بالنظر إلى تاريخ انطلاق أول بث لتلفزيون عدن في 11 سبتمبر 1964، ومقارنته مع الحالة السياسية في البلاد بعد تفجر ثورة 14 اكتوبر 1963، وتصاعد المد القومي والتحرري، وتأثير إذاعة صوت العرب وخطابات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عن القومية والوحدة العربية وتصفية الاستعمار.
كل ذلك كان مدعاة لأن تبتدع السلطة الاستعمارية البريطانية وحليفتها، حكومة اتحاد الجنوب العربي، وسيلة إعلامية حديثة ومؤثرة ومتقدمة في التأثير لما بعد الوسيلة السمعية ( الإذاعة،) لوسيلة إعلامية سريعة التأثير ومغايرة التوجهات لهذه السياسيات الثورية والتحررية التي كانت تعد مصدر قلق لبريطانيا أثناء وجودها في عدن .
أظن أنه من وجهة نظر بريطانية كان من الضروري استخدام هذه الآلة السحرية الحديثة التي سميت الشاشة الفضية بصفتها قوة مقاومة ناعمة لمواجهةِ تحدٍ للوجود البريطاني في عدن والجنوب، وهما في حالة تأثر بما يحصل من استقلاليات وطنية ونشوء جمهوريات مستقلة في بعض دول الوطن العربي، وفي دول التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن أجل خلق جو مواتٍ لتسليم البلاد إلى حكومة موالية (حكومة اتحاد الجنوب العربي.)
لقد خرج تلفزيون عدن، أراد منشئوه أم لم يريدوا، من عباءة السلطة الاستعمارية التي كانت لها أهدافها السياسية، بصفتها سلطة فاعلة ومحركة لحكومة من صنيعتها، إلى ما هو أبعد من هذه السياسة الإعلامية الموجهة. وصنع هذا الجهاز السحري الذي عرفته عدن ميزة تفاعلية إيجابية في نفوس مشاهديها بأن غرس فيهم بذور التفاعل الحضاري والتواصل الإنساني مع المجتمع المحلي.
أتذكر، وأنا طفل، حين جاءت لجنة تصفية الاستعمار الدولية المفوضة من الأمم المتحدة إلى عدن في عام 1967، وكانت المدينة تعيش حالة حظر التجول. ومن أجل دفع المواطنين لعدم التفكير بالخروج لمقابلة اللجنة أو إقامة مسيرات مناهضة، أقدم التلفزيون يومها على أول بث صباحي له بغرض محاولة إشغال المواطنين بالجلوس وراء الشاشات، بدلاً من الخروج إلى الشارع. ومن جهة أخرى كان التلفزيون يؤدي هدفًا داخليًا للسلطة البريطانية لعائلات الضباط التي تعيش حالة عزلة عن العالم، من خلال تقديم خدمات التلفزة للبريطانيين المقيمين في المدينة (عدن.)
وجهة نظر مغايرة لفكرة إلهاء الشعب
يقول الإعلامي التلفزيوني أحمد محمود سلامي، المتابع والموثق لتاريخ تلفزيون عدن: "لم يكن إنشاء التلفزيون ترفاً أو إلهاءً للجماهير عن الثورة كما قيل في ذلك الوقت. ففكرة إنشائه طرحت منذ عام 1962، لينظم إلى وسائل الإعلام الوطنية التي هي جزء من مكونات قيام وبناء الدولة الجديدة (اتحاد الجنوب العربي) مثلها مثل الوزارات الاتحادية والجيش النظامي ومؤسسة النقد للجنوب العربي والعملة الوطنية (الدينار،) وكان على وسائل الإعلام -خاصة التلفزيون- أن تلعب الدور الكبير في تهيئة الناس وتعريفهم بأهمية التراص والوقوف مع النظام الاتحادي الجديد الذي سيتسلم السلطة بعد جلاء الاستعمار البريطاني في مطلع عام 1968."
وهذه وجهة نظر أو تحليل يبدو مقبولًا ووجيهًا من حيث تتبع الكاتب مراحل البحث من حكومة الاتحاد الفيدرالي لإنجاز هذا المشروع الإعلامي، ليتوافق مع جملة إجراءات اتخذتها حكومة الاتحاد ومن ورائها بريطانيا، لتمكينها في استلام السلطة بعد رحيلها عن عدن والجنوب.
