يربط على بطنه من الجوع؛ وينهش جسده المرض، تكالبت عليه صعوبات الحياة من كل جانب؛ وانقطع راتبه جراء الحرب، ليجد نفسه تحت رحمة الأقدار.
الطبيب البيطري، عبدالإله أحمد الزُّبيدي (59 سنة )، وُلد في سنة 1962 بمنطقة زُبيد في الضالع، وانتقل برفقة أسرته إلى تعز ليعيش فيها ويتلقى تعليمه الإعدادي والثانوي بمدرسة الناصر، سافر إلى سوريا لإكمال مشواره التعليمي سنة 1986، تخرج من جامعة دمشق البيطرية، وانتقل للتدريب والعمل في السعودية مدة سنتين، بعدها تلقى خبر وفاة والده ما اضطره للعودة إلى اليمن.
ظل عبدالإله في العاصمة صنعاء يبحث عن عمل ويحمل شهادته إلى أن حصل على درجة وظيفية بالخدمة المدنية سنة 1993، فيما بقيت أمه مع إخوانه بمدينة تعز.
بحسب طبيعة العمل الذي يشغله عبدالإله في الطب البيطري، من تشريح اللحوم والكشف عن الحيوانات المريضة، فقد زاول عمله في عدد من مناطق اليمن من ضمنها، صنعاء، ومأرب، والمحويت، وظل متنقلًا يدّرب ويدّرس الطب البيطري ضمن إطار عمله.
بعد سنوات قضاها عبدالإله بعيدًا عن ديار أهله للعمل، اتجه عائدًا إلى تعز ليواصل عمله البيطري في "المرتفعات الجنوبية"، بعصيفرة وملتحِقًا بمؤسسة المسالخ.
كان عبدالإله بأحسن حال إلى أن اندلعت الحرب في اليمن سنة 2015، وما عقبها من توقف للرواتب، الذي كان بمثابة "توقف للحياة" حد تعبيره في حديثه لـ"خيوط"، وبدء مسلسل معاناته مع تدهور وضعه المعيشي إلى درجة الكفاف.
تتعدد الموائد والوجبات في البيوت خلال اليوم الواحد إلا في بيت عبدالإله فإن الوجبة المتوافرة والتي يأمل أن لا تنقطع هي الخبز والشاي، ويضيف ودموعه تسبق الحديث واصفًا ما وصلت إليه أسرته من معاناة: "لم تدخل بيتي منذ ست سنوات من الحرب حبة موز أو تفاح".
مستقبل في مهب الريح
تدهورت مؤخرًا حالته المعيشية كثيرًا، ولعدم قدرته على دفع الإيجار أعطاه أحد فاعلي الخير "دكان" لعيش فيه بشكل مؤقت برفقة زوجته، بينما ترك أولاده عند أحد الأقارب، لكنه لا يعلم ماذا سيفعل بعدها.
يعيل عبدالإله ثلاثة أبناء، وخمس بنات، "منال" (22 سنة)، طبيبة تخرّجت من قسم المختبرات بكلية 22 مايو، ولم تحصل على عمل حتى الآن، إضافة إلى عدم قدرتها على دفع رسوم استخراج شهادتها الجامعية والتي تصل إلى نحو 100 دولار.
يقول عبدالإله: "ابني حمزة (١٨ سنة)، تخرج من الثانوية العامة وأراد الالتحاق بالجامعة، لكن بسبب ظروفنا المعيشية لم يتمكن من الالتحاق بها". أما ابنه الأصغر سيف (7 سنوات)، فيعاني من تشنجات عصبية، فيما أصابت "مرام" جلطة دماغية وأثّرت عليها بشكل كبير لدرجة أننا نأخذها بـ"المحفة" لتختبر في مدرسة نعمة رسام.
بيدين مرتعشتين ودموع ملؤها القهر يحكي عبدالإله الزُّبيدي معاناة أولاده، قائلا لـ"خيوط": "يذهب أولادي كل يوم للمدرسة بلا مصروف، لكنهم يقّدرون وضعي، ويتألمون لأجلي لأنهم يعلمون بمرضي وألمي، ولولا المساعدات التي تصلنا من إحدى المنظمات، الله وحده يعلم كيف سيكون حالنا؟!" إذ وفق حديثه، تمر الأيام والليالي بدون أي طعام.
عندما اعترضتْ مديرة المدرسة التي تدرس فيها بنات عبدالإله، لعدم ارتدائهن الزي المدرسي قال لها: "لا أستطيع أن أوّفر لهن الزي المدرسي؛ إن قبِلوهن بهذا اللباس، أو فلنعد أنا وبناتي للبيت".
ويصف الزُّبيدي حاله وأسرته: "لا يكاد يمر يوم إلا ونحن تحت القصف والحصار حتى إن قذيفة وصلت إلى سقف البيت الذي نسكنه، لم نجد ما نأكله أنا وأولادي، أوقدنا النار بالكراتين وعشنا على مساعدات الزملاء".
تتعدد الموائد والوجبات في البيوت خلال اليوم الواحد إلا في بيت عبدالإله فإن الوجبة المتوافرة والتي يأمل أن لا تنقطع هي الخبز والشاي، ويضيف ودموعه تسبق الحديث واصفًا ما وصلت إليه أسرته من معاناة: "لم تدخل بيتي منذ ست سنوات من الحرب حبة موز أو تفاح".
ويحكي عبدالإله لـ"خيوط"، عن سلسلة أمراض ألمت به قائلًا: "كل الأمراض أصبت بها بعد الحرب، لقد رُقّدت بالمستشفيات مرارًا، آخر مرة أجريت لي عملية لفتح انسداد الشرايين وتركيب الدعائم للقلب، إضافة إلى إصابتي بجلطة دماغية، في سنوات الحرب ذاتها، حينها قرر الطبيب لي مجموعة أدوية ضرورية كل يوم، لكني منذ ثلاثة أيام لم أستخدمها بسبب نفادها، وعدم قدرتي على شرائها".
ويستطرد الزُبيدي في وصف مشاكله الصحية بالقول: "هذا بالإضافة إلى الارتفاع المستمر للسكر حيث تبلغ نسبته في بعض الأوقات أكثر من 500، وهو ما سبب لي الإغماء أكثر من مرة".
محاولة للنجاة
صباح كل يوم يخرج عبدالإله من بيته بعد صلاة الفجر، ولا يعود إلا قرب المساء، بحثًا عمن قد ينظر في مأساته، خاصة أنه لم يعد قادرًا على العمل، بسبب وضعه الصحي، واقتصار اهتمامه على توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش والإيجار.
المعاناة في بيت عبدالإله لا تكاد تنتهي، حلقة متواصلة من الأوجاع والآلام يوجزها قائلًا: "نحن نعيش بفضل الله وما توفره لنا منظمة كير من مواد غذائية تكفينا إلى نصف الشهر، لكن مرضي ومرض زوجتي، التي تعاني من أمراض سببت لها العجز عقدت الوضع أكثر مما هو عليه".
لليوم الثالث على التوالي، يذهب عبدالإله إلى مستشفى التعاون بتعز علّه يجد الدواء الذي يقيه مضاعفات الأمراض التي لحقت بجسده، وفاقمها وضعه المادي المزري، لكنه يعود خالي الوفاض، بلا دواء وبلا أمل.