إذا كانت وظيفة الناقد، كما يقول الأكاديمي المصري الخبير في النقد الأدبي والفني أحمد الصغير، هي:
" مقاربة النص الأدبي بصورة بسيطة وواضحة هدفها جمالي ومعرفي وثقافي" فإنني أجد تجسيد ذلك في البعد عن كل ما يتعلق بالشخص، وفي تجاوزه إلى نقد النص، بل وإلى تشريح النص، نفسه.
الفنان التشكيلي اليمني عادل الماوري
سردية اللوحة في المخيال الفني
وفق هذا المدخل فإن تجربة الفنان التشكيلي اليمني عادل الماوري الخبير كذلك في فن الجرافيكس، وتصميم الأفكار والعلامات الأيقونية، تختلف ولا تتشابه، كما أن اللوحة الفنية وسرديتها في مخياله تتفارق بتفاصيل وعناصر المعمار في أعماله الفنية الجديدة منها والقديمة فنيا وأعمال وتخطيطات ورؤى ومدارس الفنانين التشكيلين الآخرين في اليمن، وأعني هنا بالفنانين المتحققين ممن لهم خصوصيات تمثل تجاربهم وبصمات حضور تتمثل في امتزاج فنهم بفرشاة الرسم وتجاربهم المتراكمة بثقافتهم ورؤاهم المتعددة وخبراتهم المتراكمة بجسارة اللون والفكرة والإضافة، وما تساوق عن ذلك من مواقف و تجسيدات الفن والطبيعة والأمكنة والوجوه والشواهد المتنوعة بقدرات فائقة ومهارات فنية عالية.
تسطير دلالات مغايرة في الفن
في لوحات الماوري تبتسم الصباحات بشفاه حيوات عديدة، وتجنح الطبيعة ذاتها في المعمار اليمني بعناصره المختلفة إلى تسطير دلالات مغايرة في الفن وجماليات تحتفي بالصفاء والتجلي الصوفي في مدينته السابحة باهية في المشهد اللوني، إذ تأخذ تحليقاته صعودا باتجاه المعطى الذاتي والعرفاني لغنى اللحظة وتأثيراتها واستدعاءات الذاكرة التراثية في الثقافة، وبرؤى التجربة التي خبرت سياقات مضت من تجاورات الفن البصري واشتباكه بالحياة والصراع المحتدم من حولها، وعلاقة الفن المتوارية بتأملات ليست بعيدة كلية عن ألم الاجتماع البشري، بقدرما توجد فضاء الزمن بسيرة أمكنته، حيث العين جلية لا تبرح الرؤية إلى بعيد، وحيث الأمكنة مرايا تتجاور بخطرات زهورية كنصوع ألوانها العاكسة في الداخل.
وتتأتى جمالية النص التشكيلي في تجليات الخطاب الفني القادم من أودية وثقافة ومصبات تراكمت رؤاها في التدفق والسيلان الجارف، كما تقف عند مرأى التجربة وانفساحها المطلق برحبة "كتاب،" حيث وادي الحقل القريب من بيئة الفنان يرسل غزارة نصوعه وخضرته عبر شعرية اللون وجاذبية التلقي الآسر في تبادل إحساس اللوحة بمعطى ما تكتنزه من رمزية ولغة مشبعة بفلسفة لونية خالصة النحت، والتشكيل الممتع، والحميم في آن معا، كما في تعشق النظرة المبدعة بمختبر لحظتها وشغفها بتأطير المكان والناس والحيوات، وزهرة الصبح، واتساع الرؤية، بانفساحاتها النفسية الأثيرة، عند تلقي كل لوحة فنية على حدة.
في لوحات الماوري تبتسم الصباحات بشفاه حيوات عديدة، وتجنح الطبيعة ذاتها في المعمار اليمني بعناصره المختلفة إلى تسطير دلالات مغايرة في الفن وجماليات تحتفي بالصفاء والتجلي الصوفي في مدينته السابحة باهية في المشهد اللوني، إذ تأخذ تحليقاته صعودا باتجاه المعطى الذاتي والعرفاني لغنى اللحظة وتأثيراتها واستدعاءات الذاكرة التراثية.