إلا أن تشكيل اتحاد الجنوب العربي تحت الرعاية البريطانية والإسراع في إجراءات التمكين للاتحاد ما كان لها أن تحدث لولا أن بريطانيا فكرت فعليًا بالرحيل بفعل تداعيات المد الثوري والقومي السائد يومها، وأن تأسيس التلفزيون يخدم توجه بريطانيا، لترسيخ قبول الاتحاد بصفته حكومة بديلة لها لاستلام السلطة بعد رحيلها، في ظل حركات تحررية تطالب بالاستقلال الفوري وتنافحها بالسلاح والسياسة والديبلوماسية .
ومن هنا قد يبدو أن قبول السلطة البريطانية مقترح إنشاء التلفزيون المقدم من حكومة الاتحاد، بقصد أو بدون قصد، يحقق هدفها في جعله أداة لتوصيل رسالة مفادها تهيئة الشارع لقبول خياراتها بعيدًا عن تلك خيارات القوى السياسية والحركات التحررية المناوئة.
تلفزيون عدن أداة توعية وتنوير
من الواضح أن تلفزيون عدن من ناحية برامجه الدرامية المستوردة من الخارج عربيًا ودوليًا كان أكثر وأرقى التلفزيونات العربية استهلاكًا للمسلسلات الأجنبية والأفلام والأغاني العربية والدراما العربية والاجنبية.. فكان أحدث الأفلام والمسلسلات الأجنبية تتوالى على البث في تلفزيون عدن تباعًا، وفي وقت قريب من الإنتاج .
وإذا افترضنا أن سياسة النظام البريطاني الحاكم أن يستفيد من هذه الآلة السحرية في حرف اتجاه الرأي العام المحلي عن قضاياه الوطنية والتحررية وتوجهه لتمكين السلطة البديلة بحكومة الاتحاد الموالية لبريطانيا، فإن واقع الحال جعل من هذه الوسيلة تنحو بأثرها على المتلقي المحلي عكس هذا الهدف، بما شكلت منذ نشأتها من وعي تنويري ومعرفي لدى المشاهد المستهدف من هذه التقنية حديثة العهد، فصار تلفزيون عدن هو وسيلة التواصل والتثاقف مع العالم (المتحضر) الأوروبي والأمريكي، ومع الثقافة العربية بمركزها الثقافي في مصر أو الكويت وغيرها من بلدان العالم العربي ..فكان تلفزيون عدن هو أول تلفزيون في الجزيرة وثالث تلفزيون عربي بعد مصر والعراق.
ولعل ما يعزز ذلك إحصاء المسلسلات الأجنبية التي كانت تأتي إلى تلفزيون عدن طازجة من مصدرها الرئيس، لندن أو واشنطن، أو الأفلام والأغاني من مصر مصدر الدراما العربية، وقليلاً من الكويت وغيرهما.. وأصبح تلفزيون عدن على المدى القريب من تأسيسه بالنسبة للسكان المحليين في عدن وضواحيها أداة تنوير وتثقيف وتوعية وتثاقف وتواصل مع العالم الخارجي.
خرج تلفزيون عدن من يد الاستعمار البريطاني وأدواته في حكومة الاتحاد ليصبح أداة وطنية يعمل على رأس قيادته نخبة وطنية محلية عملت على نشر الإبداع والثقافة والفن المحليين، وأصبح التلفزيون يتجاوز سياسة راسمي خطة إنشائه (السلطة الاستعمارية وحكومة الاتحاد) ليصبح وسيلة محلية تنتج البرامج الدرامية والفنية والاجتماعية المحلية ويخرج الاعلاميين الرواد الذين اشتغلوا فيه ومارسوا مهنة تقديم الاخبار وإعداد البرامج وإنتاج البرامج الاجتماعية والثقافية والفنية والدينية.
أصبح تلفزيون عدن، وفي عهد الاستعمار البريطاني نفسه، سلطة إعلامية وطنية وأداة تنويرية وتوعوية لجموع الناس الذين ارتبطوا به من عاملين في أروقته أو مشاهدين من وراء الشاشات.
