خيوط الفجر
ربما هي اللحظة التي لا لون لها، ونراها أمام أعيننا، وكأننا أمام سراب يحسبه الظمآن ماء، وفي حالتنا هو كذلك.
هذا البلد المسمى اليمن، يمر بمخاضٍ عسير، يفهم ذلك كل ذي عقل لبيب، وهو مخاض سيؤدي إلى شيء، رضينا أم أبينا، ماهو ذلك الشيء؟ هنا السؤال..
الذين يراهنون على أن تعود الأمور كما كانت عليه، يحرثون في البحر، ليس في ذلك شك، وهؤلاء أصحاب اللعب القصير.
من المفارقات العسيرة في هذا البلد أن اللاعبين بكرات طويلة هم أيضاً يحسبونها حسبة شخصية، دائماً ما ينبري السؤال أمامهم: في أي خانة نكون؟ ومن المضحكات المبكيات، أن الحساب بهذا الشكل حمانا، وذلك من المفارقات، لأنه حتى المتحاربين “يطلبون الله”؛ لا قضايا، ولا حتى مبادئ عوجاء يحاربون من أجلها، ولذلك ترى هذا هنا، وغداً تراه في ديوان آخر ومقيل له لعبته التي لا قواعد لها !
في الدنيا كلها يتواجه الفرقاء من أجل مصالح فئات أو طبقات، إلا في هذه البلاد، فكلٌّ يغني على ليلاه وحده، ولا يهمه أمر ليلى الأخرى، وكل بليلاه يفرح.
كل الأطراف الإقليمية تستولي، وتخطط، وتستقطع، وتحدد معالم مصالحها، كل ذلك عبر وكلائها، فيما البقية، ممن يعول عليهم أن يرفعوا أصواتهم، فتجدهم مثل أهل الكهف
في أشد مراحل البلاد قتامة، كنت تجد الناس عبر نخبهم يتحدثون ويتحادثون، ويتكلمون. كنت ترى الناس في الأماكن العامة يتناقشون، يتحاورون، يقولون شيئاً أو أشياء من أجل اللحظة التالية على صعيد التطور، في محاولة للإجابة عن أهم أسئلة الراهن والقادم. المحاضرات، الندوات، الكتابة في الصحف، المقايل لا تهدأ من النقاش حول مصير البلاد وأفقها الذي كانت إليه ترنو أنظارهم.
هذه المرة نظهر جميعاً متبلدين على رغم كل الكلام والصراخ، فالكل يقول، والكل لا يقول شيئا !
تتمنى أن تسمع عن ندوة يتكلم الناس فيها عن آرائهم، عن أمنياتهم، عن مواقفهم مما يُخطط للبلد، فتحس بالأمان برغم كل المخاطر. إلا هذه المرة، النخب غارقة في متابعة “أين حقي، وأين سأكون، وعلى أي فريق سأحسب”، سباق على الفيد والغنائم، وإلى الشيطان فليذهب كل شيء، وإذا ظهر كالبرق أحدهم، ممن عزّ عليه أن يرى وطناً يتشظى، فيسجل رأياً ثم ينام، لأن الآخرين سريعاً ما يئدونه.
الآن كل الأطراف الإقليمية تستولي، وتخطط، وتستقطع، وتحدد معالم مصالحها، كل ذلك عبر وكلائها، فيما البقية، ممن يعول عليهم أن يرفعوا أصواتهم، فتجدهم مثل أهل الكهف! وطن يثخن بالجراح، ومواطنون “سوبر” بمختلف درجات النهب والفيد والتفيد، لا يكادون يعلمون، أو أنهم يعلمون ولكن لا يريدون أن يعلموا أنهم يعلمون!
مثقف تبلد، وأديب يكتب ولا يكتب، لأنه لا موقف يستطيع أن يحدده؛ فالبوصلة تاهت من الجميع.
والآن، ماذا علينا أن نقول سوى: طيب الله أوقاتكم.
