بعد أعوام من تراجع خدماتها، وصعود شركتي (يمن موبايل) و(You)، وتوسع انتشارهما، أعادت شركة (سبأفون) للهاتف النقّال نفسَها إلى الواجهة بعد إدخالها خدمة الإنترنت السريع (الفور جي) لمشتركيها في مدينة عدن (جنوبي البلاد) والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ومع أنّ الشركة لم تقدِّم بيانًا رسميًّا مفصّلًا يوضح طبيعة دخول خدمة الفور جي، اكتفت بمنشور على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، أشارت فيه إلى أنه بإمكان المشتركين زيارة مركز الخدمات التابع لها للحصول على أرقام جديدة وبسرعة إنترنت عالية؛ حدّ وصفها.
وبعد تجربتين سابقتين، أُغلِقت فيها شركة (You) في عدن، وتوقفت شركة (واي) وخدمة الفور جي، التابعة لشركة يمن موبايل، استقبل المواطنون في عدن الخبرَ بشكلٍ عادي حتى الآن، إذ غابت مظاهر الازدحام عند فروع الشركة في المدينة، فيما انقسم الناس ما بين مؤيد في ظل ضعف خدمات شبكات الإنترنت الحالية، وغير متفائل بنجاح تشغيل الخدمة في ظل تضارب المصالح بين القوى السياسية في المحافظات الجنوبية.
بوابة "عدن نت"
مصدر إداري في شركة سبأفون للهاتف النقال في مدينة عدن، قال لـ"خيوط"، إنّ خدمة الفور جي دُشِّنت بالفعل عبر بيع شرائح الفور جي، وصولًا إلى توسعة الخدمة باتجاه المحافظات المجاورة، مشيرًا إلى أنّ الشركة تسعى إلى توسعة خدماتها ونشاطها في المحافظات الجنوبية.
وأفاد المصدر، وهو غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، أنّ خدمات الإنترنت في الشركة ستعمل عبر بوابة عدن نت، مشيرًا إلى أنّ سعر الشريحة الواحدة بـ60 ألف ريال يمني، وستقدّم عبر باقات متنوعة، مع إضافة باقة 15 جيجا بايت؛ عند شراء الشريحة، مضيفًا أنّ الشركة ستُطلق أرقامًا جديدة لشرائحها تبدأ بـ(722).
ومع أنّ 60 ألف ريال مبلغ يبدو كبيرًا بالنظر إلى الظروف المعيشية الصعبة، فإنّ مستخدمي النت الذين دفعوا مبالغ تتراوح بين 3000 و1500 ريال سعودي لشراء شريحة عدن نت، ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف فهو سعر منخفض نسبيًّا إذا استقرت الخدمة، بخلاف (عدن نت) التي ترتفع أسعارها مع عدم انتظام بثّها.
لكن على الجانب الآخر، ترتفع أسعار باقات الإنترنت التابعة لسبأفون، أكثر من الباقات التي تقدّمها شركة عدن نت، إذ تحتوي باقة أمان الأسبوعية على 4 جيجا وسعرها ثلاثة آلاف ريال، وسعر باقة أمان الشهرية 15 جيجا خمسة عشر ألف ريال، وسعر باقة أمان الشهرية 35 جيجا ثمانية عشر ألف ريال.
فشل وتوقف وإغلاق
خلال العقد الفائت، لم تكن مدينة عدن والمدن المجاورة لها تعيش أفضل حال في ملف الاتصالات والإنترنت، غير أنّ محدودية الشبكات والخدمات المقدمة ساعد على الاستقرار النسبي آنذاك. والآن، على الرغم من زيادة عدد الشركات ودخول خدمات الإنترنت السريع فإن المدينة الجنوبية التي أصبحت عاصمة مؤقتة للبلاد تعيش اضطرابًا وغيابًا للاستقرار في هذا الملف المهم.
في مطلع العام 2019، بدأت شركة عدن نت، وهي مزود خدمة الإنترنت السريع، بتقديم خدمات الإنترنت بتقنية الجيل الرابع، وبعد مرور أكثر من خمسة أعوام على انطلاقتها، فشلت الشركة في توسعة نشاطها وخدماتها التي لم تتجاوز مدينة عدن.
ورغم تعهد الشركة بالعمل على تحسين الخدمات المقدمة وتوسعة تغطيتها ونشاطها صوب المحافظات المجاورة، فإن الانقطاعات المفاجئة لبث الشركة التي تكررت خلال الأعوام الماضية بفعل تعرض الكابل البحري الرابط بين عدن وجيبوتي للاستهداف، وعدم مقدرة الشركة على أن تكون البديل الأفضل لتقديم خدمات الإنترنت في المحافظات الجنوبية رغم الدعم المقدم لها، وغلاء شرائحها ودخولها في نطاق السمسرة- أدّت إلى انخفاض عدد المشتركين وتراجع ثقة الناس بها.
وفي أواخر يونيو من العام 2022، أغلقت قوات الأمن في مدينة عدن، شركة (You) بصورة مفاجئة بعد أشهر فقط من إعلان الشركة نيتها إطلاق خدمة الفور جي لمشتركيها في مدينة عدن والمحافظات المجاورة، وفي أواخر أغسطس من العام نفسه، استأنفت الشركة بثها ساعات قبل أن ينقطع البثّ مجدّدًا.
وفي حين يستمر إغلاق شركة You، وتوقُّف بثّها في مدينة عدن، للعام الثاني على التوالي، تواصل الشركة نفسُها بثَّها وتقديم خدماتها في المحافظات المجاورة، لا سيما محافظتي أبين ولحج المتاخمتين لعدن.