هذه المميزة التنويرية جاءت من كون أي وسيلة إعلام، والتلفزيون في مقدمتها، لا يمكن أن تحيد عن دورها الأساس بعد وظيفة الإخبار للسياسة الموجهة لتنحو إلى دور آخر أكبر وأعمق تأثيرًا في ممارسة التثقيف والتنوير، وهذا ما جناه تلفزيون عدن عمليًا وتاريخيًا في صيرورته التاريخية، يوثق لعدن والجنوب أشكال الإبداع والفنون والثقافة، وينمي الذائقة والتذوق الفني في مختلف مجالات الفنون (المسرح والدراما والغناء والثقافة والأدب) وتقديم الرسائل الإعلامية من خلال البرامج المحلية، وصار تلفزيون عدن بما احتواه من مادة أرشيفية ذاكرة لمرحلة تاريخية، فنًا وابداعًا و دراما وبرامج اجتماعية ومنوعة احتفظت بحيويتها التاريخية .
كل ذلك بفضل هذه الصندوق السحري الذي تحول بصورة تلقائية إلى عامل تاريخي مؤثر في بناء جيل، ومن بعده أجيال متأثرة بما يبثه، وأصبح عاملاً مؤثرًا على نخبة مثقفة ومتعلمة ومرتبطة بالعالم الخارجي، وأكثر إلمامًا وارتباطًا بالشعوب العربية وشعوب العالم بما يقدمه من أعمال متنوعة، وتلك من فضائل تلك الشاشة الفضية المسماة تلفزيون عدن.
لذلك نقول لكل من يدعي أن إنشاء تلفزيون عدن هو صناعة استعمارية وقيمته التاريخية تقاس بما قدمه الاستعمار البريطاني الذي أنشأ هذه الوسيلة، نقول له إن التاريخ يعلم الأوطان كيفية جعل أدوات السلطة الحاكمة وسائلَ إعلامٍ موجهة لخدمة سياساتها لتتحول تمامًا بفعل طبيعتها الذاتية، وتخالف هذا المنحى، وتصبح أدوات للتنوير والتثقيف، وأداةَ وطنية تثري الشعوب، وهذا ما صار في تاريخ تلفزيون عدن منذ بداية تأسيسه وحتى آخر يوم من رحيل آخر جندي بريطاني ونيل الاستقلال الوطني واستلام الدولة الوطنية الناشئة (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) في30 نوفمبر 1967 زمام قيادته، فقد كانت تحركه وتشغل أجهزته وتصنع برامجه قبل ذلك وبعده أياد من أبناء الوطن من الرواد أمثال توفيق إيراني، لبناني الجنسية، والرائد الإعلامي حسين محمد الصافي، وأحمد الزوقري، ومحمد عمر بلجون، وغيرهم، رغم ارتباطه عمليًا بمكتب العلاقات والنشر الذي يرأسه بريطاني، ثم تحولها بعد ذلك إلى وزارة الإرشاد لحكومة الاتحاد .
لقد خرج تلفزيون عدن، أراد منشئوه أم لم يريدوا، من عباءة السلطة الاستعمارية التي كانت لها أهدافها السياسية بوصفها سلطة فاعلة ومحركة لحكومة من صنيعتها إلى ما هو أبعد من هذه السياسة الإعلامية الموجهة، وصنع هذا الجهاز السحري الذي عرفته عدن ميزة تفاعلية إيجابية في نفوس مشاهديها بأن غرس فيهم بذور التفاعل الحضاري والتواصل الإنساني مع المجتمع المحلي، والتأثير الفني والحضاري مع دول الوطن العربي والعالم الغربي والعالم أجمع، بما قدمه من منتجات درامية وغنائية ورياضية ودينية وثقافية وإبداعية، وعكس ثقافة التحضر والتمدن، جعلت من المشاهد العدني وابن الجنوب في المحافظات القريبة ينهلون من هذه الشاشة الفضية ثقافة وعلمًا ودراما ورياضة وعلومًا وتربية دينية وسلوكًا حضاريًا وتفاعلاً مع ثقافات وحضارات شعوب العالم لم تتح هذه الفرصة التاريخية لشعوب مجاورة لم تعرف نعمة وجود التلفزيون وأثره في التطور الحضاري إلا بعد زمن من هذا التاريخ .
