رأى المختطف جمال المعمري، النورَ عقب مرور قرابة 1114 يومًا من الظلم والاضطهاد؛ أي بعد ثلاث سنوات من الاعتقال التعسفي، على يد جماعة (أنصار الله) الحوثيين في 13 من مارس/ آذار 2015 في صنعاء.
رحلة البحث عن جمال كانت شاقة، كما تصفها أسرته، إخفاؤه كان قسريًّا، ولم تعلم أسرته مكان إخفائه، ولم يسمح لها بزيارته إلا عقب مرور سنتين من الاعتقال؛ أي في الرابع من أبريل/ نيسان 2017، إذ تعرض -وفق حديث أسرته لـ"خيوط"- إلى التعذيب بمختلف الأدوات، الأمر الذي تسبّب بإصابته بالشلل النصفي، وخسر 40 كيلوغرامًا من وزنه.
خرجت قضية المعمري، المخفي قسرًا، إلى الفضاء الإعلامي، عقب قيام رابطة أمهات المختطفين في اليمن، بنشرها وحشدها لمناصرة قضيته، والضغط على الجهات المعنية للإفراج عنه بعد التأكد من وضعه الصحي.
تقول مديرة رابطة أمهات المختطفين في اليمن، محفوظة أحمد، في تصريح لـ"خيوط": "عملت الرابطة بشكل دؤوب على إثارة قضيته إعلاميًّا وتوجيه الرأي العام، وتمكّنت من ضمّ اسمه ضمن صفقة تبادل أسرى في أبريل/ نيسان 2017، بين الحوثيين وحلفاء الحكومة المعترف بها دوليًّا".
تتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأةَ الصعوبات الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء. فالمرأة هي التي تتصدر المقاومة في معظم الأحيان لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها، في حين انتظم هذا الدور المهم في اليمن، عبر كيان أسّسته نساء من أمهات وزوجات وقريبات المحتجزين والمعتقلين والمخفيّين قسرًا حمل اسم "رابطة أمهات المختطفين".
تؤكد أمة السلام الحاج- رئيسة الرابطة، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ الهدف الأول لتأسيس الرابطة هو التعريف بمعاناة المختطفين والمخفيين، والإسهام في نشر قصصهم عبر وسائط ووسائل الإعلام، إضافة إلى رصد الانتهاكات وتوثيقها.
وتضيف: رصدت الرابطة تعرض 1776 محتجزًا للإخفاء القسري لدى جميع الأطراف بحق المدنيين، متمثلة في (الحوثيين، الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي والقوات المشتركة في الساحل الغربي) من عام 2016 حتى عام 2023.
جهد مؤثر في أوضاع حرجة
اتخذت أطراف النزاع في اليمن، أساليب عديدة لبث الرعب والخوف في أوساط المجتمع، وهو "الإخفاء القسري"، الذي يزرع في نفوس المختطف وأسرته وجميع المحيطين به حسرة لا تنتهي، حيث يستخدم كذلك للضغط السياسي على الخصوم.
كما أصبح الإخفاء القسري مشكلة عالمية، ولم يعد حكرًا على منطقة بعينها من العالم. فبعدما كانت هذه الظاهرة في وقت مضى نتاج دكتاتوريات عسكرية أساسًا، كما تقول الأمم المتحدة، يمكن اليوم أن يحدث في ظروف معقدة لنزاع داخلي، أو يُستخدم بالأخص وسيلة للضغط السياسي بين الأطراف المتنازعة.
بحسب بنيان جمال، فإن منظمة "مواطنة" تقوم أيضًا بتقديم الدعم القانوني والمشورة لضحايا الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، بالإضافة إلى أنشطة وحملات مناصرة على المستوى الدولي ولدى صناع القرار، والعمل من أجل مساءلة المنتهِكين، وإنصاف الضحايا، إلى جانب بناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
ففي الوقت الذي خيم فيه الصمت على كثير من الكيانات السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني، والناشطين والإعلاميين، تجاه الانتهاكات والاعتقالات والإخفاء القسري الذي انتهجته بعض أطراف الصراع- برز دور قلة قليلة من المنظمات العاملة في هذا الجانب، كرابطة أمهات المختطفين والمخفيّين قسرًا، حيث استطاعت لعب دورٍ مهمٍّ في رحلة البحث والدفاع عن كل من غيَّبه النزاع والسياسة عن الحياة.
تأسست رابطة أمهات المختطفين في 18 مارس 2016، عقب لقاءات متكررة دارت بين العضوات (أمهات وزوجات المختطفين المخفيين قسرًا) أمام الأقسام والسجون، المطالبات بإطلاق سراح ذويهن.
وتسعى رابطة أمهات المختطفين لتقديم الدعم للمختطفين/ات قسرًا وتعسفًا، من خلال جمع البيانات حول الاختطافات والاعتقالات والإخفاء القسري والتعذيب والانتهاكات المتعلقة بها وتحليلها ونشرها، والضغط على الجهات المسؤولة، لضمان سلامتهم وإطلاق سراحهم، والتخفيف من معاناة أمهاتهم وذويهم.
