رغم البداية السارة التي يحملها مولود جديد، فإن متعلقات الصحة الإنجابية وما يرتبط بها من ارتفاع في أسعار الأدوية وانعدام بعض الأصناف الأساسية منها، تسرق الفرحة من الأُسَر، كما هو الأمر بالنسبة لأم سلطان مع بكرها الأول الذي أنجبته بعد معاناة خلال فترة الحمل، لم تتمكن معها من شراء أدوية أساسية أو تغذية مناسبة.
ولدت سمر (31 عامًا)، طفلَها الأول منذ شهور في إحدى المديريات الريفية بمحافظة صنعاء، لكن حالته الصحية تمثل قلقًا مستمرًّا لوالدته، التي فقدَ زوجها مصدر دخله الأساسي خلال الحرب، إذ يعاني الطفل من مشاكل تعيق النمو والحركة، الأمر الذي يقول عنه الأطباء إنه يرجع إلى التغذية وإلى ضعف في مواد أساسية متصلة بصحة الأم خلال فترة الحمل وأوضاع الأسرة المعيشية.
حالة أم سلطان، هي واحدة من معاناة متعددة الأوجه لعدد غير قليل من الأُسَر اليمنية التي تفاقمَ وضعها الصحي والمعيشي منذ سنوات، ولا يتوقف الأمر عند حدود أدوية الأمهات الحوامل والصحة الإنجابية بشكل عام، بل هي مسألة تتجاوز صحة الأم إلى صحة المواليد، في ظل الأوضاع الإنسانية والمعيشية منذ سنوات، والتي تزيد معها حالات الإجهاض وحتى الوفيات، في أوساط الأمهات.
تعاني اليمن أعلى معدل وفيات بين الأمهات في المنطقة، وتتم أقل من نصف الولادات بمساعدات فرق طبية محترفة، ويقدم مرفق صحي فقط من بين كل خمسة مرافق خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل.
وتكشف بيانات رسمية لوزارة الصحة في صنعاء، قامت "خيوط" بتحليلها، عن تسجيل 11 ألفًا و214 حالة وفاة بين المواليد في الفترة الواقعة بين عامي 2018 و2020، وذلك من بين أكثر من نصف مليون مولود في عشر محافظات يمنية فقط.
كما يكشف تحليل بيانات التقارير السنوية للوزارة عن أن الإجهاض يأتي في المرتبة الأولى للمضاعفات التي تتعرض لها الأمهات الحوامل، ثم الولادة المتعسرة ثانيًا، واستخراج المشيمة يدويًّا ثالثًا.
ويُرجع الأطباء والمختصون، التدهور في وضع الصحة الإنجابية، إلى العوامل المتعلقة بتأثيرات الحرب في اليمن على القطاع الصحي وعلى أوضاع الأسر التي تأثر مستوى دخلها المعيشي، وبالتالي على قدرتها على الوصول إلى غذاء صحي وعلى الوصول إلى الأدوية الموثوقة، والتي يشكو المواطنون من انعدام العديد من الأصناف، ومن ارتفاع الأسعار.
أرقام مخيفة تكشف فداحة الأزمة
تتحمل النساء والفتيات في اليمن العبءَ الأكبر للأزمة. وتعاني اليمن أعلى معدلات الوفيات بين الأمهات في المنطقة، وتتم أقل من نصف الولادات فقط، في اليمن، بمساعدة طواقم طبية مؤهلة، كما تتوفر خدمات الأمومة والطفولة الصحية في مستشفى واحد فقط من بين كل خمسة مرافق صحية ما زالت تعمل. وقد تتعرض أكثر من مليون ونصف من النساء الحوامل والمرضعات لسوء تغذية حاد خلال العام 2023. ونتيجة لزيادة انعدام الأمن الغذائي، تواجه هؤلاء النساء خطر الولادة بأطفال يعانون ضعفًا في النمو، ورعاية مواليد مصابين بسوء التغذية.