عدا ما كان يصنعه إعلاميو التلفزيون والنخب الإبداعية المحلية من برامج درامية وثقافية واجتماعية ودينية ومسرحية وتمثيلية محلية وبرامج أطفال كان لها وقع وأثر في الذاكرة الجمعية، وظلت في ذاكرة البدايات التلفزيونية معلمًا ونقطة انطلاق. ومن هذه البرامج: فنجان شاي، جنة الألحان، وبرامج الأطفال لعديلة بيومي، والتمثيليات المحلية كتمثيلية هدى البديلة، وأغاني الأطفال.
إجمالًا، تلفزيون عدن تاريخ وطني تجاوز حدود تاريخ إنشائه وظروفها، ليصبح ذاكرة وطنية وثقافية وإبداعية ووسيلة تنويرية صنعت أجيالًا من النخب العالمة والمثقفة والمواطنين الواعين.
مقاربات طفولية لسحر تلفزيون عدن
لا أحيد عن قول الحقيقة إذا قلت إن جزءًا كبيرًا من تكويننا المعرفي والإبداعي ومميزات سلوكنا ومعاملاتنا قد تأثرت كثيرًا بما كانت تقدمه إذاعة عدن التي تأسست في بداية خمسينيات القرن، وتلفزيون عدن في ستينات القرن الماضي، ونحن في مرحلة الطفولة. وساترك تأثير الإذاعة لكتابة أخرى. أما التلفزيون فقد كان رفيق طفولتنا، وكثير من مخرجات شخصياتنا كانت على قرب مما نشاهده في التلفزيون من أفلام ومسلسلات وبرامح ظلت مطبوعة في ذاكرتنا حتى يومنا الحاضر، ونحن الآن في مرحلة الكهولة.
كنت وأنا ابن الثامنة والتاسعة من العمر أشاهد بانبهار المسلسلات الأجنبية، أفقه منها القليل من المعرفة ومضامين ما يدور في حلقات المسلسلات والكثير من روح التسلية والتشويق، وربما الفكاهة من دون أن تخدش طفولتي مشاهد مخلة، وأتابع برنامج وأغاني الأطفال ونستمع بقليل من الاستيعاب لنشرات الأخبار الرئيسة وغير ذلك.
الكنز الذي اغترفناه من الشاشة الفضية لتلفزيون عدن منحنا قدرة على معرفة الآخر والتواصل معه والاستفادة من القصص والحكايات المعروضة، ونمى فينا الذائقة الإبداعية، وكان هذا خليطًا من المخرجات الإنسانية والإبداعية والنفسية التي شكلت جزءًا ما من شخصياتنا، تأثرًا بهذا السحر الذي كانت تقدمه الشاشة الفضية لتلفزيون عدن.
ولا زالت أسماء المسلسلات الأجنبية التي كان يعرضها تلفزيون عدن مطبوعة في الذاكرة، فلا يمكن أن أنسى مثلًا مسلسلات: بونانزا، والعبطاء الثلاثة، أرض المعارك، الهارب المدبلج مباشرة بصوت الفنان والإعلامي الراحل عبدالرحمن باجنيد، دكتور بن كاسي، ذا سنت أو القديس بطولة روجر مور، لاريدو، لوسي، رحله إلى قاع البحر، الرجل الخفي، باتمان، تكساس، جاليجان، كام باك، فيوري، وكل مسلسل كان له حكاية لها ووقع في نفوسنا .
إلى جانب حلقات أسبوعية لحلبات المصارعة والملاكمة في أمريكا التي تقام في حلبات مدن أمريكا، وقد تعرفت واحببت الفن النبيل (الملاكمة) رغم عنفيته من خلال عروض الملاكم العالمي محمد علي كلاي.