حداثة الرمز بلغة توليد وامض
يندمج الرمز في فضاءات ناشطة وتوليدية تستدعي إحياءات حركة وجوداتها، في لغة تتواشج بناءاتها عبر أحياز من الفكرة وحداثة الرمز في نسج أجزاء لها في بروق اللوحة بصفته عملا فنيا ينجز بعضه بعضا على مراحل، في حين تتعين مرحلة النضج عبر ريشة الفنان عادل مثل ثلاثية تحكي خلاصات وتوقيعات معايشاتها، كما نجد ذلك في امتثالات التشظي البرقي الآخذ في شكل أغصان خضرية تستضيء بضياءات التشاسع اللوني ونظرية الأبعاد التي تنجز عبرها رؤية الفنان خطابها، الذي يوحد الجزء في الكل من وجدان معادلاته الموضوعية لواقع منفلت وأسير التباعد والشتات إلى نقطة التقاء محكومة بحرية اللحظة الفنية المنجزة تشكيليا وتحريزها بسياج من الألوان في نصوعها الصافي الذي يكاد يبدو معرشا ووامضا كظلال مبللة في المياه.
دلالة الفضاء الحيزي لرؤيا اللون
تمتاز اللحظة المكانية في الإبداع بجمال خاص، إما أن ينقلك الى عزلة كثيفة من عتام الوجود المتفرد في ألمه، أو تلفي حواسك بإزاء بدائل محسوسة لتجريدات واقع معاش صنعته السياسات، حد العماء، في حين يقترح الإبداع الفني بدائله الخاصة في اعتمالات التجربة لدى الفنان، فها هو ذا الفضاء، المدينة، القرية، تبرز في "مصغرات" ذاكرة الطفل، وريشة النهر المتخيل في انسيابية ألوانه الوادعة، حيث تنهمر مواقيت الأذان، والإصباحات التي تعتلي نزهة المياه وألوانها الياقوتية أحايين وشرفة أمكنتها، لتتحد وعناصر أخرى تضج بالحياة والبهاء اللوني المتكاثر بطيوفات ودرجات نقاء الحكاية الممتدة من نقطة الولادة، وخيوطها المضفورة عبر الفن وانسجامات المختلف كما بتطريزات وسمو روحي باد ينعكس في صورة التعدد الدلالي في تجاورات المعنى المختلفة.
ألفة النظرة في التلقي البصري
لو لم أعايش منذ طفولة البدايات واقعا: تجربة الفنان المجدد في لوحة عادل الماوري لما اختلف الأمر لدي أو في تصوري للوحة، على الأرجح، مما أراه في التباسات المشهد التشكيلي غالبا في غابة اللون وتشابهاته وسياق الفكرة، وتناصاتها، غير أن السياق الفني لألواحه وما أرى واشتبك مع مرموزاتها وعناصرها يجعلني أقف طويلا ناقدا شغوفا ومتأملا لما قد يشبه الصوت في عبق اللون وصفاء الأمكنة والزوايا الجارية منها قطرات التساؤل والدهشة، وألفة النظرة في التلقي البصري لأثرها، ونسائم طيفها الآخذ بسحره الحلال كتموجاته اللونية الراسمة أشكالا من تخطيط قباب وأمواه ظلال وشرفات، وغير ذلك من توظيف تقنيات الخيط والنافذة والديك والستارة الشعبية المعجونة بالورق والرؤية الصاخبة في هدوء اللون العذب، علاوة على متعة الرؤية بإمكانات النظر وقدرة التفسير على الموازنة في خلق نص مشعٍ و مواز بشراكة عين الرائي أو المشاهد لصباحات اللوحة ونهارها ولحظاتها الحلمية المتأبدة مثل أسئلة تفلسف وجودها ويقظة لا تكاد تطرف بنأمة عن حراسة وطن اللون، وأطياف وأحلام الوجود من حولها.