ترصد "خيوط" استنادًا لتقارير وبيانات عديدة، تأثيرًا بالغًا للأزمة في اليمن على النساء والفتيات، بالأرقام مع وجود نحو 12.6 مليون امرأة بحاجة الى خدمات الحماية والصحة الإنجابية، حيث تكشف البيانات التي حصلت عليها "خيوط"، عن وفاة امرأة واحدة كل ساعتين في اليمن أثناء الولادة لأسبابٍ عادةً يمكن الوقاية منها، كما أن 5.5 ملايين من النساء والفتيات في سن الإنجاب، بحاجة الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، إضافة إلى معاناة نحو مليون ونصف من النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية الحاد.
كما تحتاج 7.1 ملايين من النساء وصولًا عاجلًا إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماع، في حين تشكل النساء والأطفال ثلثَي الـ4.5 ملايين نازح في اليمن، وغالبيتهم نزح أكثر من مرة.
أنهكت الحرب النظامَ الصحي الوطني في اليمن، وخلّفت المباني والمعدات مدمَّرة، والعمّال الصحيين دون أجور. وتعاني اليمن أعلى معدل وفيات بين الأمهات في المنطقة، وتتم أقل من نصف الولادات بمساعدات فرق طبية محترفة، ويقدم مرفق صحي فقط من بين كل خمسة مرافق، خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل.
وتعاني نحو 5.5 ملايين من النساء والفتيات في سن الإنجاب في اليمن من وصول محدود أو عدم وصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، ويحتجن إلى دعم عاجل.
هجرة الشركات
ترصد "خيوط" هذه الأزمة بالبحث عن أدوار بعض الجهات والنقابات الطبية مثل نقابة ملاك الصيدليات، والتي أكدت بدورها أن هناك أدوية مهمة لأمراض مزمنة وبعضها خطيرة غير متوفرة فعلًا في اليمن، مرجعةً السبب إلى كونها تتبع شركات أصلية.
وتشير نقابة ملاك الصيدليات إلى أن 90% من الشركات هاجرت من اليمن بسبب الحرب والعقوبات، ومع ذلك، فإن أدوية خاصة بالأمومة بالإمكان توفيرها من قبل شركات تجارية لتغطية العجز بأصناف تكون مقبولة بشكل عام.
بدائل جيدة وسيئة
في السياق، تؤكد الدكتورة سميرة مثنى، وهي استشارية نساء وتوليد في أحد المستشفيات الخاصة، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ الوضع الصحي للأم والحوامل، "تدهور كبقية الوضع الصحي باليمن مع الحرب، وانعدام الأدوية المهمة"، ومع توفر أدوية بديلة "منها الجيد"، فإن هناك أخرى "غير جيدة"، حيث إنّ "بعض الأدوية غير معروفة المصدر أو غير معتمدة من هيئة الدواء"، كما ترى أنّ "أغلب الأدوية الهندية والتركية في الأسواق للأسف غير جيدة".
وبشأن دور الأطباء في ظل الأزمة، تقول مثنى: "كأطباء وصيادلة نختار الأدوية الفعّالة الضرورية التي يحتاجها المريض بدون مبالغة بصرف العلاجات والفيتامينات والشركات المعروفة الجيدة المعترف بها".
وتذكر منظمة اليونيسف أنّ هناك (1.1) مليون امرأة حامل ومرضعة في اليمن بحاجة إلى علاج لسوء التغذية الحاد والوخيم، مشددة على أن "الحصول على خدمات صحية جيدة قبل الولادة وبعدها، هو مفتاح بقاء حديثي الولادة والأمهات".
وتحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة من غياب الخدمات الكافية، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى تلك الخدمات وتكاليف النقل غير الميسورة، مما يجعل التوجه إلى مقدمي الخدمات الصحية الملاذَ الأخير للنساء والأطفال، خاصة في المناطق النائية والريفية وتلك المتأثرة بالحرب.
يعاني قطاع الصحة في اليمن، من عواقب وتبعات الصراع، والتدهور الاقتصادي، والانهيار المؤسسي، وكل ذلك مستمر منذ فترة طويلة. وقد بات توفر مرافق البنية التحتية الصحية العاملة، مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية أمرًا صعب المنال.
يقول لؤي أحمد، دكتور صيدلي يعمل في منظمة مختصة بالصحة الإنجابية، لـ"خيوط"، إنه يعمل منذ عشر سنوات، ولم يحصل أن وقعت أزمة كما هو حاصل الآن في انعدام الأدوية، إذ إنّ جزءًا كبيرًا مما يحصل، باعتقاده، هو نتيجة ارتفاع أسعارها بسبب الظروف السياسية وازدواج الجمارك والجبايات.
