يعود رمضان في هذا العام إلى مدينة عدن في لحظة حرجة في حياة المدينة، فلم تشهد عدن أزمات كثيرة ومتتالية كالتي تشهدها اليوم، فحتى في فترة حرب 2015، لم يكن التردي كاشفًا عن وجهه القبيح، كما هو الآن.
لكن ورغم ذلك كله، يبقى لشهر رمضان نكهته الخاصة، الفريدة، المميزة، الباعثة للأمل، هذه النكهة -والتي ينتظرها جميع من سكن المدينة؛ فلمّة الأهل على مائدة الإفطار الرمضانية، وصلوات التراويح، وفتح الأسواق حتى أذان الفجر، وإقامة بطولات كرة القدم، بالإضافة إلى النسيج الاجتماعي الحي والمعبِّر عن نفسه بتبادل المأكولات الرمضانية قرابة أذان المغرب، بين البيوت، هذه الأشياء وأكثر تجعل لرمضان نكهة خاصة، في مدينة تداوي معاناتها بهذه النكهة الروحانية والتقاليد الاجتماعية التي تصر على معايشتها في هذا الشهر الكريم.
في هذا السياق، يشير الحاج عبده عمر لـ"خيوط"، وهو مالك أحد المقاهي الشعبية في عدن، إلى الروح الفريدة في المدينة لاستقبال شهر الصيام، حيث تتردد صدى هذه الكلمات الترحيبية: "مرحب مرحب يا رمضان" في كل مكان في مدينة عدن، والتي تعبر -كما يقول هذا المواطن- عن احتفاء أهالي وسكان عدن بهذا الشهر الكريم. كلمات تستعد بها الأرواح والأجساد لصيام شهر الصوم والإكثار من الأدعية والابتهالات، بالذات أثناء صلوات التراويح وقبل الفطور وعند السحور، وأضاف، فيما معناه، أن الساعة تتغير في شهر رمضان.
تظل الأزمات المعيشية وغلاء أسعار السلع أهم المنغصات التي يعاني منها سكان عدن، التي تشهد تدهورًا وعدم استقرار في سعر صرف العملة الوطنية، وما ينتج عن ذلك من أزمات سلعية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل متواصل
فقلما تجد شخصاً في النهار، بينما من بعد صلاة العشاء يبدأ الناس بالخروج من بيوتهم، خاصة في الأيام الأولى من الشهر الفضيل؛ فتزدحم الأسواق، ويكثر الباعة المتجولون، وتزداد المدينة جمالًا وألقًا، رغم كل شيء من معاناة ومنغصات المعيشة وغلاء أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.
الأيديولوجيا الكارهة للحياة
ينشر الناس أضواء الزينة فوق نوافذ البيوت، ويعلق بعضهم فوانيس رمضان، والتي تأخذ رمزية معينة للشهر الفضيل، وبرغم سعادة الناس البحتة برمضان، إلا أن الأيديولوجيا المظلمة تريد منع هذه الفرحة، عبر فتاوى تحريضية وتحريمية معًا، لفوانيس رمضان.
في هذا الخصوص، يشير الباحث الاجتماعي، إبراهيم مروان، إلى أن الانغلاق العام ضد مباهج الحياة حاضر لدى كل الجماعات المتطرفة، التي تحرم حتى الاحتفال بالشهر المبارك، بدعوى أنها من بدع الغرب، في لحظة ينسى فيها المتشددون أو يتناسون أن شهر رمضان الفضيل هو شهر مبارك للمسلمين فقط.
إبراهيم يدعو، عبر "خيوط"، إلى التفكير بعقلانية، لكل الأطراف، التي تحمل أيديولوجيات معينة، فالحياة فيها أيضًا المباهج الجميلة، والتي يفرح بها الإنسان، أيًّا كان جنسه أو نوعه أو ديانته.
لكن تظل الأزمات المعيشية وغلاء أسعار السلع أهم المنغصات التي يعاني منها سكان عدن، التي تشهد تدهورًا وعدم استقرار في سعر صرف العملة الوطنية، وما ينتج عن ذلك من أزمات سلعية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بشكل متواصل.
يتحدث في هذا الصدد لـ"خيوط"، الإعلامي عبدالحميد محمد، عن استغلال بعض التجار لشهر رمضان لرفع الأسعار بشكل مخيف، الأمر الذي يضيّق على الكثير من المواطنين، ولا سيما أن موائد رمضان عامرة بالمأكولات الخاصة بشهر الصيام. فهناك الشربة والعتر والسنبوسة والباجية، بالإضافة إلى الحلويات والبيتزا وأنواع مختلفة من مأكولات ومشروبات وحلويات، والتي تعتبر من أساسيات الإفطار في موائد الأسر العدنية بعد يوم طويل من الصيام.
لكن الأمر أصبح مختلفًا، ولو بنسبة طفيفة -كما يرى عبد الحميد- وذلك بسبب غلاء الأسعار، وهو ما انعكس على الموائد التي غاب عنها التنوع وتوفير بعض المأكولات التي يتميز بها شهر رمضان في هذا العام.
غلاء التمور ومشقة الطبخ
تأتي التمور في طليعة السلع التي تحظى بطلب ورواج كبير في شهر رمضان باعتبارها قطعة أساسية في إفطار الصائمين، لكن أسعارها المرتفعة هذا العام، صعب عملية توفيرها من قبل المواطنين في العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.
يشكو أسامة الزريقي، وهو أحد بائعي التمر، في سوق التمر المركزي في الشيخ عثمان، لـ"خيوط"، من ارتفاع أسعار التمور هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، والتي يرجع الزريقي سببها إلى مستوى العرض والطلب ومشاكل النقل والاستيراد، والذي تسبب كذلك في هجر كثير من التجار لهذا السوق والمتاجرة بهذه السلعة، والبحث عن ملاذ آخر في سلع أخرى تحظى برواج طوال العام.
فيما قالت المواطنة أم أيمن عبدالهادي لـ"خيوط"، وهي أم لأربعة شباب وفتاة واحدة، إن شهر رمضان رغم جماله البالغ وروحانيته الهائلة، يُعد من أكثر الشهور إنهاكًا للنساء في البيوت؛ فالطبخ والنفخ وغسيل الأواني وترتيب السُّفَر (الموائد) وعمل السحور قرابة الفجر، أعمال ترهق النساء؛ لأن أعباء شهر رمضان غالبيتها لا تكون إلا على النساء.
لكن وبرغم هذا كله -كما تؤكد أم أيمن- يبقى رمضان من أجمل شهور السنة وأكثرها بركة ومحبة، خاصة أن الأهالي يتجمعون حول موائد الإفطار وأمام التلفاز لمشاهدة المسلسلات والتي تُعرض على أغلب الشاشات الرمضانية.