عبدالعزيز شائف؛ المذيع الشاعر

المصادفة قادته لإذاعة صنعاء فصار أفراحها
محمد الحسن الشيباني
July 14, 2024

عبدالعزيز شائف؛ المذيع الشاعر

المصادفة قادته لإذاعة صنعاء فصار أفراحها
محمد الحسن الشيباني
July 14, 2024
.

منذ بداية مشواره المهني، حمل عبدالعزيز شائف الأغبري رسالةً وطنية كبيرة، تتمثل في المساهمة في صياغة الوعي الجديد الذي بشرت به ثورة سبتمبر، التي يُعدّ شائف أحد أبنائها المميزين.

وُلد في عزلة الأشعاب، قرية الأغابرة، مديرية حيفان في محافظة تعز، 1947. تلقى تعليمه الأوليّ في كتاتيب القرية ثم انتقل إلى عدن فدرس في مدرسة بازرعة الخيرية ثم مدرسة القديس جوزيف العليا التي عُرفت باسم (البادري). ترك الدراسة بعد وفاة والده بحادث انقلاب سيارة، وانتقل إلى صنعاء بمعية عبده الدحان للعمل في فندق صنعاء، الذي كان الأخير قد افتتحه بعد أشهر قليلة من قيام الثورة، حيث عمل كاتب حسابات في الفندق عامين كاملين.

يرد في كتابه (ذاكرة الزمن الجوال)، عن التحاقه بإذاعة صنعاء منتصف الستينيات:

"كانت الساعة الثانية بعد أن أكملت تناول وجبة الغداء، وبينما كنت في اتجاهي إلى غرفتي بالفندق، إذا بي أستمع إلى صوتٍ ينادي باسمي، اتجهت نحو مصدره، فكانت دهشتي أن صاحب الصوت هو زميل سابق في الدراسة؛ الزميل هو المهندس صالح جار الله المشملي، من أبناء رداع، وبعد السلام والكلام اتفقنا على أن ألتحق بالإذاعة، حيث أخبرني أنّ الأستاذ القدير أحمد حسين المروني (رحمه الله) يعرفني من خلال أيام الدراسة بعدن.

ذهبت في اليوم التالي إلى الإذاعة مع الزميل المذكور، وهناك أحالوني إلى مكتب الخبراء العرب من إذاعة صوت العرب، والتقيت الأستاذ سعد غزال الذي طلب مني أن أكتب أيّ موضوع يدور في بالي، وهو بهذا الطلب إنما أراد أن يجس نبض إمكاناتي الذهنية والثقافية.

وفعلًا كتبتُ ولم أجد صعوبة في ذلك، فلقد كنتُ أضع نصب عيني مجمل الأحداث التي تدور في المنطقة، وأحمل فكرة عن الأجواء المحيطة بها، خصوصًا إزاء الموقف الفذّ العربي الوحدوي للرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة آنذاك، إلى جانب الشعب اليمني: وثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة، وكنتُ أدرك الصحوة القومية التي كانت في أوج توهجها، والدعوة للوحدة العربية ولِحَقّ الشعوب في التخلص من شتى أطياف الأنظمة الاستبدادية والتحرر من التسلط الاستعماري في شتى الأقطار العربية؛ لذلك كتبتُ حول هذا الموضوع وسلمتها". 

نشط في الإذاعة ولعقود أربعة كاتبًا ومُعِدَّ برامجَ وتمثيليات إذاعية، ومذيع ربط، وقارئ نشرات أخبار، ومقدّم برامج مختلفة. بدأ في قسم الأخبار، وكان أول برنامج له بعنوان "من المحيط إلى الخليج". ومن أشهر برامجه على الإطلاق، برنامج (أفراح) الذي حظِيَ بمتابعة كبيرة على مدى سنوات طويلة، إذ كان مستمعو إذاعة صنعاء يُرسِلون عبره بطائق التهنئة لمن يحبّون في أفراحهم ومسراتهم ومناسباتهم السعيدة. كانت له أيضًا برامج مشتركة مع زملائه الإذاعيين، ومن أهمّها برنامج "محكمة الضمير"؛ إذ قدّمه بصحبة المذيع عبدالكريم الشيباني.

كان شائف مُلهِمًا لزملائه وتلامذته الجدد الملتحقين بالعمل، وعن ذلك يقول المذيع إبراهيم سيف الخولاني، كان شائف المرجع والأستاذ لي وللزملاء، وتتلمذنا على يديه؛ إذ إنه من روّاد الإعلام الأوائل.

عُرف عبدالعزيز شائف بكتاباته ومقالاته الوطنية والثورية المختلفة، وكذا القصائد والأشعار، ومنها قصائد مغنّاة، عُرفت بأصوات الفنّانين الكبار، مثل فرسان خليفة الذي غنّى له "عمالنا.. عمالنا"، أما علي عبدالله السمة فقد غنّى له "نظرة منك يا حبيبي"، وعلي الأسدي "ردّد الألحان"، ومحمد العوامي "ادركوني"، و"سرب الحمام"، والثلاثي الكوكباني "قمري صنعاء"، وكانت إذاعة صنعاء- البرنامج العام، تبثُّ الأغاني التي كتب كلماتها بين فترة وأخرى.

