في الفصل السابع، يتناول الباحث، الدراسةَ في سوريا 1947-1953. يأتي على هجرات الحضرمي إلى الهند وإلى أندنوسيا وشرق أفريقيا وميزاتها. الأكثر أهمية إشارته إلى دور السيد حسين الحبشي، وهو أحد أثرياء الحضارم ممن عاد إلى صنعاء في عشرينيات القرن العشرين الماضي، وكان قد حصل من الملك غازي- ملك العراق، على منح دراسية تحت تصرفه تشجيعًا للبعثات العربية إلى العراق، وقد قام الحبشي بتقديم الدفعة الأولى من المنح الحكومية للإمام الذي بدوره أوفد طلابًا إلى الكلية العسكرية في العراق، وكان منهم السلال، والجايفي، وآخرين ممن أصبحوا فيما بعد ثوار سبتمبر 1962.
والسيد حسين الحبشي عم للأخوين: شيخان الحبشي، وصالح عبدالله الحبشي؛ لذلك فقد ضمهما إلى البعثات اللاحقة إلى العراق، التي حدثت في القرن العشرين. واستمرارًا لتلك الجهود التنويرية، قامت مدرسة «جمعية الأخوة والمعاونة» بتريم، التي كانت تنفق عليها أسرة آل الكاف الثرية، بكسر طوق العزلة بوادي حضرموت، الذي كان مفروضًا على التواقين إلى العلم والمعرفة الحديثة من الشباب، بداعي التحجّر والخرافات، والحيلولة دون تعرف الشباب على العلوم الحديثة؛ فجهزت في أوقات مختلفة بعثتين من طلابها للسفر والدراسة: الأولى إلى العراق سنة 1937، وضمت كلًّا من موسى بن عبدالقادر بن يحيى الكاظم، وعبدالرحمن بن طاهر بن يحيى، وحسن باجابر، ومصطفى الزاهر. أما البعثة الثانية، فقد كانت إلى سوريا سنة 1947، مكونةً من خمسة من شباب تلك المدرسة هم: علي عقيل بن يحيى، ومحمد عمر الكاف، وكرامة سليمان بامؤمن، وعبدالرحمن بن حسين بن يحيى، وكان يرأس هذه البعثة علي بن عقيل باعتباره أكبرهم سنًّا، ولعله أيضًا أحسنهم تدبيرًا للأمور.
حرصت على إيراد رواية الدكتور صالح أبوبكر نصًّا؛ لأنها مربط الفرس في التطورات الشاملة في الحياة العامة اليمنية شمالًا وجنوبًا؛ ولأنها تبرز الدور الريادي لحضرموت وللمهاجر الحضرمية في التطورات الشاملة في اليمن. رواية الدكتور صالح عن أول بعثة عسكرية ومدنية إلى العراق ترتبط بها قصة الثورات اليمنية ابتداءً من ثورة 48؛ فكل طلابها كانوا في قيادة الحركة: السلال، والجايفي، ومحيي الدين العنسي- رئيس البعثة الأولى، وحسن العمري، وأحمد المَرْوَني، كما أن لهؤلاء الضباط دورًا كبيرًا في حركة 1955، في تعز مع الثلايا، وكانوا أيضًا في قيادة ثورة 26 سبتمبر 1962.
حضرموت ودعوات الإصلاح الحضرمية، سواء في الداخل الحضرمي أو في المهاجر، وصحف المَهاجر الحضرمية التي تقترب من الأربعين صحيفة- لها دور كبير في التطورات الشاملة السياسية الاقتصادية والثقافية التي شهدتها اليمن في الجنوب والشمال.
هناك روايتان أخريان عن البعثة الطلابية العسكرية والمدنية إلى العراق تختلف بهذا القدر أو ذاك عن رواية الدكتور صالح أبوبكر، ولكنها كلها تجمع وتؤكد حقيقة دور السيد حسين الحبشي في العمل لتحقيق هذه البعثة. وكان صالح عبدالله الحبشي -أحد أفراد البعثة والمحامي القيادي البعثي- مَنْ رأس اجتماع الضباط الأحرار قبيل فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 -بحسب ما يؤكده بعض ضباط الثورة- وهو حي يرزق، ولكنه يرفض الحديث، وقد حاول معه رفيقه الدكتور أحمد قائد الصايدي، وحاولت معه، وكذلك حاول معه عبدالعزيز الزارقة دون جدوى، وقد كان حينها المسؤول الأول عن منظمة البعث في صنعاء.
