في وسط الشارع الرئيسي، بمديرية المعلا بعدن، توقفت سيارة مدنية وترجل منها ثلاثة أشخاص كانوا يساعدون والدهم كبير السنّ، على الحركة إلى داخل منزله، توقف الحاج محمد صالح، ولفت إلى أعلى المبنى الذي يسكنه، ليتحدث بصوت متنهد: "افتقدت هذا الشارع كثيرًا يا أبنائي!"، قبل أن يواصل السير متكِئًا على أولاده.
قضى الحاج محمد صالح الشهرين الأخيرين من فصل الصيف في فندق سياحي بساحل أبين، لكن السياحة لم تكن هدف هذا العجوز من مغادرة منزله إلى فندق، بل انقطاعات الكهرباء التي أثّرت سلبًا على حالته الصحية.
"لولا أخونا الذي في أمريكا وتحمله التكاليف، لتُوفِّي والدنا بسبب الحر"، قالها أحد أبناء الحاج محمد صالح، الرجل كبير السن الذي اضطر أولاده لتسكينه في فندق بحثًا عن جوّ المكيف البارد، وهربًا من حرّ مدينة ساحلية أنهكها الصيف وانقطاعات الكهرباء.
ومع دخول الشتاء، ووصول شحنة ديزل مقدمة من المملكة العربية السعودية كمساعدة شبه مجانية لمؤسسة كهرباء عدن، تحسّنت حال كهرباء المدينة، الأمر الذي دفع بأولاد الحاج محمد صالح إلى إعادته إلى منزله الذي فرّ منه قبل شهرين، بسبب الحر.
وحال الحاج محمد صالح يشبه حال الآلاف من كبار السنّ في مدينة عدن خلال فترة الصيف، لكن ليس جميعهم قادرين على تحمّل التكاليف الباهظة للإقامة الفندقية، حتى وإن كانت درجة الحرّ المرتفعة وانقطاعات الكهرباء الطويلة خلال الصيف ستؤثّر سلبًا على صحتهم.
توليد منخفض
يصل التوليد الكهربائي لمحطات كهرباء عدن إلى 320 ميجا، فيما الأحمال تصل إلى 635 ميجا، بذروة الصيف وبالوقود الأعلى استهلاكًا وتكلفة، وهو الديزل.
كان أحد الحلول المطروحة في الصيف الماضي، أن تأتي سفينة عائمة، لكنّ المختصين في الكهرباء أفادوا بأن السفينة حتى وإن أتت، ستتمكن من توليد 100 ميجا فقط أو أقل، وفي هذه الحالة لن تدخل معها محطة بترومسيلة، ولو بشكل جزئي.
وفقًا لمصادر مسؤولة في مؤسسة الكهرباء بعدن، فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، تحدثوا لـ"خيوط"، فإنّ المحطات الحكومية بحاجة يوميًّا إلى 1300 طن من وقود الديزل للتشغيل بالبرنامج الحالي المتعارف عليه، بينما لا تتجاوز الكمية المتوفرة حاليًّا ألف طن فقط، وذلك لعدم توفّره بالشكل المطلوب.
كما تحتاج عدن اليوم، وفقًا لهؤلاء المسؤولين، إلى 750 ميجا وات مبدئيًّا، لمجابهة صيف 2023 وحتى 2024، ولكن بمحطات توليد تعمل بالغاز أو الطاقة المتجدّدة.
قضية شائكة
يقول مدير المكتب الإعلامي في مؤسسة كهرباء عدن، نوار أبكر، في تصريح لـ"خيوط"، إنّ ملف الكهرباء ملف شائك ومعقّد وبحاجة إلى استقرار سياسيّ على مستوى البلد بشكل عام، لأنّ كافة المحافظات المتضررة من الحرب ما زالت تعاني من هذه الإشكالية، وخصوصًا المحافظات الكبرى التي تحتاج إلى قدرة توليد عالية مع تدنّي التوليد الحالي، مضيفًا: "عدن اليوم بحاجة إلى وقفة جادّة من مجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي، لإنهاء هذه المشكلة".
يرى أبكر أنّ عدن اليوم بحاجة إلى 750 ميجا في فصل الصيف، فيما التوليد ما زال على 320 ميجا، كأقصى توليد عند توفر الوقود.
ويشير إلى أنّ الحل يكمن في محاور رئيسية، منها رفع التوليد من خلال تشغيل محطة بترومسيلة بمرحلتها الأولى بالكامل 264 ميجا، وليس 90 ميجا، والبَدء بالمرحلة الثانية للوصول إلى 540 ميجا، وضرورة إنشاء المنشأة الغازية لتعمل المحطة بالغاز كوقود نظيف وأقل استهلاكًا وتكلفة، بالإضافة إلى: تأهيل المحطات الحكومية الحالية، والاستغناء عن محطات شراء الطاقة؛ وتأهيل شبكة النقل والتوزيع بالكامل، وتوفير محولات لفك اختناقات الشبكة الحالية؛ وإيجاد آلية تضمن توفير الوقود بشكل مستمرّ دون انقطاع لمحطات التوليد.
وغابت المنحة السعودية الخاصة بدعم كهرباء عدن بالوقود، لأشهر من الصيف، عانت فيها المدينة ساعات انقطاع طويلة للتيار الكهربائي، لكنها عادت مع حلول الشتاء الذي يخف فيه الضغط على محطات الكهرباء، الأمر الذي جعل من توقيت استئناف هذه المنحة محل تندر كثير من المواطنين.