أما الأفلام العربية فأعتقد أن تلفزيون عدن كان سباقًا في عرض أحدث الافلام العربية أبيض وأسود، وتعرفنا على كل شخصيات وأبطال هذه الأفلام، أسبقيةً لنا دونًا عن كثير من المشاهدين العرب. ولا أنسى التصوير الدرامي قبل ظهور الفيديو كليب لأغاني همسة حائرة والكرنك للموسيقار محمد عبد الوهاب، أيظن وإلهي ما أعظمك لنجاة الصغيرة، لأجل النبي للكحلاوي، وأهل المحبة لعبد المطلب، والورد جميل بصوت زكريا أحمد. وقبلهم أفلام عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي التي كانت تنهال على الشاشة وتمنحنا لمسة عاطفية تدغدغ مشاعرنا العاطفية، ومسلسلات تلفزيونية مصرية في بداياتها الدرامية كالساقية، والرحيل، والمسرحيات المصرية التي كانت يعرضها التلفزيون مثل مسرحية روبابيكيا، ولا ننسى الفن الكويتي من غريد الشاطئ وعبد الكريم عبد القادر والطوخي في صوت السهارى.
أما عن البرامج المحلية فقد كانت رغم قلتها مصدر إبداع في الفن من خلال برنامج جنة الألحان وبرامج الأطفال لماما عديلة ومذيعي نشرات الأخبار العربية والإنجليزية.
كل ذلك الكم الهائل من التدفق البرامجي الذي كان تعرضه الشاشة الفضية لتلفزيون عدن شكلت في ذواتنا حالة متقدمة من المعرفة والتذوق البصريين، واستطاعت أن تغرس فينا قيمًا ومعارف ننتقي منها ما يوائم مرحلتنا العمرية بوصفنا أطفالًا، وعاداتنا وتقاليدنا المحلية والدينية، وأن تزرع فينا الكثير والكثير من البهجة والتسلية والتعرف على العالم من حولنا عربيًا وغربيًا ودوليًا، رغم تكريس الثقافة الغربية في معظم المنتج الذي يبث، فإنه كان منتجًا راقيًا في اختياراته ولا يخدش الحياء المجتمعي.
الكنز الذي اغترفناه من الشاشة الفضية لتلفزيون عدن منحنا قدرة على معرفة الآخر والتواصل معه والاستفادة من القصص والحكايات المعروضة، ونمى فينا الذائقة الإبداعية، وكان هذا خليطًا من المخرجات الإنسانية والإبداعية والنفسية التي شكلت جزءًا ما من شخصياتنا تأثرًا بهذا السحر الذي كانت تقدمه الشاشة الفضية لتلفزيون عدن. فكنا جيلًا من أبناء التلفزيون (جيل المشاهدة البصرية) في وقت كان أقراننا فيه أفضل من فيهم هو من جيل السماع (الإذاعة.)
وربما هذا التقدمية المعرفية التي حظينا بها جعلتنا متقدمين معرفيًا وابداعيًا وتجارب شخصية ونفسية عن أولئك المحرومين من لذة الجلوس أمام شاشة التلفزيون، وأفضل من غيرنا الذين كانت ثقافتهم وتأثرهم سماعيًا عبر الراديو، فيما كنا نحظى بأفضلية المشاهدة المرئية التي كانت تقربنا أكثر في عملية الإحساس والتفاعل والتأثر مما يبث صورة وكلامًا منطوقًا أو مكتوبًا أو مترجمًا، ومباشرًا من لسان القائل في حركية مباشرة مع التلقي عبر العين والسمع والعقل معًا.
تلفزيون عدن الذي خالط طفولتنا بمساءاته المبهجة وجلوسنا البهي أمام شاشاته، خط في حياتنا أثرًا لا يمحى من الذاكرة المستعادة ومن القيمة الجمالية والمعرفية التي شكلت جزءًا مهمًا في مشوار حياتنا اغترفنا منه كل جميل ومفيد ومبدع .
ختامًا..
تحية تقدير وشكر لرواد الإعلام التلفزيوني في تلفزيون عدن الذين سطروا ملحمة تنويرية أكملت لعدن وجهها الحضاري وريادتها الإبداعية والفنية والرياضية، ولمن جاء بعدهم من جيل إعلاميي الدولة الوطنية بعد الاستقلال.