أجبرت الأزمة التي يمر بها القطاع الزراعي في محافظة أَبْيَن (جنوب اليمن)، مع تراجع الإنتاج الزراعي خلال الفترة الماضية، خصوصًا محصول الموز الذي تشتهر المحافظة بإنتاجه، الكثيرَ من ملاك
الأراضي إلى تقليص استقدام الأيدي العاملة؛ الأمر الذي فاقم من معاناة نسبة كبيرة من العاملين في هذا القطاع الحيوي وتوسيع مستويات الفقر والبطالة.
آمنة صالح، إحدى العاملات، اعتادت كل صباح خوض غمار الكفاح والعمل في حقول الموز، تشكو آمنة لـ"خيوط" تدهور وضعها المعيشي، وعجزَها عن توفير قوت أسرتها اليومي؛ نتيجة قلَّة فرص العمل في المزارع.
"لم يعد أحدٌ يطلبنا للعمل"، بأسى تلخص آمنة معاناتها والكثير من العاملين، تُكمل آمنة شكواها بعد تنهيدة تمتلئ حسرة: "في السابق كانت الفرص كثيرة أمامنا، ونختار الأنسب لنا من حيث العائد المادي، كنا نعمل بشكلٍ يوميّ، منذ طلوع الشمس حتى الغروب ."
أزمة مستفحلة
تحتاج المَزارع ذات الإنتاج الكبير إلى عددٍ كبير من الأيدي العاملة، كما هو معروف؛ لإنجاز العمل بشكل أسرع وبصورة مُثلى، ففي منطقة باتيس الزراعية، الواقعة على ضفاف وادي (بَنا) في دِلتا أَبْيَن (جنوب البلاد)، تنتشر زراعة الموز ذي الجودة العالية بشكلٍ كبيرٍ وملحوظ، وعلى الرغم من اختلاف المنتوجات الزراعية في المنطقة، فإنّ الموز يشكل النسبة الأكبر من الإنتاج الزراعي لهذه المنطقة .
يعد محصول الموز من أكثر المحاصيل الزراعية إنتاجًا وشهرةً في دِلتا أبين، إلى جانب المانجو والبابايا (عنب الفلفل)، والشمّام، والكثير من الخضروات، ويُزرع الموز في مناطق متفرقة من أبين، أكثرها مناطق باتيس والمسيمير والكود، حيثُ بلغت الأراضي المزروعة من هذا المحصول قرابة 80% من إجمالي أراضي تلك المناطق.
إقبالُ ملاك الأراضي الزراعية في دِلتا أبين على زراعة الموز طوال السنوات الماضية، يعزوه أغلبهم لجملة من العوامل؛ أبرزها خصوبة تربة المنطقة التي تقع على امتداد واديَي بَنا وحسَّان، وتوفر المناخ المناسب لزراعة هذا الصِّنف من المزروعات، إضافةً إلى سهولة إنتاج هذا المحصول بشكلٍ مستمر، حيثُ يتمُّ جني المحصول بمعدل مرتين في الشهر الواحد في فصل الصيف، ومرَّة واحدة في الشهر خلال فصل الشِّتاء، كما يقولُ المزارعون، إلى جانب الكثير من الخضروات والفواكه.
امتدادُ المساحات المزروعة بالموز في عموم مناطق الدِّلتا، أتاح فرصَ عملٍ للكثير من المواطنين الذين يعتمدون في دخلهم بدرجة أساسية على هذه الأعمال، حيثُ تستوعب المزارع أعدادًا كبيرةً من العمَّال، الذين يجدون في مزارع الموز وغيرها فرصةً مناسبة للحصول على مردود جيد طوال المواسم الزراعية .
الجفاف الناتج عن شحة هطول الأمطار في مواسمها، وموجات السيول ذات المنسوب العالي التي تضرب المحافظة من وقت لآخر دون الاستفادة منها، وكذا انجراف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة؛ نتيجة تعطل عمل القنوات المائية في سد باتيس الشهير، جميعُها أسبابٌ جعلت الكثير من مالكي المزارع يعزفون عن زراعة محصول الموز وغيره من المحاصيل، ما انعكس سلبًا على قوت العمَّال اليومي .
