(1935 - 26/ 9/ 1962)
وُلد في قرية بني حبش في منطقة الأشمور، وتُوفِّي في مدينة صنعاء. وهو سياسي ثائر، درس في كُتّاب قريته، ثم انتقل إلى مدينة صنعاء، فالتحق فيها في المدرسة التحضيرية، ثم التحق بكلية الطيران، ودرس فيها عامين، ثم التحق فيها بمدرسة الأسلحة فدرس فيها. اتصل بالثوار ضد الحكم الإمامي، وشارك في تأسيس تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بالثورة الجمهورية معلنًا إسقاط النظام الملكي عام 1962، وقد تحرك عبدالرحمن المحبشي ليلة الثورة مع الملازم محمد الشراعي وأحد الجنود على ظهر دبابة، لاقتحام قصر الإمام محمد بن أحمد حميد الدين المعروف بالبدر، وعند وصول الدبابة إلى بوابة القصر تعطلت، فأسرع أحد حرس القصر وصبّ عليها صفيحة بنزين، ثم أشعل فيها النيران فاحترق من بداخلها وفيهم المحبشي. كان المحبشي كتومًا، ملتزمًا محبًّا للمطالعة.
رقي عسكريًّا إلى رتبة ملازم عن عمر يناهز الـ28 عامًا، حيث تمت مواراة جثمانه في مقبرة كانت في حي (باب السلام)، أحد أحياء مدينة صنعاء القديمة.
المحيط العائلي
مثّلت قرية حصن جُراع كحلان عفار -بني حبش– مسقط رأس أسرة الشهيد منذ القرن العاشر الهجري عندما سكنها لأول مرة الأمير ناصر بن علي المحبشي إلا أنّ ما كانت تعانيه المنطقة من جور وضرائب عثمانية اضطر جد الشهيد نقل أولاده من جُراع إلى قرية زيلة المحبشي، وفيها كان مولد والد الشهيد في حين فضل الجد الهروب من ملاحقة الأتراك إلى شعب عقلان عائدًا مع أسرته بعد رحيلهم عن اليمن إلى جُراع.
أنجب جد الشهيد ثلاثة من الأبناء هم: أحمد، وعلي، ومُحُمد. تُوفِّي أحمد وعلي، وبقيَ مُحُمد على قيد الحياة إلا أن رحيل والده المبكر ألقى على كاهله عبئًا ثقيلًا بحكم أنه صار وحيد أسرته.
في البداية قامت والدته بإرساله إلى المدرسة العلمية في كحلان عفار، لتلقي العلم لدى يحيى شيبان، ونظرًا لأملاك أسرته الواسعة لم يتمكن من مواصلة مشواره التعليمي؛ لذا استدعته والدته للإشراف عليها، مع العلم أنه تزوج أربعة من النساء وخلَّف عددًا من الأولاد، منهم الشهيد عبدالرحمن.
التحصيل العلمي
درس الشهيد وإخوانه العلوم الأساسية في كُتّاب القرية، انتقل بعدها إلى مدينة صنعاء في 1953م، للدراسة في المدرسة التحضيرية إلى أن وجّه الإمام أحمد بإغلاقها تحت ذريعة تخوُّفِه من مناصرة طلابها لأخيه الحسن، وفي 1960م افتُتحت كلية الطيران تحت إدارة العقيد محمد صالح العلفي، وإشراف خبراء روس، فالتحق المحبشي بها إلا أنّ الإمام أحمد في نهاية العام 1961م، أمر بإغلاقها أيضًا تحت ذريعة عدم التحمس لإيجاد سلاح طيران في وقتٍ كانت مدرسة الأسلحة ما زالت مفتوحة، فانتقل المحبشي إليها برفقة عدد من زملائه، منهم علي عبدالمغني –مؤسس تنظيم الضباط الأحرار- ومحمد مطهر زيد، وبها اتجه للتخصص في شعبة سلاح المدرعات.
كما كان له نصيبٌ من العلوم الشرعية خلال الفترة الفاصلة بين إغلاق المدرسة التحضيرية، وقبل انضمامه إلى المدرسة الحربية بالدراسة في جامع الرحمن من العاصمة صنعاء.
الحراك الوطني
اتّسم الشهيد بالعديد من الصفات والسجايا خلال مسيرته التعليمية، منها النبل والخجل والتنظيم الدقيق لبرنامجه الحياتي، وكان كتومًا إلى درجة لا يفضي بسره ونشاطه لأحد، بمن فيهم أقرب الناس إليه؛ وهو أخوه العميد أحمد المحبشي، وكان ملتزمًا محِبًّا للمطالعة والمتابعة عن كثب للتطورات التي تشهدها اليمن والتحرك الفاعل في طوفان الغضب الثوري المتصاعد ضد الحكم الملكي، والاندفاع الوطني المبكر للمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية بالجهد والعرق رغم تواضع إمكانياته.
