خلافًا لحجم مبيعاته لمواسم رمضانية خلال سنوات ماضية، انخفضت مبيعات الشاب أصيل جيلان، من الدجاج الحيّ، بسوق القاع المركزي وسط صنعاء، في الأيام الأولى من شهر رمضان بنسبة 50% على نحو غير متوقع.
يعدّ الدجاج الحيّ والمذبوح من أهمّ السلع الغذائية التي يزداد الإقبال عليها في شهر رمضان، لذلك توقّع أصيل بيع ما بين 70-80 دجاجة قياسًا بمبيعات أول يوم رمضاني العام الماضي 2020، لكنه لم يستطع سوى بيع قرابة 35 دجاجة فقط، في مؤشّرٍ على تدنّي الإقبال على واحدة من أهم السلع الغذائية، التي لا تغيب عن المائدة الرمضانية.
في حديثه لـ"خيوط"، يعتقد أصيل جيلان، أنّ لارتفاع أسعار الدجاج علاقة بتراجع الطلب على السلعة، (ما بين 2000-2500 ريال للدجاجة الواحدة)، وفيما يعد تقشفًا اضطراريًّا ومحاولة للتكيّف مع تدني مستوى الدخل للأسرة يشير أصيل إلى أنّ بعض عملائه: "من كان يشتري دجاجتين اثنتين، يشتري اليوم واحدة، وأحيانًا نصف واحدة، ومن كان يشتري دجاجة واحدة، بات اليوم يشتري نصف دجاجة، وأحيانًا ربع دجاجة".
جمود في سوق الخضروات
على مقربة من أصيل يقف علي عبدالله الوصابي، جوار مبيعاته من الخضروات الطازجة، متأملًا حركة السوق التي يصفها بالجمود العام، "كُنّا في أعوام سابقة لا نستطيع تلبية طلبات العملاء من بعد صلاة العصر وحتى موعد أذان صلاة المغرب، والسوق مزدحم بالمستهلكين".
يعتقد العامل في تسويق الخضروات، علي عبدالله، أنّ نسبة الطلب على هذه السلعة تراجع بنحو 60% قياسًا بأعوام سابقة، وأيام رمضانية مماثلة، مقابل ارتفاع ملحوظ في أسعار السلعة: "كنّا نشتري صندوق الطماطم سعة 20 كيلوجرام، بنحو 3-5 آلاف، اليوم قيمتها 12 ألف ريال".
تدنّي القدرة الشرائية للمواطنين أثر على مواكبة العادات المرتبطة بشهر رمضان، يقول أحد سكان صنعاء القديمة، إن الجميع بات حاليًّا مشغولًا بالبحث عن أسطوانة الغاز، أو في طوابير محطات البنزين، أو في انتظار الحصول على سلّة غذائية
ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، أدّى لارتفاع تكلفة الإنتاج، وكذا أجور نقل الخضروات، وبالتالي ارتفاع سعرها: "آخر يوم في شهر شعبان كانت مبيعاتنا بحجم السلة وسعر الجملة، اليوم بالكاد نبيع بالكيلوجرام، وبنصف الكيلو جرام"، ويضيف الوصابي بشأن طلبات عملائه: "الذي كان يأخذ بمبلغ 10 آلاف تراجعت قيمة مشترياته من الخضروات إلى ماربين 2000-3000 ريال".
طقوس مهددة بالاندثار
تحت تأثير الصوم نهارًا، يقبل المواطنون بشراهة لاستقبال شهر رمضان والاستعداد له بشراء كميات وفيرة من المواد الغذائية المتنوعة والسلع الاستهلاكية المتعددة، الأمر الذي يجعل من شهر رمضان في اليمن -كما هو في معظم الدول الإسلامية- أكثر شهور السنة استهلاكًا لجميع المواد الغذائية.
لم يعد شهر رمضان موسمًا يحتفى بقدومه، لدى أغلب الأسر اليمنية في صنعاء، كما جرت العادة عند استقباله بطقوس خاصة وعادات شعبية متوارثة ترتبط في الذاكرة الشعبية بأشهى المأكولات، إذ يرى أحمد البهلولي في حديثه لـ"خيوط"، أن تدنّي القدرة الشرائية للمواطنين أثّر على مواكبة العادات المرتبطة بشهر رمضان من المأكولات، مضيفًا: "نشتهي توفير متطلبات شهر رمضان لا أكثر".