إنّه الزمن الجميل الذي كان المذيع فيه موسوعةً فكرية ولغوية وثقافية، كعبدالعزيز شائف، فيما نحن اليومَ نحيا عصر "الانحطاط" الإعلامي، حيث "السفاسف"، والشكليات، وعصر "المتنطّعين"، إلا ما ندر.

يقول الإذاعي المعروف عبدالله محمد شمسان، عن زميله عبدالعزيز شائف؛ إنه كان من محبِّي الكتابة السياسية الوطنية والثورية، مشيرًا إلى دوره المهم والوطني الكبير في اختيار وتقديم البرامج القريبة جدًّا من جمهرة المستمعين، ويضيف: "إذاعيًّا، كان شائف يعشق البرامج المنوّعة، ومن أهم برامجه في هذا المجال برنامج مجلة الصباح".

يعتبر عبدالعزيز شائف من أوائل صانعي الدراما الإذاعية من خلال التمثيليات التي كان يكتبها ويشترك أحيانًا في تقديمها ممثَّلة، ومنها: تمثيلية "الضياع"، و"زرعت وردة"، ومسلسل "موتى بدون قبور"، و"تمزق اللثام"، و"أين أمي"، و"الضياع"، و"دعاء الضمير"، "حتى لا يعدم"، و"جنازة الرعب" إلخ.

ممّا قدّمه من برامج أيضًا: برنامج "حرية التعبير"، وبرنامج "حياة الحياة"، و"جواهر خلف الضوء"، و"النهاية الحزينة".

كما اشترك مع زميله المرحوم إسماعيل الكبسي في تقديم البرنامج الذائع "بريد المستمعين"، وقد جاء في تقديم كتاب شائف الذي سطره الكبسي، في العام 2009:

"أضع القلم حتى أسجّل هنا حقيقة يجب أن تُعلَم، هي أن عبدالعزيز بدأ عمله الإذاعي شعلة متوهجة الضياء ولا يزال توهجه مستمرًّا رغم أنّ مَن جايله من الزملاء الأحياء قد انطوى واختفى في قبضة الردى، لكن عبدالعزيز لا يزال يُعطِي المزيد مع الجديد وينافسهم في النشاط والإبداع والتجديد، بل إنّه لا يزال قدوة لهم في تقديم الجديد والمفيد، وهذه صفة نادرة لا يتمتع بها إلّا مَن وهبه الله القدرة". 

كتب الإعلامي خليل القاهري في صفحته على الفيسبوك، قائلًا: 

"لستة عقود متواصلة، ظل الأستاذ عبدالعزيز شايف، صادح الصوت: "هذه صنعاء، إذاعة الجمهورية اليمنية"، فترات متعاقبة من تاريخ البلاد وهو مذيع فائق الاختلاف.

مساحات من الفرح نشرها طويلًا على مسامع الناس من خلال برنامجه "أفراح"، وتغنّى بالوطن ومجّده كثيرًا من خلال برنامج "كلمات في حب الوطن" مع القديرة مها البريهي، وعشرات البرامج، وتقديمه للأخبار.

إنّه الزمن الجميل الذي كان المذيع فيه موسوعةً فكرية ولغوية وثقافية، كعبدالعزيز شائف، فيما نحن اليومَ نحيا عصر "الانحطاط" الإعلامي، حيث السفاسف، والشكليات، وعصر المتنطعين، إلا ما ندر".

أصدرت له وزارة الثقافة ديوان شعر بعنوان "مرايا الزمن المذاب" في عام صنعاء عاصمة للثقافة العربية 2004.

هنا نستعرض بعض قصائده المغنّاة؛ الأولى قصيدة "نظرة منك يا حبيبي" التي غنّاها الراحل علي عبدالله السمة، ومنها:

نظرة منك يا حبيبي

تشفي القلب العليل

بسمة تطفي لهيبي

لا تكن ظالم بخيل

تعال صارحني وقل لي

هل معك غيري بديل 

أم بتتحدى لحبي 

وتبيعه بالقليل 

مستحيل اني نسيتك 

يا ظنيني مستحيل

والثانية بصوت الفنّان الراحل عبداللطيف يعقوب، عنوانها "يا غزال حيفان"، ومنها:

يا غزال حيفان يا سيد الملاح

يا قمر طالع على شوكة والجاح

ما احسن البسمات في ضوء الصباح 

في شفاهك باسمة كالانشراح

تحت ضوء الشمس في كل البطاح 

مثل بلسم كم أشفى جراح

منذ سنوات، أصيب عبدالعزيز شائف، بالمرض العضال الذي أقعده عن الحركة، وتاليًا أفقده القدرة على الكلام، حتى تُوفِّي يوم الجمعة 28 من يونيو المنصرم، بعد أن أثرى الأرشيف الإعلامي والثقافي والأدبي بتراثٍ سيظل في ذاكرة الوطن، فالخلود لأثره الطيب.

•••
محمد الحسن الشيباني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English