يعد الخبز من أساسيات الغذاء في أغلب قارات العالم، فمنذ فجر التاريخ عرف الإنسان قيمته الصحية وضرورة وجوده على المائدة، إذ لا غنى عنه كأهم ضرورات الحياة المعيشية.
كان أول شكل لطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق، عبر "مدقات حجرية" تُضرب بقوة وبعملية مستمرة وشاقة في تجويف حجري يدعى الجرن، حيث يهبط المدق على القمح أو أي نوع من أنواع الحبوب في داخل التجويف الحجري، ويكون المدق ثقيلًا مصنوعًا من حجر صلد كالصوان.
وفي التطور المطّرد للإنسان، اخترع في بدايات عام 200 قبل الميلاد أول شكل من أشكال آلات طحن الحبوب اليدوية وأسماها الرحى، وهي ذات حجرين؛ الأعلى مثقوب وتملأ فيها الحبوب يدويًّا وتدار الحجرة الأعلى باليد بواسطة وتد خشبي موضوع في طرف الحجرة الأعلى، أما الحجرة السفلى فيتسرب القمح من جوانبها بعد سحقه ليتحول إلى دقيق يُعجن بالماء ويتعرض بعدها إلى حرارة النار لينضج ويؤكل.
ومن ثَمّ استمرت طريقة الطحن في التطور، فبعد الحيوانات التي كانت تُستعمل في المطاحن الكبيرة، وبعد طواحين الهواء والماء وصل الإنسان إلى طواحين الآلات، التي انتشرت في اليمن وتحولت إلى مصدر رزق لبعض المواطنين الذين امتهنوا هذا العمل كمصدر رئيسي للدخل.
طاحون القرشي
يحكي لـ"خيوط" طه القرشي، وهو أحد ملاك الطواحين القديمة في عدن عن نشأة طاحون القرشي، فقد وضح أنه تم بناء الطاحون قبل حوالي 70 عامًا، حين جيء بماكينة دانماركية للطاحون وبدأ العمل بها، ومنذ تلك الآونة لم يقف العمل في طاحون القرشي في الشيخ عثمان.
تختلف سرعة طحن الحبوب من نوع إلى آخر، فكما تحدث أحمد الطويل أحد عمال المطاحن الشعبية في عدن لـ"خيوط"، بأنه في الساعة الواحدة يتم طحن القمح نحو 7 أكياس (الجواني) ويكون في الكيس الواحد حوالي 50 كيلو غرامًا، أما الذرة فيستغرق تعبئة 3 أكياس ما يقارب ساعة من الزمن
وقد عبّر عن العمل قائلًا: تناقلنا العمل بالطاحون جيلًا بعد جيل، فبعد الجيل الأول لجدي ورّث هذه المهنة لأبي، الذي بدوره ورثها لنا نحن أبناؤه. ويوضح طه تعدد أنواع الحبوب المستخدمة في الطحن، فهناك القمح الاسترالي، والأمريكي، بالإضافة إلى الذرة والشعير والذرة الحمراء والحُمّص والدُّخْن.
وفي سؤالنا عن أكثر زبائن طواحين القرشي، قال طه، إن أغلب زبائن الطاحون هم أصحاب الأفران وملاك محال البهارات، وهناك فترات محددة، كالفترة التي تبدأ من شهر شعبان، أحد أكثر المواسم طلبًا لأنواع الحبوب المطحونة.
يشير القرشي إلى ارتفاع أسعار الحبوب المنتجة محليًّا مقارنة بأسعار الحبوب الواردة من خارج اليمن، لذلك أغلب كميات الطحن تتم بالحبوب الخارجية، أما الحبوب المحلية فهي نادرة في طلب الزبائن، لأن تكلفة البُرّ البلدي للكيلو الواحد تناهز الـ900 ريال، أما البُرّ الاسترالي فيقارب سعره الـ400 ريال تقريبًا.
فترات طحن الحبوب
انتشرت في عدد من المناطق اليمنية مؤخرًا ابتكارات وطرق متنوعة لطحن الحبوب من أكثر من نوع لإنتاج طحين مركب من مختلف أصناف الحبوب، حيث يتم خلط كمية من القمح من مجموعة من أصناف الحبوب الزراعية المحلية مثل الذرة والشعير، والعمل على تحديد نوعية الخبز المنتج، سواء كان رغيفًا أسمر أم أبيض أو أي أصناف أخرى، فيما برز في المناطق الريفية خلط بعض أصناف الحبوب الزراعية كمحصول الغرب مع محاصيل أخرى انخفضت إنتاجيتها في الآونة الأخيرة كمحصول الدخن والذرة الشامية.
وتختلف سرعة طحن الحبوب من نوع إلى آخر فكما تحدث أحمد الطويل، أحد عمال المطاحن الشعبية في عدن لـ"خيوط"، بأنه في الساعة الواحدة يتم طحن القمح نحو 7 أكياس (الجواني) ويكون في الكيس الواحد حوالي 50 كيلوغرامًا، أما الذرة فيستغرق تعبئة 3 أكياس ما يقارب ساعة من الزمن.
وأما في مسألة الآلات، فقد أكد الطويل أنه بعد إنتاج حوالي 500 كيس تتم صيانة الآلات وإعادة تطبيقها مرة أخرى.
من جانبه، يتحدث لـ"خيوط" محمد عبدالملك، عامل في أحد الأفران الشعبية في عدن، عن تعود الناس لمذاق دقيق أقراص "الروتي" المسطح المطحون في المطاحن؛ لأن نوع الحبوب وجودته يكون باختيار صاحب الفرن، ليعطي نفس طعم "الروتي" والخبز وباقي المعجنات والتي تنتجها الأفران.
في السياق نفسه، ارتفعت نسبة الدقيق المستورد بنسبة كبيرة في اليمن منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد في 2015، وذلك للتعويض عن انخفاض سعة التخزين وقدرات طحن القمح وتضرر الموانئ في كل من عدن والحديدة جراء الحرب الجارية.
لكن واردات القمح عاودت الارتفاع بشكل طفيف في آخر ثلاث سنوات إلى مستوى قريب من النسبة التي كانت عليها وارداته عام 2014، إذ يعود ذلك إلى إصلاح مرافق تخزين وطحن الغلال لإحدى الشركات الكبيرة في عدن جنوب اليمن.