مشيرًا إلى أن الجميع بات حاليًّا مشغولًا بالبحث عن أسطوانة الغاز، أو في طوابير محطات البنزين أو في انتظار الحصول على سلّة غذائية".
"السنبوسة" على عرش المائدة الرمضانية
كوجبة غذائية خفيفة تتربّع على عرش الموائد الرمضانية، استطاع مروان حميد هواش، مالك محل "سنبوسة العدني" الشهيرة، إبقاء سعر القطعة الواحدة عند 50 ريالًا منذ العام 2012، وحتى هذا العام، رغم ارتفاع أسعار مكونات السلعة بما فيها زيت الطعام وغاز الطهي.
"لو رفعنا أسعار "السنبوسة" لفقدنا 50% من عملائنا، والذين أغلبهم من محدودي الدخل"، يقول مروان هواش لـ"خيوط"، معتبرًا حرمان هذه الشريحة من وجبة "السنبوسة"، كواحدة من أهم وأشهر السلع الاستهلاكية الرمضانية، خسارة شخصية له ولمحلّه التجاري "باعتبار هؤلاء من أعمدة المحل لنحو 50 سنة ماضية".
أمام موجة الارتفاعات السعرية والأزمات، وتوقف صرف المرتبات وكوفيد-19، وتراجع مستوى الدخل للفرد والأسرة وتدني القدرة الشرائية للمستهلكين، رأى مروان هواش، مواجهة هذه التداعيات باستراتيجية الخروج من هذه الأزمة بمكسب الحفاظ على العملاء والاكتفاء بأرباح محدودة جدًّا، حسب تعبيره.
يروي مالك معمل "سنبوسة" العدني لـ"خيوط"، أنه لاحظ في موسم رمضان العام الماضي 2020، تراجع الإقبال على مبيعاته بنسبة 30% بسبب قيود التباعد الاجتماعي الوقائية من فيروس كورونا covid-19 المستجد.
هذا العام يشير إلى تراجعه عن رفع سعر رقائق "السنبوسة" من 600 إلى 700ريال، بعد أن لاحظ تذمرًا واسعًا من المستهلكين: "لو رفعنا الأسعار ريالًا واحدًا سنفقد عملاءنا"، معتقدًا أن "الناس أصبحت متعبة" تحت تأثير الحرب والحصار وتداعياتهما الاقتصادية، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
في ذروة أزمة الغاز المنزلي خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، يروي هواش اضطراره لشراء أسطوانة غاز الطهو المنزلي بسعر 12 ألف ريال، لاستمرار إنتاج سلعته، التي قال إنها تدخل كل بيت "أصبحت من شعائر رمضان"، ما يعدّه مكسبًا يحاول الحفاظ عليه في ظل ظروف الناس القاسية، وتفاقم الأزمات، وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين.
مع شح الغذاء وغاز الطهو، وارتفاع الأسعار، واستمرار الصراع الذي يزيد من صعوبة الحياة، اعتبر برنامج الغذاء العالمي أنه بالنسبة للكثيرين في اليمن، فإنّ كل يوم من أيام السنة هو شهر صيام، مشيرًا إلى أن رمضان حلّ هذا العام على اليمن "بشكل أصعب مما كان عليه في أي وقت مضى".
وعبّر برنامج الأغذية العالمي، أكبر وكالة إنسانية تعمل في اليمن، عن خشيته من أن أكثر 20 مليون شخص في اليمن لن يستمتعوا بوجبات رمضان المفضلة، بل قد لا يكون لديهم ما يكفي من الغذاء للبقاء على قيد الحياة.
وفي 12 مارس/ آذار 2021، قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي إن "اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض"، مشيرًا إلى وجود 16 مليون شخص في حالة طوارئ حرفيًّا، ووجود 5 ملايين "يوشكون حقًّا على السقوط في براثن المجاعة".