يشير الدكتور صالح ابن الشيخ إلى صلات علي عقيل المبكرة بحزب الأحرار، وبيانه الموقع باسمه وباسم شيخان الحبشي المنشور في «صوت اليمن»، وكتاباته في «فتاة الجزيرة»، وإشادة الفتاة.
الكتاب دراسة مهمة للحياة الفكرية والسياسية في دمشق في الأربعينيات. الظروف المادية حالت دون التحاق علي عقيل بالجامعة؛ فانتسب للحقوق، ولقي صعوبة في التدريس في مصياف باللاذقية؛ فارتحل إلى الكويت معلمًا وناشطًا
يتتبع الدكتور رحلة رفيقه إلى عدن، والتقائه بالبراق- سكرتير سيف الحق، وحمله رسالة لمصطفى السباعي- المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا، وبداية الاتصال بعفلق، وتقديمه للزبيري في خمسينيات القرن العشرين الماضي أثناء زيارته لسوريا.
يشير إلى عمق صلاته بالبيطار وعفلق وزكي الأرسوزي. والدكتور لا يؤرخ فقط لسيرة حياة علي عقيل، وإنما يؤرخ للنشأة الأولى لتيار حزب البعث العربي، ونشأة حركة القوميين العرب في لبنان، وهما التياران الكبيران طوال النصف الثاني من القرن العشرين، ويوثق لانضمام علي عقيل وعوض عيسى بامطرف للبعث عام 1949. ويدرس الباحث التيارات السياسية حينها في سوريا: القومي السوري، الحزب الوطني، وحزب الشعب، والحزب الشيوعي السوري، والإخوان المسلمين.
الكتاب دراسة مهمة للحياة الفكرية والسياسية في دمشق في الأربعينيات. الظروف المادية حالت دون التحاق علي عقيل بالجامعة؛ فانتسب للحقوق، ولقي صعوبة في التدريس في مصياف باللاذقية؛ فارتحل إلى الكويت معلمًا وناشطًا سياسيًّا 1954-1963؛ للتعليم والعمل الحزبي. ويدرس الباحث الوضع في الكويت آنذاك، وقد نسج علي عقيل علاقات مهمة في الكويت مع مختلف التيارات، ومع الوجود الفلسطيني، وواصل الكتابة في الصحف السورية، و«الآداب» اللبنانية، واختير عضوًا في الوفد الكويتي لمؤتمر اتحاد الأدباء والكتاب العرب المنعقد في الكويت 1958.
كدأبه في المثابرة والإخلاص نسج علاقات متميزة بين الكويت وحضرموت؛ لإقامة الصلات والعلاقات والحصول على منح دراسية لـ«بيت الطالب الحضرمي»؛ لإيواء الطلاب الوافدين من حضرموت، وشاركه رفيقه المستشار محمد عمر الكاف.
كانت العودة إلى عدن وحضرموت 1963–1966، ويرجح الباحث وجود قرار حزبي بعودة عقيل إليهما عقب قيام ثورة سبتمبر 1962، وإرهاصات ثورة 14 أكتوبر 1963، في الجنوب.
يشير إلى ندوة عقدت في صنعاء 22 – 24/ 9/ 2002، لتأبين أول أمين عام لحزب الطليعة الشعبية، عبدالجليل سلمان. تركزت المداخلات حول أن شيخان الحبشي وعلي عقيل، هما بذرتا البعث في اليمن. ولا أجد مبررًا لبعض القادة من البعثيين من التحرج من نسبة شيخان إلى البعث؛ فشيخان أسهم في تأسيس الرابطة مطلع الخمسينيات (الحركة الوطنية الأم في جنوب الوطن)، وقد كانت الحضن الدافئ لكل أصحاب الاتجاهات السياسية الحزبية والفكرية: قحطان الشعبي، فيصل عبداللطيف، وأنيس حسن يحيى، وعبدالله عبدالرزاق باذيب، وعلي باذيب، وباخبيرة، وكانت صحيفة «الجنوب العربي» التي رأس تحريرها الصحفي القدير أحمد عمر بافقيه، منبرًا مفتوحًا أمام مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، وضمت أهم الشخصيات الفكرية والسياسية.