ويُعدُّ محصول الموز من أكثر المحاصيل الزراعية إنتاجًا وشهرةً في دِلتا أبين، إلى جانب المانجو والبابايا (عنب الفلفل)، والشمّام، والكثير من الخضروات، ويُزرع الموز في مناطق متفرقة من أبين، أكثرها مناطق باتيس والمسيمير والكود، حيثُ بلغت الأراضي المزروعة من هذا المحصول قرابة 80% من إجمالي أراضي تلك المناطق.
وتراوح حجم إنتاج المحصول، خلال السنوات الماضية، بين 80 إلى 100 طنٍّ في اليوم الواحد -بحسب مكتب الزراعة في المحافظة- وهي نسبةٌ كفيلة باستيعاب أكبر عدد من الأيدي العاملة للحصاد والوزن والتغليف والحمل، بشكل يجعل تلك المزارع ممتلئة حياةً وحيوية طوال ساعات النهار.
لكن انخفاض الإنتاج في الفترة الأخيرة بصورة مهولة، والذي تضاءل إلى عشرين طنٍّ في اليوم الواحد، أدَّى إلى تسريح الكثير من الأيادي العاملة في تلك المزارع، والاكتفاء بالعدد الذي يلبي الحاجة، ما جعل الكثير منهم عاجزين عن إيجاد فرصة عمل بديلة في المنطقة ذات الطابع الزراعي .
في السِّياق، يؤكد محمود راجح، مالك أراضٍ زراعية في منطقة باتيس لـ"خيوط"، تدني معدل إنتاج الموز في المنطقة، حيثُ بلغَت الكمية المُصدَّرة من أراضيه 500 كيلو من الموز، بعد أن كانت الكميات المصدَّرة تتجاوز 5 أطنان، كل 15 يومًا، مشيرًا إلى أنّ تقلص حجم الإنتاج كان نتيجةً عكسية لجفاف الآبار، وقلة الأمطار التي عرَّضت مساحات واسعة من أراضيهم للجفاف والتصحر؛ الأمر الذي انعكس بشكلٍ سلبي على ملّاك الأراضي، والمزارعين العاملين فيها على حدٍّ سواء.
البحث عن أعمال أخرى
أصبح المزارعون في بحثٍ مستمر عن فرصة عمل تقي أُسرهم الجوع طوال اليوم؛ الأمر الذي جعل الكثير منهم مضطرين لترك قُراهم، والخروج بحثًا عن فرص عملٍ أخرى بعيدة عن مزارع مناطقهم، ويؤكّد ذلك لـ"خيوط" حيدرة محمد (38 عامًا)، وهو أحد المزارعين العاملين بالأجر اليومي، قائلًا: "انتظرنا كثيرًا تحسن الوضع الزراعي، وعودة المنطقة لسابق عهدها، حيثُ كنّا نعمل ليلًا ونهارًا وبأعدادٍ كبيرة، خاصة في مزارع الموز، الذي نقوم بتجهيزه وتصدير أغلبه لدول الخليج".
يتابع محمد حديثه: "لكن الوضع أصبح منهكًا بالنسبة لي وللكثيرين، مما اضطرني للابتعاد عن الزراعة، واللجوء إلى إحدى مدن أبين للعمل كحمَّال بضائع جوار المحال التجارية".
في السنوات الأخيرة، تعرّضَت المحافظة لفيضانات سيولٍ جرفت مساحاتٍ شاسعة من إجمالي الأراضي الزراعية التي تصل إلى قرابة 150 ألف فدان في دِلتا أبين.
ويصف عبدالله محمد (مزارع)، الوضع الذي آلت إليه مزارع الموز في محافظة أبين بقوله: "كنتُ وصديقٌ لي نستأجر أراضيَ زراعية ونزرعها بالموز؛ لكثرة الإقبال على شرائه بكمياتٍ كبيرة وبصورة مستمرة".
يتابع: "كنّا نحقّق أرباحًا جيدة، تدفعنا للاستمرار في هذا العمل، لكننا في العامَين الماضيين لم يعد باستطاعتنا تحمل الوضع، بعد أن حاصرتنا الكثير من المعوقات، كعدم وصول مياه السيول إلى أراضينا بعد تهتك أعبار المياه، وقلة هطول مياه الأمطار -حد الانعدام- إضافة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التي نحتاجها لتشغيل مضخات المياه في الآبار -إن وجد بها الماء- وإيقاف تصدير الموز إلى خارج اليمن؛ ما جعل العائد ضئيلًا جدًّا مُقابل خسارتنا".
