ميناء عدن و معضلة "معاشيق"

لهذه الأسباب تمانع الإمارات فتح الطرقات الشطرية
محمد عبدالوهاب الشيباني
June 22, 2024

ميناء عدن و معضلة "معاشيق"

لهذه الأسباب تمانع الإمارات فتح الطرقات الشطرية
محمد عبدالوهاب الشيباني
June 22, 2024
الصورة لـ: محمد الصلوي -خيوط

المشكلة التي تفجرت مؤخرا بين رئيس الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي، الشريك في الحكومة ذاتها، على خلفية قرار ابن مبارك تمكين جهاز الرقابة والمحاسبة من مراجعة حسابات شركة موانئ عدن، تكشف أن الامارات العربية لم تستكمل بعد مشروعها الاستحواذي من الحصة الاستراتيجية في الموارد اليمنية، ومنها موانئ عدن، التي تريد ابتلاعها عبر شركة موانئ أبوظبي، التي سبق لحكومة باسندوة في 2013 إبطال اتفاقية مثيرة للجدل مع نظيرتها موانئ دبي كان نظام صالح قد أبرمها معها في 2008، واتضح وقتها أن الأخيرة هدفت من وراء الاستحواذ على الميناء تعطيله ليس إلا لصالح موانيها، بعد أن مارست الكثير من الضغط على الشركة السنغافورية وشركائها التي كانت تشغل ميناء الحاويات حتى أواخر التسعينات.

 لهذا السبب وأسباب أخرى تأخر إحداث اختراق في ملفات عديدة متصلة بحرب اليمن تتحكم وتؤثر بها دولة الإمارات (الطرف الثاني في التحالف) عبر أدواتها ومنها ملف الطرقات، إذ تمانع قوات المجلس الانتقالي فتح الطرقات بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية (الطرقات الشطرية) مثل: طريق صنعاء عدن عبر الضالع، وطريق البيضاء أبين عبر عقبة ثرة، وطريق تعز عدن عبر كرش والشريجة وطرق البيضاء ومأرب الرئيسة التي تصل المحافظتين بشبوة.

الطريقان اللذان تم افتتاحهما مؤخرا، البيضاء مأرب، والحوبان الكمب بشرق مدينة تعز، كان للسعودية تأثيرها الواضح على حلفائها في تعز ومأرب (الإصلاح) للمضي في هذه الخطوة. وقبل ذلك كان الفاعل الرئيس فيها رغبة الطرفين في إنجاز هذا الاختراق عبر تفاهمات سعودية إيرانية وبواسطة عمانية قطرية من أجل البناء عليه في مشروع التسوية القادمة التي تستعجل السعودية إتمامها للخروج من المآزق التي وجدت نفسها فيها بسبب فساد رؤيتها، وفساد أدواتها في الداخل، وغدر شركائها في التحالف. وهنا يتوجب التوقف قليلاً أمام سؤال لا يزال يشغل الشارع، وهو كيف أن الحوثيين كانوا هم أصحاب المبادرة لفتح الطرق وخصوصا طريق شرق تعز، وهم في الأصل من قاموا بإغلاق الطرقات وتشديد الحصار على المدينة لتسعة أعوام. الإجابة تكمن قطعا في سياق المنافع التي سيتحصلون عليها كما سنحاول عرضه في السياق.