يضيف: "هذه الأشياء رفعت من أسعار الأدوية بشكل كبير"، كما تأثر الوضع بانعدام الرواتب والأسعار، والذي بدوره أثر على المراكز الصحية والطبية بشكل عام، بما يؤدّي إلى حالات إجهاض أو ولادات متعسرة.
ارتفاع قيمة الأدوية المستوردة
من أهم الأدوية التي تعطى لتثبيت الحمل، وفقًا لموقع connect.springerpub، الطبي: Progesterone وHydrocortisone بالإضافة إلى Beta methadone.
وبالرجوع إلى بيانات هيئة الأدوية للكميات المستوردة من الثلاثة الأدوية خلال الفترة (2010-2019)، أظهر تحليل "خيوط" تزايد قيمة استيرادها خاصة دواء Hydrocortisone من 124 مليونًا و177 ألفًا و969 ريالًا إلى 306 ملايين و860 ألفًا و20 ريالًا؛ أي ثلاثة أضعاف قيمة ما كان يستورد.
أدوية تعسر الولادة
إلى ذلك، يشير تقرير القائمة الوطنية للأدوية الأساسية، الصادر عام 2019 من وزارة الصحة والسكان في صنعاء، إنّ دواء Magnesium Sulfate دواء أساسي، وتكشف بيانات الهيئة والتي تم تحليلها، تزايد قيمة استيراده، خاصة منذ العام 2017 .
الأدوية المساعدة في خروج المشيمة والتحكم في النزيف أثناء وبعد الولادة، هي الأخرى زادت قيمة استيرادها دواء Oxytocin هو الآخر ضمن قائمة وزارة الصحة لكن تحليل بيانات هيئة الدواء أظهر انخفاض قيمة استيراده.
تدهور الخدمات الصحية
تقول منظمة اليونيسف إن امرأة وستة مواليد يموتون كل ساعتين في اليمن بسبب المضاعفات أثناء الحمل أو الولادة، حيث ألقت عقودٌ من تراجع التنمية وسنوات من القتال العنيف بظلالها على الخدمات العامة الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية للأمهات والرضع، التي "أضحت على شفا الانهيار التام"، كما قالت المنظمة.
ويشير تقرير الأمومة والأبوة في ظل الصراع الدائر في اليمن، إلى أنّ معدل وفيات الأمهات ارتفع بشكل حادّ منذ تصاعد النزاع، من خمس وفيات للأمهات في اليوم عام 2013، إلى 12 وفاة بين الأمهات يوميًّا عام 2018. وتموت امرأة واحدة من بين كل 260 امرأة أثناء الحمل أو الولادة، حيث تحدث ثلاث ولادات فقط في المرافق الصحية من بين كل عشر ولادات.
كما يموت طفل واحد من بين 37 مولودًا في الشهر الأول من الحياة، إضافة إلى ذلك، أنجبت واحدة من بين كل 15 فتاة مراهقة، تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا.
ويصف البنك الدولي الحالة القائمة التي يشهدها قطاع الصحة في اليمن، بأنه يعاني من عواقب وتبعات الصراع، والتدهور الاقتصادي، والانهيار المؤسسي، وكل ذلك مستمر منذ فترة طويلة. وقد بات توفر مرافق البنية التحتية الصحية العاملة، مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية أمرًا صعب المنال، إذ تواجه نسبة كبيرة من السكان تحديات في الحصول على الرعاية الصحية.
وفي الوقت الحالي، لا يعمل سوى 50% من المنشآت الصحية بكامل طاقتها، ويواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية، كما يُعَد نقص الموارد البشرية والمعدات والمستلزمات حجر عثرة في سبيل تقديم خدمات الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، فقد أدى الصراع إلى تفاقم التحديات الصحية، وأفضى إلى ضعف إدارة قطاع الرعاية الصحية.
إضافة إلى ذلك، فقد ألحق الصراع ضررًا مباشرًا بصحة السكان، ويقدَّر الآن أنه السبب الرئيسي الثالث للوفاة في اليمن، بعد مرض تروية القلب (نقص وصول الأكسجين إلى القلب) وأمراض حديثي الولادة.