يوثق الباحث المطلع للمؤسسين البعثيين في حضرموت بالأسماء، كما يوثق للنشاط السياسي العام، وبداية الانشقاق في المواقف السياسية وفي النشاط النقابي العمالي- بين المؤتمر العمالي، وبين النقابات الست. والباحث دقيق وموثق، وأسلوبه الأكاديمي متميز ومهم. وفي دراسته لأوضاع تيار البعث، كثيرًا ما يرجع إلى الدكتور أحمد قايد الصايدي، وهو من القيادات البعثية المؤسسة، وممن حضر، إلى جانب علي عقيل ويحيى الشامي، المؤتمر القومي العاشر أكتوبر 1970.
تعرض علي عقيل للاعتقال من قبل السلطنة القعيطية بسبب من نشاطه المناوئ. ويتتبع الباحث بدقة نشاط المؤتمر العمالي وقيادته ذات الانتماء البعثي والمتعاطفين، واستنادًا إلى ما كتبه الدكتور أحمد قايد الصايدي، يترسم وضع منظمة البعث في عدن، وتشكيل طلائع التحرير الشعبية، وكان الملازم أول أحمد قايد الصايدي- أمين السر المساعد للمنظمة، رئيسًا.
يدلل الباحث بشهادة محيرز عن زميله علي عقيل، أن عمله الثقافي في الثلاث عشرة سنة الأخيرة، كان في خدمة المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف؛ إذ كان أحد مؤسسيه، والمشاركين في بنائه وتطويره، بل كان أول مسؤول فيه بعد تأسيسه
العودة إلى سوريا 1966-1970، يتناول الحضور اليمني الكبير في المؤتمر القومي الثامن: علي عقيل، أنيس حسن يحيى، ويحيى الشامي، صالح عبدالله الحبشي، وعبدالرحمن الشيباني، ومحمد سعيد باكحيل، ومحمد طه النكاع، وجعفر عيدروس، ويدرس التطورات في سوريا بعد حركة 13 شباط/ فبراير 1966، بقيادة اللواء صلاح الدين جديد- رئيس هيئة الأركان، وانتخاب علي عقيل عضوًا في القيادة القومية. ويذكر أعضاء البعث، ومنهم: فرج بن غانم، وعوض عيسى بامطرف، وأحمد سعيد الحضرمي، وسالم عوض باوزير، ومحمد سالم الأشولي. ويدرس حالة تراجع المنظمة، شأن التيارات اليسارية عالميًّا، مذكرًا بدراسة مفقودة للأستاذ علي عقيل بعنوان «السقوط في الحزب الثوري». ولعل أخطر ما في الكتاب -المبحث الأكاديمي المهم- تتبع مسيرة المناضل القومي الكبير علي عقيل، وبالأخص أثناء تبوئه عضوية القيادية القومية؛ فقد تبنى استراتيجية حرب التحرير الشعبية لتحرير فلسطين، ومقاومة مشاريع التسوية، وقد شارك في معركة «العرقوب»، ومزارع شبعا، وكان الإسرائيليون ينادون: يا أبا عباس، سلّم نفسك. وشارك مع الفلسطينيين في معارك «أيلول الأسود»، ونجا بأعجوبة.
ويدون الباحث شهادة يحيى الشامي في مشاركته في صياغة قرار تحريك قوات من سورية لدعم الثورة اليمنية، وفك الحصار عن صنعاء 1967، وإرسال إمدادات من السلاح، كما شارك في معارك الوديعة 1969.