ما صار معلوما عند الجميع أن الإمارات، وعبر أدواتها ووكلائها، عملت على إفشال عمل الحكومات المتعاقبة وإضعافها، وسهلت بالمقابل للحوثيين بناء قدراتهم العسكرية والأمنية والاقتصادية لتشديد قبضتهم على الشمال عبر الكثير من الأغطية. ولتحقيق هذا الهدف لعبت أدوارا ابتزازية داخل التحالف الذي تقوده السعودية، وعمدت إلى إغراقها بواسطة ضباط كبار في قيادة التحالف تم شراؤهم، أو من خلال عمليات التعطيل والإرباك على الأرض، وحينما تيقنت السعودية من هذا الفخ المرسوم بإحكام سارعت إلى تنفيذ اتفاقها مع ايران برعاية صينية في مارس 2023، قبل أن تخوض مفاوضات منفردة ناجحة مع الحوثيين حول كثير من التفاصيل. وعلى بعد خطوات من التوقيع انفجرت حرب غزة، التي استغلها الحوثيون ببراعة ووظفوها لابتزاز الجميع بمن فيهم السعودية ذاتها، التي باتت تسهل لهم الكثير من المهام.

الحوثيون بغطاء وإسناد ايراني عماني تمكنوا من السعودية وباتوا قادرين على (حلبها) كما يريدون، وهي بالمقابل ليس لديها مانع من الاعتناء بهم كما لو أنهم ولد مدلل تُلبى كلُ رغباته بشرط ألا يثير كثيرا من الفوضى في المحيط، ولا بأس إن فعل ذلك بيته.

الإمارات تكشفت في حرب غزة تماما بانحيازها الكلي لدولة الاحتلال التي تمارس أبشع أنواع التدمير والقتل والتشريد على الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، والسعودية التي كانت على بعد خطوات من التطبيع مع دولة الاحتلال أيضا (فرملت) قليلا حتى لا تتهتك صورتها كلية بوصفها قائدة المنطقة الروحية، مع اشتراطها المضي في الخطوة على قاعدة قيام دولتين وإنها الحرب والبدء بالإعمار، وبالمقابل مثَّلت هذه الحرب هدية كبيرة لإيران ووكلائها في المنطقة، إذ قدموا أنفسهم مساندين للمظلومية الفلسطينية (قضية وشعبا،) فاستثمروها بطريقة ذكية ومدروسة لتنصيع صورتهم المتهتكة بصفتهم قوى طائفية واستبدادية متخلفة أنتجت كل هذه الفوضى في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وصار الحوثي والحشد الشعبي وحزب الله قوى تحرير ثوري وليس أدوات لمشروع طائفي ابتلاعي مركزه طهران وحوزاتها الدينية. 

وداخل هذه المعادلة المشتبكة يمكن قراءة خطوات التقارب والتنافر في ما يتصل بالملف اليمني في أوجه عدة. الحوثيون بغطاء وإسناد ايراني عماني تمكنوا من السعودية وباتوا قادرين على (حلبها) كما يريدون، وهي بالمقابل ليس لديها مانع من الاعتناء بهم كما لو أنهم ولد مدلل تلبَّى كلُ رغباته بشرط ألا يثير كثيرا من الفوضى في المحيط، ولا بأس إن فعل ذلك بيته. والإمارات ستعمل كل ما في وسعها للتعطيل عبر أدواتها ووكلائها في الداخل حتى تحقق كل ما جاءت من أجله إلى اليمن وهو الاستحواذ على الجزر والموانئ والممرات الاستراتيجية في المحيط وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر (جزيرة سقطرى وملحقاتها، وجزيرة ميون، وجزيرة حنيش، وموانئ المكلا وعدن والمخا ومضيق باب المندب،) والتي صارت القوى الموالية لها تتحكم بها، ليس لتنشيط هذه الأماكن بل لتعطيلها وإغراقها في الفوضى وابعادها عن مشروع طريق الحرير الصيني حتى تضمن استقرار موانيها في جبل علي وأبوظبي. أما الحكومة المعترف بها دوليا والتي تعمل على قاعدة احترام المضيف في عدن فهي آخر من يستطيع التأثير في هذا الاشتباك، فكفيلها الرئيس في الرياض صار وكيلا لخصمها الحوثي، وشريكها في معاشيق المتحكم على الأرض يستطيع طردها منه في أي لحظة إن أشار إليه الراعي من أبوظبي بطرف أصبعه.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English