تفتق وعيه الوطني نتيجة التأثير السياسي لزملائه، فكان من ضمن الخلايا الثورية الناشطة في كلية الطيران، كما كانت له مواقف سياسية ووطنية مشاد بها، عندما انضم إلى التيار الرافض لتوجهات الإمام أحمد بإغلاق المدارس العسكرية بما فيها كلية الطيران خوفًا من تنامي الوعي الوطني، وتخيير طلابها في العمل بمجالات مدنية لا تناسب تخصصاتهم كالمواصلات، ومراقبة طريق الحُديدة–صنعاء وبمرتبات مغرية تجاوزت الـ35 ريالًا (ماريا تيريزا)، إلا أنّ المحبشي وغالبية رفاقه رفضوا هذا؛ الأمر الذي أدّى إلى قيام البدر بإعادة فتح المدارس التي أغلقها والده، وبهذا بدأت مسيرة التغيير نحو الحرية تفرض نفسها، ولا غرابة أن نجد المحبشي وسط هذا الزخم الثوري منكبًا على قراءة الأدبيات الثورية اليمنية والعربية، لا سيما رواية "واق الواق" للزبيري والتي كانت سِفره وزاده الرئيسي.
العمل الثوري
كان المحبشي ضابطًا ملتزمًا، ونموذجًا للجندية الحقّة في كافة المناصب التي أُوكلت إليه بشهادة كافة زملائه، ومحاربًا، ثائرًا. اتصل بالثوار ضد الحكم الإمامي الملكي، وشارك في تأسيس تنظيم (الضباط الأحرار) الذي قام بالثورة الجمهورية في اليمن الشمالي معلنًا إسقاط النظام الملكي عام 1382هـ/ 1962م، الآتي نتاجًا لتصاعد موجة الغضب الشعبي، وتوجه الضباط الأحرار في كانون الثاني/ ديسمبر 1961م، إلى رفع وتيرة الاستعدادات لتفجير الثورة من خلال التئام اجتماعهم التأسيسي الأول المنبثق عنه إقرار الهيكلة التنظيمية بصنعاء عبر تشكيل القاعدة التأسيسية من 16 عضوًا ولجنة القيادة العامة من 5 أعضاء، ومنها امتد نشاطها إلى تعز والحُديدة في العشرة الأشهر اللاحقة بموجب ذلك تشكّلت الخلايا الميدانية الأساسية الهجومية والفرعية المساندة.
قاد الثامنة منها الفئة (ب) حمود بيدر، والمنبثق عنها مجموعة الهجوم الثانية بقيادة الملازم محمد الشراعي والملازم عبدالرحمن المحبشي والملازم حسين خيران والعريف أحمد العزكي، وهي المكلفة بمهاجمة واقتحام دار البشائر -قصر الإمام محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين– وأثناء محاولتهم اقتحام ساحة القصر الضيّقة أصيبت دبابتهم بعطل مفاجئ في أجهزة الدفع والإعادة، وتسرب الزيت بعد إطلاق أول قذيفة؛ فقرروا الانسحاب إلى ميدان التحرير حيث كانت دبابة المساندة الأولى بقيادة عبدالله عبدالسلام صبرة ترابط هناك، وبعد إفراغ الشراعي ورفاقه ما بقي لديهم من ذخيرة، اتجهوا إلى لَكَنَة الدبابات بـ"العُرضي"، وهناك استبدلوا دبابتهم بأخرى ذات مدفع متحرك، ومنه اتجهوا إلى قصر السلاح حيث كان الثوار قد نجحوا في فتحه؛ فتزودوا منه بما يلزم من الذخيرة معاودين مسيرتهم إلى قصر البشائر، ورغم نجاحهم في الوصول إليه، وتصويب قذائفهم إلى شرفاته، فقد تمكن أحد حرس القصر، ويدعى "عبدالله طميم" الواقف حينها فوق سطح القصر من صبّ صفيحة بنزين على دبابة الشراعي والمحبشي، ثم أشعل فيها النيران، فاحترق من بداخلها، وفيهم صاحب الترجمة، وبذلك سجّل الشراعي والمحبشي وخيران والعزكي الفداء الأول في كتاب قوافل شهداء الوطن والقربان الأول لثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
المصدر