تشهد مدينة عدن (جنوبي اليمن)، تصاعدًا مُقلقًا في حوادث الاعتداء على النساء، بَدءًا من التحرش اللفظي والجسدي، وصولًا إلى القتل، وسط إخفاق أمني وقضائي في وضع حدٍّ لهذه الظاهرة، التي لم تكن ملموسة بهذا الشكل من قبل.
يأتي ذلك في ظل مخاوف مجتمعية واسعة مع تزايد هذه الحوادث مؤخرًا، حيث وصلت إلى مستوى اختطاف الأطفال، كما حصل في الفترة الماضية من خطفٍ وقتلٍ للطفلة "شمس" التي لم يتعدَّ عمرها خمس سنوات، في حيّ "الرزميت" بمنطقة كريتر في قلب عدن.
يلاحظ خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفاع معدل الانتهاكات ضد النساء في مختلف المناطق اليمنية، من جرّاء تزعزع الوضع الأمني والقضائي والأخلاقي، مع استمرار الصراع في اليمن منذ العام 2015، فقد زادت حدّة هذه الانتهاكات، وسُجّلت حالات عديدة بحق فتيات في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وفي غيرها من المناطق والمحافظات في البلاد.
اختصاصية نفسية: "من خلال مقابلتي بعض الحالات، منها فتيات تعرضن للملاحقة، هن الآن في المرحلة العلاجية بعد أن كن نشيطات فاعلات في المجتمع، حيث يصعب وصف ضغوط ما بعد الصدمة التي تعرضن لها، إذ امتنعن عن إكمال دراستهن، وصِرن مصابات بخوف شديد ونوبات هلع متواصلة".
وشهدت المدينة حوادث عدة مروعة خلال الفترة الماضية، كانت أغلبها في الشوارع والأماكن العامة وأمام مرأى ومسمع المارّة، بطرق بشعة هزّت الرأي العام، وبرزت مطالبات عديدة للجهات المعنية بالتحرك لحماية النساء والفتيات مع تكرار مثل هذه الحوادث من فترة لأخرى. ويرى كثيرون أنّ هناك أهمية لتكامل دور المجتمع مع الجهات الأمنية والقضائية لمواجهة هذا العنف والاعتداءات بحق النساء في مدينة عدن.
تفاقم مشاعر اليأس والإحباط
في أواخر العام الماضي، قُتِلت شابة تبلغ من العمر (23 عامًا)، بمركز تجاري في مديرية المنصورة، في أكثر واقعة عنف مروعة نسبت لأحد الشباب العاملين في نفس المركز. بعد أسابيع من حادثة العشرينية فاطمة عمر، تلقّت سجى محمد عياش، بينما كانت في طريقها إلى الجامعة، حيث تدرس في كلية الآداب الواقعة بمنطقة خور مكسر، عدةَ طعنات من قبل المدعو "طارق السليماني"، الذي أعلنت محكمة صيرة الابتدائية بدءَ محاكمته عقب ارتكابه هذه الحادثة دون معرفة الدوافع والأسباب.
في السياق، يُرجِع أكاديميون تفاقم هذه الظاهرة إلى جملة من العوامل؛ أبرزها الحرب والصراع في البلاد بوصفه عاملًا أساسيًّا ساهم في خلق بيئة خصبة لانتشار العنف بشكل عام، بما في ذلك العنف ضد النساء، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتدهور والفقر والبطالة، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم مشاعر اليأس والإحباط في أوساط كثير من الشباب، والمواطنين بشكل عام.
الأكاديمي في جامعة عدن، الدكتور مجيب الرحمن الوصابي، يرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ مشكلة الاعتداءات على الفتيات والنساء في اليمن أهمّ أسبابها الأوضاع المعيشية، إضافة إلى الفقر الذي يعتبره سببًا رئيسيًّا لكل أمراض المجتمع، بما في ذلك الاعتداءات على الفتيات والنساء.
كما يؤكّد أنّ عدم قبول الآخر، وفجوة التعايش الاجتماعي، يُفاقم هذه الظاهرة مع غياب التربية الأسرية، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما قد يُؤدّي إلى بروز سلوكيات خاطئة، تظهر بعضها بشكل مفزع ومرعب.
يتطلب الأمر توعية المجتمع وتحفيزه للتضامن وصدّ العنف وتحسين تربية احترام الآخرين خاصة النساء، بحسب هذا الأكاديمي في جامعة عدن، مشيرًا إلى أنّ تحسين الأوضاع الاقتصادية من شأنه أن يُقلّل من الفقر ويُحسّن من مستوى المعيشة، في حين يطالب الحكومة بضرورة التركيز على مكافحة البطالة وتوفير فرص العمل وتحسين الرواتب.
فاتورة باهظة يدفعها المجتمع
في منتصف أغسطس من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يُظهر نقاشًا وعراكًا بين زوجين في منطقة دار سعد (شمال عدن)، قبل أن تنفجر "قنبلة" أودت بحياتهما.
واستمرت مثل هذه الحوادث في أكثر من منطقة وشارع في عدن، آخرها الحادثة التي صدمت المجتمع، بعد أن ظلّ أحد الأشخاص، في العشرين من عمره، يراقب إحدى الطفلات، صغيرة في السنّ لا تتعدى خمس سنوات، ومباغتتها والقيام باختطافها واقتيادها إلى أحد الأماكن البعيدة عن الأنظار، قبل أن يتم العثور عليها بعد بحث طويل، مقتولةً ومرمية في هذا المكان.