ويؤكّد عبدالله أنّ المعوقات -جميعها- لم تجعلهما عرضة لليأس منذُ الوهلة الأولى، بل حاولا إيجاد حلول تخفف من حِدَّة الخسارة، فاضطرا إلى تقليص القوى العاملة، وتقليص المساحة المخصصة للزراعة من إجمالي الأرض المستأجرة، لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، بعد أن أصبح المزارع يواجه جل تلك الصعوبات وحيدًا، دون تدخل مكاتب الزراعة ودعمها.
جفاف الأراضي
تشتهرُ دِلتا أبين، الأرض الخصيبة الممتدة من منطقة يرامس في مديرية خنفر، وصولًا إلى منطقة القُريّات في مديرية زنجبار بزراعة الكثير من المحاصيل الزراعية من الفواكه والخضروات ذات الجودة العالية، والتي تُزود بها المحافظة والمحافظات المجاورة، حتى اشتهرت طوال العقود الماضية بالسلَّة الغذائية .
وقوع المحافظة على ضفتي واديَي بنَا وحسَّان، جعلها مؤهلة لكل ذلك، وجعل المهتمين بالزراعة يتوافدون إلى أراضي الدِّلتا التي يجدون فيها غايتهم .
في السنوات الأخيرة، تعرّضتِ المحافظة لفيضانات سيولٍ جرفت مساحاتٍ شاسعة من إجمالي الأراضي الزراعية التي تصل إلى قرابة 150 ألف فدان في دِلتا أبين .
انجراف الأراضي الزراعية، وتَدمُّر القنوات المائية، وتهالك سد باتيس وتعرضه للانهيار؛ أسبابٌ فاقت قدرة المزارعين على استيعابها وحلحلتها، في ظلّ تقاعس مكاتب الزراعة والري بالمحافظة لدورِها، وأجبرَت المزارعين على إهمال مساحاتٍ كبيرة من أراضيهم، حتى تعرضت للتشقق والجفاف.
وبحسبِ إحصائيات رسميِّة لمكتب الزراعة والري بالمحافظة، فإنّ إجمالي الأراضي الزراعية التي تعرضت للتصحر بشكلٍ كليٍّ بلغت 15 ألف فدان، كما تبلغ المساحات المعرضة للتصحُّر 30 ألف فدانٍ من إجمالي أراضي الدلتا البالغة 150 ألف فدان، فالكثير من الأراضي الزراعية البعيدة عن مجاري السيول، والتي تعتمد بشكلٍ كليٍّ في ريّها على الآبار، تعرضت للجفاف والتصحر؛ نتيجة شحة المياه الجوفية الناتجة عن شحة هطول الأمطار في المنطقة؛ ما جعل الكثير من أصحاب تلك الأراضي يلجؤون إلى تخطيطها لأحياء سكنية وبيعها؛ للاستفادة من العائد منها في التأسيس لعملٍ يعود عليهم بفوائد مستمرة، تضمن العيش الكريم لأسرهم، وفق بعض مُلّاك الأراضي.
في السيِّاق، يشيرُ عبدالله محْول طبيق، مدير إدارة الري بمحافظة أبين إلى تأثُّر التربة بالتغيرات المناخية، والتقلُّبات التي انعكست بشكل سلبي على خصوبة التربة .
ويؤكِّد طُبيق في حديثه لـ"خيوط"، أنّ محافظة أبين تتمتع بتربة خِصبة، تسمح لها بزراعة الكثير من المحاصيل، إلا أنها في الفترات الأخيرة تعرضت لموجات سيول جارفة، جرفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية؛ نتيجة تعرض الكثير من المصدَّات الدفاعية في سد باتيس للانهيار؛ جرَّاء ارتفاع منسوب المياه وتدفُّق السيول بشكلٍ كبير، الأمر الذي يجعل الكثير من الأراضي عرضةً للتصحُّر مع مرور السنوات والمواسم.