ويعيب وينتقد تجاهل الآخرين لهذه الأدوار، ويخص بالذكر، ومعه كل الحق، تجاهل عمر الجاوي في كتابه عن حصار السبعين، ويذكر أن علي عقيل كان حريصًا على وجوده في صنعاء، وكان يشرف بنفسه على توزيع الإمدادات، وهي واقعة لم يشر إليها أحد.
ويتناول مواقفه من الصراعات داخل الحزب ويربطها بتطورات ما بعد حرب الـ5 من حزيران 1967، المزلزلة، كما يربط -بحق- بين الهزيمة القومية، وبين الجنوح للعسكرة والمنحى القطري وتغول العسكر.
يؤرخ لوقائع المؤتمر العاشر في سوريا عام 1970، مدللًا بما كتبه الدكتور أحمد قايد الصايدي، أحد الحضور في هذا المؤتمر، والذي أشار إلى كلمة علي عقيل- عضو القيادة القومية حينها، وتركز الحوار حول الأزمة القائمة بين قيادات الحزب والدولة ووزير الدفاع حافظ الأسد، وكان الهدف الأساس إقناع وزير الدفاع بالتخلي عن الوزارة. والرزية -كرأي بعض العارفين- أن خلفية الصراع القائم بدأ منذ انفراد الحزب بالسلطة عام 1963، وأن الصراع في جوهره بين اللجنة العسكرية المؤسسة عام 1959، من خمسة ضباط منقولين إلى مصر إبان الوحدة. ورأي الصايدي المستند إلى خبرة حزبية، وقراءة داخلية تدلل أن الانحرافات في الحزب مردها إلى العسكرة والانفراد بالسلطة القطرية. وأضيف: غياب الديمقراطية حتى داخل الحزب؛ فمن يملك القوة يحكم. [القارئ].
رفض علي عقيل اللجوء إلى بلدان عرضت عليه اللجوء، منها الجزائر، وعاد إلى حضرموت وعدن عام 1971. ويشير الباحث للتطورات التي شهدها الجنوب، ودور علي عقيل المتميز في تجميع التراث اليمني، وتكوين مكتبة الأحقاف، كما رأس تحرير مجلة «التراث» التي يصدرها المركز اليمني للأبحاث الثقافية، ومساهمته في إنشاء اتحاد الأدباء والكتاب ومشاركًا في مؤتمراته.
يشير الدكتور الباحث إلى دور عبدالله محيرز الذي خلف الأستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب في منصب المدير العام للمركز، ويضيف: وكان هو الآخر من الرعيل الأول من المثقفين البارزين والإداريين الكفُئين الذين فضلوا البقاء في بلادهم؛ ليخدموا بخبراتهم في هدوء وتواضع جم دون ضجيج.
كانت العلاقة بين الاثنين: محيرز، وعلي عقيل راقية ومهنية من طراز رفيع. يدلل الباحث بشهادة محيرز عن زميله علي عقيل، أن عمله الثقافي في الثلاث عشرة سنة الأخيرة، كان في خدمة المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف؛ إذ كان أحد مؤسسيه، والمشاركين في بنائه وتطويره، بل كان أول مسؤول فيه بعد تأسيسه.
ويشير الباحث إلى بعض أعمال علي عقيل في دراسة له عن الأهدل- البدر حسين صاحب «تحفة الزمن». [القارئ]، وبحث عن شبام. ويؤرخ لوفاته في 10 من شهر ديسمبر/ كانون الأول 1987.
يكرس القسم الثاني عن آرائه ومواقفه في قضايا وحوادث عصره. وإنها لتحية طيبة ورائعة ترصد حياة المناضل القومي والإنسان المكافح علي عقيل. والكتاب في الحقيقة، دراسة لأوضاع حضرموت عبر مراحل متعددة، كما هو قراءة عميقة للتطورات السياسية في المنطقة العربية، وتحديدًا سوريا والعراق، والتيار القومي البعثي، ومراحله المختلفة، والبدايات الباكرة لدعوات الإصلاح والتجديد في اليمن، وبالأخص في حضرموت؛ وهي منطقة البدايات الحقيقية.