ورغم إصرار "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن" على تسميتها بالمنحة، فإنّها في الحقيقة بيع بسعر الكلفة، كما أوضح وزير الكهرباء السابق، أنور كلشات، في تصريحات صحفية.
وشرح الوزير السابق في تصريحاته، أنّ منحة الوقود ستكون كفارق سعر وقود الكهرباء الذي ستتكفل به الحكومة السعودية، بحيث نشتري الوقود من السعودية بسعر السوق المحلية، مضافًا له الضريبة المضافة 15 في المئة، وتكاليف شحنها لميناء عدن، على أن تدفع الحكومة السعودية فارق السعر.
محطات مستأجرة
يرى مهندس في إدارة التوليد بمؤسسة كهرباء عدن –فضّل عدم ذكر اسمه– تحدّث لـ"خيوط"، أنّ استئجار محطات الطاقة المشتراة سببه انتفاع عددٍ من المسؤولين من العمولات التي يُقدّمها ملّاك هذه المحطات، مشيرًا إلى أنّ وزارة الكهرباء قادرة على الاستغناء عن هذه المحطات المستأجرة التي تكلف الدولة مبالغ باهظة إذا أجرت صيانة لعدد من المحطات الحكومية.
في هذا الشأن، يقول مدير المكتب الإعلامي لمؤسسة كهرباء عدن، لـ"خيوط"، إنّه بالإمكان في الشتاء الحالي الاستغناء عن محطات الطاقة المستأجرة، وذلك لانخفاض أحمال عدن التي بلغت في عز الصيف 635 ميجا وات، فيما إجمالي التوليد لا يتعدى 320، منها 100 ميجا طاقة مشتراة.
لكن حاليًّا مع بَدء انخفاض الأحمال بحسب أبكر، بالإمكان الاستغناء عنه، ويكمن تعويضه في تجهيز محطة بترومسيلة مع مشروع تصريف الطاقة، وذلك لإدخال المحطة بالكامل، بالخدمة لمجابهة صيف 2023، مع ضرورة تأهيل المحطات الحكومية.
محطة بترومسيلة
يبلغ التوليد الكامل لمحطة بترومسيلة المصنعة من قبل شركة جنرال إلكتريك، 264 ميجا وات، لكنها تنتج حاليًّا طاقة جزئية تبلغ تسعين ميجا وات فقط، والسبب غريب عجيب؛ لأنّه لا توجد خطوط تصريف طاقة، كما يفيد لـ"خيوط"، أكثر من مهندس، في مؤسسة الكهرباء.
شبكة عدن الكهربائية ما زالت تعمل بخطوط 33 كيلو فولت، في حين دول العالم الأخرى تعمل بخطوط 132 كيلو فولت فما فوق، وهذا هو العمل الحقيقي الذي يستحمل توليدًا أكبر.
يتم حاليًّا التشغيل الجزئي لتسعين ميجا فقط من محطة بترومسيلة، عبر الكابلات الموجودة في محطة الحسوة، وأحيانًا يتم تجنيب المولد الصيني، لأنّ خطوط التصريف الحالية لا تستحمل توليدًا أكبر.
كان أحد الحلول المطروحة في الصيف الماضي، أن تأتي سفينة عائمة، لكنّ المختصين في الكهرباء أفادوا بأن السفينة حتى وإن أتت، ستتمكن من توليد 100 ميجا فقط أو أقل، وفي هذه الحالة لن تدخل معها محطة بترومسيلة ولو بشكل جزئي، طبعًا ستأتي السفينة بكابلات لمدّها إلى محطة الحسوة التحويلية فقط من أجل أن تدخل ضمن الشبكة الوطنية لعدن.
ويفيد مهندس في كهرباء عدن أنّ عملية إدخال توليد السفينة العائمة ومحطة الرئيس والمولد الصيني في وقت واحد، صعب للغاية، والسبب عدم استحمال الخطوط توليدًا إضافيًّا.
في عدن توزع المولدات في المحطات التحويلية المختلفة الخاصة بكل مديرية، وبطريقة هندسية يتم دمج توليدها مباشرة في المفاتيح، لأنّه لو وضعت المولدات في مكان واحد، فلا توجد خطوط تحويل قوية تحول التوليد إلى المحطات التحويلية، بمعنى أنّه حتى لو تم شراء محطة ٥٠٠ ميجا، فإنّه من الصعب أن يدخل من توليدها غير ١٠٠ ميجا، لأنّ الشبكة متهالكة، ولا تحتمل أيَّ توليدٍ أعلى من ذلك.
تعزو مصادر في مؤسسة الكهرباء ذلك إلى أنّ شبكة عدن الكهربائية ما زالت تعمل بخطوط 33 كيلو فولت، في حين دول العالم الأخرى تعمل بخطوط 132 كيلو فولت فما فوق، وهذا هو العمل الحقيقي الذي يستحمل توليدًا أكبر.
لذلك يعتبر مشروع خطوط تصريف الطاقة 132 كيلو فولت، الذي يتم إنشاؤه حاليًّا، أهمَّ مشروع استراتيجي لمدينة عدن، وسيخدمها لعشرات السنين القادمة، وتستطيع مدينة عدن من خلاله استقبال أي توليد إضافي في المستقبل، خاصة في ظل التوسع العمراني الهائل الذي يجري.