فقدت اليمن يوم أمس الإثنين، القياديَّ في الحزب الاشتراكي اليمني عبدالله حسن دماج، إحدى الشخصيات الوطنية السبتمبرية الصلبة التي ظلت محافِظة على مبادئها وقيمها الثورية دون اهتزاز حتى فاضت روحها في وقت عصيب وظروف صعبة تمر بها اليمن، البلد الذي دمرته الحرب والصراع الدائر منذ سبع سنوات وينزف خيرة أبنائه، وهو ما يفاقم من وحشة ما تخلفه هذه الحرب والأوضاع الراهنة من تبعات قاهرة.
عُرف دماج بالمثقف الراسخ واليساري المتزن، ابن الحركة الوطنية اليمنية، وأحد أبرز رجال العمل التعاوني في اليمن، والذي كرس حياته -بحسب كلِّ من عرفه- للدفاع عن المبادئ الوطنية وخدمة الناس.
ووصفت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني عبدَالله حسن دماج بالمناضل الأكثر صلابة، والذي عاش حياته مناضلًا شديد الوفاء لمبادئه وشديد الإخلاص للناس وقريبًا منهم والأكثر تفاعلًا مع قضاياهم الحياتية واليومية، وكل هذه الخصال أهّلته ليكون شخصية سياسية وطنية بارزة في محافظة إب، محافظًا على مبادئه وانحيازه لقضايا الناس والوطن، رغم كل المغريات والضغوط التي مورست عليه.
ولم يُعرف عن الفقيد أبدًا أن تسرب اليأس إليه أو أن شعورًا بالإحباط قد لازمه في يومٍ ما من أيام حياته حتى قضى نحبه وصعدت نفسه إلى بارئها وهو كاره للحرب الراهنة، شديد التحيز لقضايا السلام المجتمعي والوطني.
يُجمع كل من عرفه أن اليمن خسرت مناضلًا شامخًا، صاحب قيم نبيلة، ومن الوطنيين التقدميين، ورجل التعاونيات من الطراز الأول، منحاز إلى شعبه ووطنه دائمًا وأبدًا.
مسيرة حافلة
الفقيد عبدالله حسن دماج، من مواليد نهاية الأربعينيات في منطقة النجد بمحافظة إب (وسط اليمن)، وهو أحد مؤسسي المقاومة الشعبية في محافظة إب دفاعًا عن ثورة وجمهورية 26 سبتمبر 1962، وفك حصار صنعاء بعد سبعين يومًا من الصمود الأسطوري في وجه الهجمة الإمامية المدعومة دوليًّا، والتي حاولت كسر إرادة الشعب اليمني التواق للتحرر من كهنوت العصور الوسطى والتخلص من الجهل والفقر والمرض.
وذكرت الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني أن دماج كان أحد مؤسسي منظمة الحزب الديمقراطي في هذه المحافظة، ومن بين أوائل قادتها الميامين الذين أبقوا على إب محافظة سخية في رفد العمل الوطني الديمقراطي بخيرة الرجال والنساء.
كما أن الفقيد من الرجال الذين دعموا التوجه الوطني للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وانخرطوا في الحركة التعاونية لشق وتعبيد الطرق، وبناء المدارس والمستوصفات وتأسيس مشاريع مياه الشرب النقية وتوصيلها إلى المنازل في مختلف النواحي والعزل.
وعلى صعيد العمل النقابي، برز الفقيد مؤسسًا وناشطًا في إطار محافظته؛ واعترافًا بدوره النقابي وتكريمًا له تم ابتعاثه مطلع السبعينيات في دورة نقابية إلى الاتحاد السوفييتي، ليعود وقد عزَّز خبرته العملية برؤى وخبرات نظرية عكسها في نشاطه اليومي الخلاق.
التحق مبكرًا بحركة القوميين العرب، ومن مؤسسي الحركة في لواء إب، وكان أحد مؤسسي مناضلي الحزب الديمقراطي الثوري اليمني في لواء إب، الذي تأسس في يونيو 1968.
وكان ممن انخرطوا وقادوا العمل التعاوني لشق وتعبيد الطرق، وبناء المدارس والمستوصفات، وتأسيس مشاريع مياه الشرب النقية وتوصيلها إلى المنازل، في مختلف نواحي وعزل لواء إب.
رحيل مؤلم
يُجمع كل من عرفه أن اليمن خسرت مناضلًا شامخًا، صاحب قيم نبيلة، ومن الوطنين التقدمين، ورجل التعاونيات من الطراز الأول، منحاز إلى شعبه ووطنه دائمًا وأبدًا.
مطيع دماج، وصف الفقيد بالمثقف المستنير والمناضل الصلب، والتعاوني المميز، والوطني الشجاع والاشتراكي المتمسك والمتماهي بالناس وبالحلم كأن الحرية والمساواة والعدل على بعد أنملة من يقينه.
وكتب يرثيه بالقول: "في القلب وجع صلد يتكاثر، بلا رحمة، بفعل الهاوية التي مزقت خطواتنا بين جرحين، وحرمتنا الجلوس معك، على شجن العشب الذي يستريح حول بيتك كالأصدقاء، نتبادل عذب الكلام والذكريات، ونطرد أحزاننا بالضحكات التي تأتي من آخر القلب كالأمل، حرمتنا السلام على وجهك الرحب وهو يغادرنا إلى رحمة الله، حرمتنا قبلةً للجبين الذي عرفته الشمس مرتفعًا واثقًا ونظيفًا... في القلب ليل كثيف يا عم عبدالله، وفيه من الذكريات ما يمسح الليل".
من جانبه، قال فوزي العريقي: "ها هو عبدالله حسن دماج يرحل بهدوء، وبعد معاناة مع المرض، أحد مناضلي الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة إب".
وأشار العريقي، أن دماج خاض غمار الانتخابات المحلية والنيابية، لكنه كان هدفًا لرجال السلطة وزبانيتها للحد من تأثيره ونجاحه، كان له مواقف مشرفة من حرب صيف 1994.
وأضاف، أن الفقيد كان شديد التواضع، دمث الأخلاق، مبدئيًّا ومنحازًا أبدًا ودائمًا مع العامة من الناس، يعيش معاناتهم وهمومهم، ورفض كل المغريات ليتخلى عن خياراته المبدئية.