة.
يقول المواطن الخمسينيّ، أحمد قايد -من سكان صنعاء، ويعيل أسرة مكونة من 6 أفراد- لـ"خيوط"، إنّ تكاليف التعليم أصبحت باهظة، سواء على المستوى المعيشي أو الخدمة المقدّمة، إذ يحتاج إلى مبالغ طائلة لتوفير بعض الاحتياجات الضرورية كوجبة الإفطار قبل ذهاب ثلاثة من أبنائه، الذين يتوزعون على الثلاث المراحل التعليمية، إلى مدارسهم.
ويكشف تقرير حديث صادر عن البنك الدولي، اطلعت عليه "خيوط"، عن وجود أكثر من (2.4) مليون فتى وفتاة في اليمن في سنّ الدراسة غير ملتحقين بالمدارس، كما يحتاج نحو (8.5) مليون طفل في سنّ الدراسة الابتدائية إلى مساعدات إنسانية.
معاناة شاقة
ويحتاج نحو ثلث السكان في اليمن إلى مساعدات غذائية وملابس، إضافة إلى ذلك، فإنّ ثلث المنشآت والمرافق التعليمية في البلاد تعرّضت للأضرار أو للتدمير الكامل، في حين تمنع النفقات المطلوبة لتوفير الغذاء وغيرها من المصروفات المرتبطة بالمدارس، العديدَ من الأسر من إرسال أطفالها إلى المدرسة.
التعليم هو الطريق الوحيد لتمكين الجيل القادم من المهارات والمعرفة والأمل الذي يحتاجون إليه لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولمجتمعهم المحلي.
في السياق، يضطرّ خالد عبادي -موظف في إحدى الدوائر الحكومية في العاصمة اليمنية صنعاء- إلى الحضور إلى الدوام بشكلٍ يوميّ بالرغم من توقف صرف الرواتب؛ وذلك للحصول، بحسب حديثه لـ"خيوط"، على مبلغٍ زهيد لا يزيد على 20 ألف ريال، تحت مسمى "بدل تغذية".
في حين يعمل عبادي في مجال الخياطة بالفترة المسائية، في محاولة شاقة لتوفير ما أمكن من الاحتياجات المعيشية اليومية الضرورية، والتي تأتي كأولوية على تعليم جميع أولاده؛ لأنّ القادر منهم على العمل اضطرّ إلى إخراجه من المدرسة والبحث عن أيّ فرصة متاحة لمساعدته على توفير متطلبات الأسرة المعيشية.
ويؤكّد البنك الدولي أنّه يعمل على تنفيذ عديدٍ من التدخلات التي تستهدف مساعدة اليمنيين على مواجهة الأعباء المعيشية التي تؤثر على تعليم أبنائهم وإلحاقهم بالمدارس، وذلك من خلال "مشروع استئناف التعليم والتعلم" والذي يهدف إلى تحسين إمكانية الحصول على التعليم وتحسين ظروف التعلم في اليمن.
ويبيّن أنّ المشروع يقدم حزمة مساعدات مدرسية لأكثر من 1100 مدرسة في جميع أنحاء اليمن، والوصول لنحو 600 ألف طفل، في سبع محافظات يمنية. كما يستهدف المديريات اليمنية الأكثر احتياجًا، لا سيما تلك التي تستضيف الكثير من النازحين.
طريق الأمل
في هذا الصدد، تقول آلمادينا موزيتش- رئيس فريق العمل بالمشروع: "في اليمن، وحيث تسبّبَ الصراع في اضطرابات ودمار على نطاق واسع، يتخلف الكثير من الأطفال عن اللحاق بالدراسة، كما ينقطع الكثير منهم عن الدراسة في المرحلة الابتدائية، وهم غير قادرين على قراءة نصٍّ بسيط".
وتضيف أنّ التعليم هو الطريق الوحيد لتمكين الجيل القادم من المهارات والمعرفة والأمل الذي يحتاجون إليه لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولمجتمعهم المحلي.
ويموّل مشروع البنك الدولي أيضًا، برنامج المطبخ الصحي، حيث يصل إلى 4000 طفل في الأحياء الفقيرة، في مدينة عدن.
من ناحيته، يقول ريتشارد راغان، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في اليمن: "إنّ تأثير التغذية المدرسية في اليمن ببساطة، لا يمكن التقليل من قيمته؛ فملايين الأطفال هنا لا يملكون ما يكفي من الطعام، والأطفال الجوعى يكافحون للتعلم والنمو والازدهار. وهذا الأمر يعرّض فرصتهم في حياةٍ صحية ومنتجة، للخطر".
ويؤكّد أنّ برنامج التغذية المدرسية يمثّل عاملَ تغييرٍ جذريّ، حيث يمنح الأطفال ما يحتاجونه من سعرات حرارية ومغذيات تساعدهم على التركيز في الدروس والأداء الجيد في المدرسة، والتطلع لمستقبل أفضل.
