مع بزوغ شمس الصباح، تغادر شلية فتيحي (45 سنة)، ورفيقاتها منازلَهن صوب المزرعة التي يعملن فيها بمنطقة الكود (جنوب غربي أبين)، حاملات العدة اللازمة لبدء العمل في الوديان وبين الأشجار والمحاصيل الزراعية، في المحافظة التي تشتهر بزراعة أفضل المحاصيل الزراعية الموسمية في اليمن.
"شلية"، وهي نازحة من محافظة الحديدة، تعمل في حصاد الموز و جز "تفليك" الأعشاب الضارة، تقول لـ"خيوط": "العمل "مشي حالك"، لكننا مجبرين على العمل، لأننا نازحون وأوضاعنا صعبة، رغم أن المبلغ الذي نحصل عليه ضئيل للغاية مقابل عمل يوم كامل".
وتؤكد فتيحي أن الوضع صعب للغاية، "كل واحد منا لازم يمشّي حاله، وما تقدر تحصّل البديل في هذه الأيام، وخاصة نحن النازحين، والأميين منا على وجه الخصوص".
وتعد الزراعة والاصطياد السمكي النشاطَ الرئيسي لسكان محافظة أبين، إذ تشكل المحاصيل الزراعية ما نسبته (4.4%) من إجمالي الإنتاج الزراعي في اليمن، وأهم المحاصيل الزراعية المنتجة في المحافظة القطن طويل التيلة والخضروات والفواكه.
في حين تظهر بيانات رسمية أن إنتاج أبين من المحاصيل الزراعية يصل إلى نحو 120 ألف طن سنويًّا من الخضروات والفواكه والحبوب.
وتشتغل النساء فيها جنبًا إلى جنب مع الرجال، بل قد يفوق أعدادُهن أعدادَ الرجال العاملين في هذا القطاع الزراعي الذي يعتبر هو الأكثر استيعابًا للأيدي العاملة في اليمن.
أعمال شاقة
منذ سنوات، تواجه العديد من النساء اليمنيات العاملات في مختلف المزارع والحقول، صورًا ممنهجة من الاضطهاد والاستغلال الجائر في العمل، بالرغم من الدور المحوريّ الذي تؤدّيه في القطاع الزراعي، إلا أنها -وخصوصًا في المناطق الريفيّة- ما زالت حتى اليوم تتعرّض إلى استغلال ممنهج من قبل ملاك الأراضي، في ظل تقاصر مؤسسات الدولة عن حمايتهن، وغياب الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات غير الحكومية في تحسين معيشتهن.
تقول إحدى العاملات: "لا يوجد أمان على الإطلاق في المزارع ويفترض بكل واحدة منا أن تكون قوية للدفاع عن النفس؛ لأن كل شيء من الممكن أن يحصل لك هناك، خصوصًا التحرش.
تشكو كثير من العاملات في القطاع الزراعي بمحافظة أبين، تحدثن لـ"خيوط"، عن تعرضهن لاستغلال واضطهاد من خلال عملهن الشاق في المزارع والحقول الزراعية مقابل عائد شحيح للغاية، في ظل ما يتم بذله من جهود تساهم بشكل كبير في النهوض بالقطاع الزراعي في إحدى أهم المحافظات الزراعية في اليمن.
فاطمة عبيد سعيد (40 سنة)، تعمل في التحطيب واستئصال النباتات الضارة، تقول في حديثها لـ"خيوط"، إن العمل شاق للغاية، ولولا الوضع المعيشي الصعب الذي تعاني منه كغيرها من سكان المحافظة، لَمَا كانت استمرت في هذا العمل.
وتشير إلى أنها تحصل على 1000 ريال، مقابل العمل طيلة ساعات النهار وتحت لهيب أشعة الشمس الحارق، إذ تصف ما يتعرضن له من هضم في الأجر اليومي بالظلم، فالمبلع الزهيد الذي يحصلن عليه لا يغطي مصاريف اليوم الواحد في ظل هذا الارتفاع الكبير في أسعار السلع.
وتتابع عبيد قائلة: "أنا غير راضية بهذا العمل، ولأني أُمّية لن يقبل أحد بتشغيلي في أي مكان، ومن المؤسف أن النساء العاملات أنفسهن يقللن من قيمتهم، وحين أحاول الكلام عن أحقيتنا بالحصول على مستحقات أفضل اتّهَم بالجنون".
فاطمة العتوي (18 سنة)، تعمل هي الأخرى في جز "تفليك" الأعشاب الضارة وحصاد الموز، تؤكد لـ"خيوط"، أن مالك المزرعة التي تعمل فيها، لا يدفع لها -وكغيرها من العاملات في المزرعة- المبلغَ المحدد مقابل العمل اليومي، ويكتفي بإعطائهن بعضًا من ثمار الموز وفلك للمواشي.
تتابع حديثها: "لا يوجد أمامنا إلا هذا العمل، لكن إذا ما توفر بديلٌ أفضل فسأترك العمل في هذه المزرعة".
مخاطر مضاعفة
دائمًا ما تتواجد المزارع على أطراف القرى أو المناطق السكنية أو تبعد عنها مسافات طويلة، يضطر فيها العامل القاطن خارجها بقطع طريق طويل حتى يصل إلى مكان عمله، إذا لم تكن هناك وسيلة نقل مخصصة لتوصيله.
وبعيدًا عن المسافات الفاصلة بين المزارع وسكن العاملين، تظل المزارع نفسها مهيئة لتعرض النساء فيها للكثير من الاعتداءات الجسدية منها والنفسية، بسبب مساحتها الكبيرة وامتلائها بأعداد مهولة من الأشجار.
وللحديث عن تلك المخاطر التي يواجهنها، قالت شلية فتيحي: "لا يوجد أمان على الإطلاق في المزارع، ويفترض بكل واحدة منا أن تكون قوية للدفاع عن النفس؛ لأن كل شيء من الممكن أن يحصل لك هناك، خصوصًا التحرش".
لم تتعرض شلية، كما تقول، لأي اعتداء عنيف، لكنها تتعرض في بعض الأحيان للشتائم والإهانات من ملاك المزرعة.
أما فاطمة عبيد، فتروي عن تعرضها، في إحدى المرات، وهي في طريقها إلى المسكن الذي تقطنه من المزرعة، للملاحقة والاعتداء الجسدي من رجل لم تتعرف على هويته.
وتابعت: "ضربني ضربًا مبرحًا في يدي وفي ظهري، لم أعلم لماذا ومن هذا الذي فعل كل هذا، وإلى اليوم ما زلت أشعر بألم في ظهري".
وتتفق فاطمة عبيد مع شلية فتحي، في تعرضها وزميلاتها العاملات في المزرعة، في كثير من المرات للسب والشتم أثناء العمل، كما يتعرضن في مرات عديدة إلى تهم كثيرة؛ أهمها الاتهام بالسرقة، والذي يفضي برب العمل إلى حرمانهم من المستحقات اليومية بسبب هذه الاتهامات.
ومع ذلك كله، يبدو أنه لا يوجد هناك أي بصيص من الأمل، الذي من الممكن أن يأخذ في الاعتبار ويراعي هشاشة وضع العاملات ويقدم لهن حلولًا ويحمي حقوقهن.
وفي ظل ما تمر به أبين، كغيرها من المحافظات اليمنية، من أوضاع صعبة نتيجة الحرب الدائرة في البلاد منذ سبع سنوات، تظل النساء اليمنيات الفئة الأكثر معاناة بسبب الوضع الراهن، فقد زادت نسبة تعرضهن لكافة أنواع الانتهاكات دون وجود رادع حقيقي لها.