مخاوف المجلس الانتقالي من ارتباطات شركة (You) بالحوثيين، على الرغم من أنّها تعمل في محافظتي لحج وأبين، اللتين تشهدان حضورًا كبيرًا لقوات المجلس، وتعدان من أبرز مناطق نفوذه وتحركه.
مخاوف المجلس الأمنية
وتضاربت الروايات بشأن دوافع إيقاف بثّ الشركة، إذ أعادت بعض المصادر عملية الإغلاق إلى عدم تنسيق الشركة مع السلطات الحكومية. وفيما يخص إطلاق خدمة الفور جي، فإنّ قرارًا سابقًا لنيابة استئناف الأموال العامة بمدينة عدن، تضمن الحجز التحفظي على أموال الشركة اليمنية العمانية (You) لغاية تسديد الضرائب المتراكمة عليها من العام 2015، حتى العام 2017، التي بلغت حوالي 24 مليار ريال يمني.
وتضمنت رواية ثالثة، الإشارةَ إلى دور المجلس الانتقالي الجنوبي، في هذا الجانب ضمن مخاوف أمنية لديها من ارتباطات للشركة بالحوثيين، على الرغم من أنّها تعمل في محافظتي لحج وأبين، اللتين تشهدان حضورًا كبيرًا لقوات المجلس الانتقالي وتعدان من أبرز مناطق نفوذه وتحركه.
وبعد ما يقارب التسعة أشهر من افتتاحها وتدشينها في مدينة عدن في نوفمبر 2022، توقفت شركة (واي) للاتصالات، في الوقت الذي بدأت فيه الشركة بالترويج لخدماتها مع إطلاقها خدمة الفور جي وبيعها شرائح لأعداد كبيرة من المشتركين دون أن تبدأ الخدمة بالفعل في العمل، إثر خلافات بين مشغليها ومالكيها مع شركة عدن نت، وهي بوابة الإنترنت التي تتزوّد منها الشركة.
هل هذه الخطوة على صلة بأي نوع من التفاهمات غير المعلنة بين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي مع رئيس مجلس إدارة شركة سبأفون، على الرغم من أنه لا يمكن اعتماد اللقاءين السابقين للزبيدي والأحمر، معيارًا للحُكم على تطور العلاقة بينهما؟
ما ضمانات سبأفون؟
التقى نائبُ رئيس المجلس الرئاسي رئيسَ المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزُّبيدي، مع الشيخ القبَلي عضو مجلس النواب، حميد الأحمر، للمرة الأولى في أبريل عام 2022، عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، قبل أن يلتقيَا مُجدّدًا في يناير 2023، في عزاء الشيخ صادق الأحمر، الشقيق الأكبر لحميد، الذي يرأس مجلس إدارة شركة سبأفون للهاتف النقال.
وهذه الأخيرة، بعد إطلاقها خدمة الإنترنت السريع (4G) في مدينة عدن، أعادت طرح سؤال في الأوساط السياسية والاجتماعية في المدينة الساحلية، حول ما إذا كانت هذه الخطوة على صلة بأي نوع من التفاهمات غير المعلنة بين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي مع رئيس مجلس إدارة شركة سبأفون، على الرغم من أنّه لا يمكن اعتماد اللقاءَين السابقين للزبيدي والأحمر (رسميًّا وغير رسمي)، معيارًا للحُكم على تطور العلاقة بينهما.
وفي حين أُطلقت خدمة الفور جي التابعة لسبأفون، كانت شركات اتصال أخرى أُغلقت وتوقفت في عدن لأسباب عدّة، لكن أحد الأسباب الرئيسية يتعلق بتصدع العلاقة وغياب التنسيق بين مُلّاك هذه الشركات وبين المجلس الانتقالي الجنوبي.
وليس ببعيد؛ دعت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في اجتماع عقد بتاريخ 9 مايو، التجّارَ والمستثمرين ورجال المال والأعمال والشركات المحلية والإقليمية والدولية، للإسهام في تنمية الموارد الاقتصادية في الجنوب، من خلال الاستثمار في قطاعَي النفط والغاز، والكهرباء، وقطاع الخدمات.
وشدّد الاجتماع الذي ترأسه عيدروس الزُّبيدي، على أنه من المهم أن تقوم الحكومة بواجبها في تقديم كافة التسهيلات اللازمة للمستثمرين، وتذليل أيّ صعوبات تعترضهم، بحسب نص الخبر المنشور في وسائل إعلام تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ومع أنّ الخبر لم يُشِر إلى ملف الاتصالات بشكل واضح، فإنّ من المحتمل أن تشير هذه الدعوة إلى حركة استباقية لتهيئة الأجواء أمام هذه الخطوة.
وامتنع المصدر في شركة سبأفون بعدن، عن تقديم أيّ تأكيد بخصوص تلقي الشركة ضمانات بالعمل، في ظل سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، لكنه أشار إلى أنّ نظام الشركة الآمن والتحكم من عدن ربما يكون أحد العوامل المساعدة الإيجابية لاستمرار الشركة من المدينة.
وأضاف المصدر، أنّ هذا يُزيل بعض المخاوف لدى سلطة الأمر الواقع في المدينة المتمثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ويضع سبأفون في موقف أفضل نسبيًّا من بقية شركات الاتصالات التي واجهتها بعض المشكلات المتعلقة بضعف التنسيق وتضارب المصالح بين القوى السياسية.
لكن قراءة إعلان الشركة المتواضع، الذي جاء على استحياء؛ إذ لم يُشِر بالاسم إلى تدشين خدمة (الفور جي)، ، على الرغم من أن الشركة تعمل منذ العام 2020 في عدن، مع محدودية خدماتها واعتماد الشركة على الاتصالات الداخلية في نطاق الشبكة.