توضح أمة السلام الحاج أن خطوات العمل حول قضايا المخفيّين قسرًا تتم عبر آلية معينة، تشرحها بالقول: "تبدأ من تلقي البلاغات وجمع المعلومات والتحقق من الوقائع، وتوثيق حالات الاختفاء القسري بمقابلة ذوي الضحايا والشهود والاستماع إلى إفاداتهم في عملية التحقيق، والبحث عن المختفين عبر التواصل مع الجهات الرسمية والوسطاء المحليين وبعض الناجين".
إضافة إلى تقديم مذكرات قانونية لجهات الانتهاك تطالبهم بالكشف عن حالة هؤلاء المختفين، والسماح لذويهم بزيارتهم والاطمئنان عليهم، وتقديم الاستشارات القانونية لذوي المختفين، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، باعتبارهم ضحايا للانتهاك نفسه، والمناصرة والحشد والمساهمة في الحصول على حريتهم.
تشير الحاج إلى أنّ الرابطة تتلقى البلاغات من أي جهة وضد أي جهة، على أن يكون الضحية مدنيًّا، ويكون سبب الاختطاف هو (الرأي، أو المعتقد، أو السياسة)، وكذا تزويد الوساطات المحلية بالبيانات التفصيلية للمختطفين والمعتقلين، والمساهمة في الإفراج عنهم.
كما تعمل الرابطة على توثيق حالات الاختطاف والإخفاء القسري خارج القانون، ورصد وتوثيق الانتهاكات بحق المختطفين/ات والمعتقلين/ات تعسفًا، وكذا المناصرة وحشد الجهود المجتمعية والرسمية والمطالبة داخليًّا وخارجيًّا للكشف عن مصير المخفيين/ات قسرًا.
فضلًا عن السعي والمطالبة بتقديم مرتكبي الانتهاكات المتعلقة بالاختطاف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والمتسببين بها وتعويض الضحايا وذويهم، وإسناد أسر المختطفين/ات والمخفيين/ات قسرًا وتعسفًا من خلال التوعية القانونية والدعم النفسي والمادي.
تؤكد محفوظة أحمد- مديرة الرابطة، أنّ الوضع الأمني، لا سيما للنساء في البلاد، كان صعبًا للغاية، بالنظر إلى تعطيل الإجراءات القانونية، إلى جانب تدني مستوى الوعي بالنسبة لأُسَر الضحايا، وصعوبة الحصول على معلومات حول المختطف، وخوف ذوي الضحايا أو الشهود من الحديث حول القضية، إضافة إلى أن عضوات الرابطة مكونات من أقارب المختطفين (أمهات، زوجات)، اللواتي لم يسبق لهن العمل في الجانب الحقوقي، جميع ذلك مثّل تحدّيًا أمام عمل الرابطة الإنساني.
بحسب محفوظة، فإنّ عضوات الرابطة يتعرضن للاعتداءات، ومحاولة الاختطاف والحجز في مرحلة البحث عن المختطفين في أقسام الشرطة من قبل السلطات المحلية، إلا أنّ ذلك، حسب قولها، لم يرهبهن في مواصلة نضالهن من أجل نيل المختطفين حريتَهم المنشودة.
مسار واحد
في سياق مماثل، تسعى منظمة مواطنة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إلى ممارسة نشاطها والمشاركة مع الجهات الأخرى في حملات مناصرة ضد انتهاكات حقوق الإنسان والتي تصاعدت وتيرتها منذ 2014.
تأسست مواطنة عام 2007، وفي أبريل/ نيسان 2013، حصلت على تصريح عمل، واستطاعت توسيع قدراتها المؤسسية وتكثيف أنشطتها، وتقوم منذ ذلك الحين بتوثيق انتهاكات أطراف النزاع، والسلطات المختلفة، ونشر نتائج تحقيقاتها الاستقصائية في إصدارات متعددة، وفق بنيان جمال- مديرة وحدة الدعم القانوني في المنظمة.
وتقوم "مواطنة" أيضًا بتقديم الدعم القانوني والمشورة لضحايا الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، بالإضافة إلى أنشطة وحملات مناصرة على المستوى الدولي ولدى صناع القرار، والعمل من أجل مساءلة المنتهِكين وإنصاف الضحايا، إلى جانب بناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
تشير جمال لـ"خيوط"، إلى العدد الكلي للمخفيين قسرًا، الذين تم رصدهم من قبل المنظمة، أنه بلغ 1547 (يشمل وقائع التعذيب)، وأن عدد المفرج عنهم على يد "مواطنة"، 270 شخصًا.
تضيف بالقول: "بالنسبة للآلية التي تعمل عليها مواطنة، فهي كالآتي: الإبلاغ الأولي، عن طريق أُسَر الضحايا، أو الحصول على بلاغات عن وجود مخفيين، أو معتقلين سابقين أو غيره، ثم تقوم بالتحقق والتوثيق للضحية، بعدها نحصل على موافقة مستنيرة، ونبدأ إجراءات المتابعة، إمّا عن طريق تقديم استشارة قانونية أو دعم قانوني وميداني، وكل قضية يتم وضع تصورات مناسبة لحلها".
صعوبات البحث عن مخفيّ قسرًا في بلد يعوم وسط حالة من فوضى سياسية، أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش كما يقال، غير أنّ الكفاح من أجل الحرية التي تناضل به منظمات المجتمع اليمني، أشبه بنور الشمس الذي يبدد الظلام.