كالعادة لم يمرّ 2022 خفيفًا على اليمنيين، حتى الوعود الكثيرة التي قدّمت لهم من مهندسي ورعاة الحرب والمنتفعين منها، ذرتها ريح الكذب الأصفر، فلا الهدنة (المائعة) أفضت إلى تباشير حل فتح الطرقات وصرف المرتبات والبدء بمفاوضات الحل النهائي، ولا وعود تشكيل مجلس القيادة، منحَت اليمنيين بصيصَ أمل في إعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمّرها الانقسام والتقاسم.
الحوثيّون ذهبوا بعيدًا في مشروع بناء سلطتهم العصبوية بإنتاج وفرض قوانين، غير شرعية، ذات طبيعة احتكارية للسلطة والموارد، وفرضها على مجتمع متنوّع لا يمثّلون فيه غير الأقلية المذهبية والسياسية، وصاروا منذ مطلع أكتوبر الماضي، أكثرَ المستفيدين من (اللاهدنة) التي أتاحت لهم التفرغ لتقوية سلطتهم ومنافعها الاقتصادية القائمة على الاحتكار تمامًا، بعيدًا عن أيّ التزامات تجاه المجتمع، مثلما أتاحت حالة (اللاحرب) للتحالف ومن ورائهم الداعمين الإقليميين، التخلصَ من التزاماتهم الأخلاقية تجاه اليمنيين الذين راحوا ضحيةً للوهم الذي بِيعَ لهم، وفريسةً للأذرع الميليشاوية، لضباع السياسة والحرب.
أُفرغت السياسة من أدواتها الفاعلة في الداخل، وتُرك الأمر لدولتَي التحالف (السعودية والإمارات) لرسم خارطة التحالفات التي تقوّي نفوذها ومصالحها في المناطق الحيوية في البر والبحر، حيث تتواجد جيوشها وأذرعها، مثلما تُرك لإيران إنتاج فرصٍ متتالية للضغط على الملف اليمني لفرض أمرٍ واقع يخدم مشروعها في المنطقة عبر أدواتها الطائفية.
الفاعلون الأمنيون والعسكريون على الأرض لا ينتمون إلى مؤسسة وطنية واحدة، ويخلصون للجهات التي يعملون لمصالحها، لهذا صارت البلاد أشبه بمجزوءات جغرافية تدار لمصالح مشاريع تفكيكية في شمال البلاد وجنوبها، على قواعد طائفية ومناطقية وجهوية.
لم يزل ضحايا الحرب في ازدياد بسبب الأجسام المتفجرة المزروعة في مناطق المواجهات، ويذهب بسببها يوميًّا نساء وأطفال في تهامة وتعز والبيضاء ومأرب والجوف وغيرها. مشكلة النزوح في تفاقم، وأوضاع المخيمات صارت أكثر قسوة بسبب تردي الخدمات وتدهور الاستجابة بسبب الفساد والابتزاز الذي يمارس على الجهات المانحة ووسطائها.
القبضة الأمنية الشديدة التي يمارسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم، ومصادرة فضاء المجتمع، واحتكار الوظيفة العامة، ملمحٌ تقوّى في العام 2022، مثلما كشف معه ترهّلَ وفسادَ مؤسسات الحكومة المعترف بها دوليًّا.
الوعود بالتعافي الاقتصادي، هي الأخرى، صارت منشورة على حبل الكذب الطويل، وانقسام المؤسسة المالية ضاعف من المشكلة، ولم يزل اقتصاد الظل الذي أنتجته الحرب هو المشغل الحقيقي للموارد التي يتحصل عليها المتحاربون أو ينهبونها تحت مسميات مختلفة.
عامٌ ثامنٌ قاسٍ مرّ على اليمنيين الذين صاروا بلا جدران حماية حقيقية، يبدّد أحلامهم في كل منعطف بارودُ المتحاربين واستبدادهم، مع ذلك لا يزالون قادرين على اجتراح المآثر، حين يفتحون الكثير من الكوات والنوافذ التي يدخل منها ضوء الأمل عبر مبادرات فردية وقصص نجاح ملهمة هنا وهناك؛ ليردّوا على قساوة الحرب وبنادق وسياط المنتفعين منها، بالتشبُّث أكثر بتراب هذه الأرض الباقي، وما دونه زائل.