مديرة إدارة الإعلام في اللجنة الوطنية للمرأة بعدن، ماريا العبسي، توضح لـ"خيوط"، أنّ سبب الجرائم التي طالت النساء في الفترات الأخيرة هو نتاج التغييرات التي حدثت لتركيبة المجتمع، في ظلّ امتداد الحرب والصراع إلى ما يقارب العشرة أعوام، إذ ساهم ذلك في تغذية العنف في المجتمع، وانتشار الأسلحة وسهولة استخدامها في ظلّ النزاعات.
بالمقابل، هناك من يطرح سببًا آخر يضاف إلى جملة الأسباب المذكورة في تنامي العنف والاعتداءات ووصولها إلى مستوى مروع، بعد ما شهدت المدينة الكثيرَ من الحوادث المفزعة التي تعرضت لها النساء والفتيات؛ حيث من غير المستبعد -بحسب مواطنين- انتشار الممنوعات مثل "الشبو" وغيره من العقاقير التي يؤثّر تناولها على الحالة العقلية لمتعاطيها.
لكن العبسي من ناحيتها، تركز على تبعات ما أفرزته الحرب والصراع بالدرجة الأولى، كونها سببًا رئيسيًّا، إلى جانب الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي، مؤكّدةً إلى أنّ الحرب كانت سببًا رئيسيًّا في انتشار ظاهرة العنف، وتغذية مشاعر القتل دون أيّ خوف؛ لذا فإنّ ما يتم معايشته هو فاتورة الحرب التي يدفعها المجتمع بازدياد معدل الجريمة، إلى جانب التفكك الأسري.
انتهاج سلوكيات مناهضة للقيَم
تعاني النساء اللواتي يتعرضن للاعتداء، من صدمات نفسية وجسدية خطيرة، تصل بعضها إلى الوفاة، كما تخلق هذه الحوادث شعورًا بالخوف والقلق لدى النساء، ممّا قد يمنعهن من المشاركة في الحياة العامة، ويُجبرهن على البقاء في المنزل خوفًا من التعرض للاعتداء، ممّا يؤثّر سلبًا على دورهن في المجتمع.
تقول المستشارة والاختصاصية النفسية، وفاء سعد طلحة، لـ"خيوط"، إنّ هذه الأفعال نتاج عوامل عدة، منها اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، إضافة إلى فساد ثقافة الشباب وانتهاج السلوكيات المناهضة لقيم المجتمع.
تتابع: "من خلال مقابلتي بعض الحالات، منها فتيات تعرضن للملاحقة، هن الآن في المرحلة العلاجية بعد أن كُنّ نشيطات فاعلات في المجتمع، حيث يصعب وصف ضغوط ما بعد الصدمة التي تعرضن لها، إذ امتنعن عن إكمال دراستهن، وصِرن مصابات بخوف شديد ونوبات هلع متواصلة".
إذا نظرنا إلى محافظة عدن في العام الماضي، حدثت أكثر من جريمة اعتداء بحق فتياتها في شوارع المدينة، وكانت نتيجة لانتشار المخدرات في أوساط الشباب، إلى جانب السلاح بنوعيه الأبيض والناري، وغياب دور الأمن وضعف القضاء في السنوات الماضية، لعدم توفير الحماية الكاملة للقضاة وأعضاء النيابة العامة.
ضمن هذه الحالات، تحكي طلحة عن إحداها؛ لـ"فتاة كانت عائدة إلى منزلها في أحد الأحياء، وكانت الكهرباء فيه مقطوعة عندما وصلته، حيث تعرضت لملاحقة شاب بطريقة مُفاجِئة أرعبتها، فخافت وتجمدت من الخوف، ودخلت في أزمة نفسية صعبة، حتى إنّها فقدت ثقتها بالعالم وانعزلت، رغم أنها كانت تحمل شخصية مرحة وذكية.
لكنها بسبب العنف، أصبحت كئيبة وحزينة وتعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وتستخدم حاليًّا أدوية وجلسات علاجية لتخطّي هذه الصدمة"، في حين تدعو وفاء إلى ضرورة مواجهة هذه الظاهرة وحلّها؛ نظرًا لنتائجها المؤلمة للغاية.
ظاهرة تتطلّب تحرُّكًا عاجلًا
تصاعد حوادث الاعتداء على النساء في اليمن ظاهرة خطيرة تتطلّب تحرُّكًا عاجلًا من جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومجتمع مدني ومنظمات دولية، لوضع حدٍّ لهذه الظاهرة وضمان حماية النساء من العنف.
يعلق الناشط الحقوقي، جواد النابهي، في هذا الخصوص لـ"خيوط"، بالقول: "العنف ضد المرأة ظاهرة منتشرة في كل محافظات اليمن، وليست في عدن فحسب، ولم تقتصر بحدود الأسرة بل تعدت ذلك لتشمل أشخاصًا لا تربط بينهم أي صلة".
يضيف: "إذا نظرنا إلى محافظة عدن في العام الماضي، حدثت أكثر من جريمة اعتداء بحق فتياتها في شوارع المدينة، كانت نتيجة لانتشار المخدرات في أوساط الشباب، إلى جانب السلاح بنوعيه الأبيض والناري، وغياب دور الأمن وضعف القضاء في السنوات الماضية، لعدم توفير الحماية الكاملة للقضاة وأعضاء النيابة العامة".
أما عن دور القانون فيرى النابهي أنه موجود، لكنه حبرٌ على ورق، فلو طُبّق القانون لاختفت ظاهرة الجريمة؛ لأنّ تطبيقه في مثل هذه الحالة يمثّل حياة للمجتمع عمومًا، فهو يمنع وقوع الجريمة ويشكّل رادعًا عن ارتكابها؛ لذا فإنّ الأمن عمومًا، يسبق القضاء والعدالة.