خيوط الفجر
“تعرف ليش مش قادرين نناقش أوضاعنا الراهنة؟
تعرف ليش مش قادرين نعرف أين نحن؟ وإلى أين المصير؟
لأن داخلنا خوف مزروع من مواجهة أية حقيقة، لأننا في الغالب نبحث عن السراب، ونفتش بين القش عن أوهام.
كلما واجهتنا معضلة هربنا بعيداً عنها، إما بإشارة أصابع الاتهام إلى مسبّبيها، وإما بالنبش عن أصولها وفحواها بدون جدوى. عمرنا ما بحثنا عن الحل، أو حاولنا نفتش عنه. لأننا أيضاً لم نجلس يوما ما جلسة تصالح مع أنفسنا.
ما المفروض علينا أن نفعله، وما هو المطلوب منا، كل في مجال عمله، وعلى قدر تفكيره وحدود إمكانياته؟ نحن محاصرون بركام الماضي وغبار الحاضر، تائهون في زحمة التكنولوجيا، في اللاشيء؛ الجيد منا يكتب مقالاً، وآخرون يتابعون بصمت”.
عبير السعيدي
كلام من عقل نحن أحوج إليه أكثر من أي وقت مضى.
يدور السؤال الدائم في ذهني: ماذا ينقصنا؟ لم نتراجع كل يوم؟ لم ينهزم المثقف كل يوم ألف مرة؟ أين تكمن مشكلتنا؟ شخصت عبير السعيدي في تلك الأسطر الإجابة عن سؤال يتفرع عن أسئلة.
نحن بحاجة إلى الإجابة على أسئلة الراهن، وإخراج رؤوسنا من عمق الرمال، وما تحت الطاولة نرفعه إلى فوقها، ونناقش كل ما يعتبر محرماً، وعلى قاعدة العقل والوطنية
في البلدان المتخلفة والجاهلة، لا أحد يسأل عنه أي سؤال باتجاه المستقبل؛ كأن يتساءل أحدنا: لم يتقدمون ونحن نتخلف؟ بالرغم من أنهم تحاربوا وأكلوا الأخضر واليابس؟ واليوم ترى دنياهم خضراء، وقد امتلكوا أسباب عدم العودة إلى الصراع الذي منه تعلموا، واتفقوا، وأسسوا قواعد بموجبها يحلون خلافاتهم.
نحن بالمقابل، نرفع شعار “اختلاف أمتي رحمة”، وإذا بنا إلى اليوم نفجُر حين نختصم، وكلما خرجنا من دورة صراع، عدنا إليها بشراسة أقبح من سابقتها، وإذا لم نجد سبباً لجولات صراع تالية، مددنا أنفسنا إلى كيس “الدين”، ومن أول ملف، نلتقط كل الحقد والكراهية وهات يا حروب! ليس لأـن السوء في الدين، بل في المتدينين الذين فصّلوا الدين على حجم الحاكم، وتحولوا إلى مجرد متسولين يلقون القصائد بعده، لعل وعسى ينالهم بعض الفتات. وانظر؛ فكل تاريخنا “بوري طالع.. بوري نازل”، والذكي من يلحق فيجد ليده موطئاً للمس، لكي يحسب من الحراس الجدد لـ”البوري” الجديد.
الأدهى والأمر أن المثقف يصر على تغييب نفسه ودوره كل لحظة، فتراه يناقش أموراً لا علاقة لها باللحظة! ومعنى ذلك أنه يمارس الهروب كالعادة، بدفن الرؤوس في الرمال، ولا يجيب عن أسئلة الواقع الملحة.
هذا يعطي ملمحاً لما هو قادم، حيث سيجد “البوري” الجديد فرصته للسيطرة على الواقع، وسيمنع كل ما له علاقة بالعقل وبالمستقبل. لأن الصراع الدائم، برغم الشعارات، يدور في حقيقة الأمر حول السلطة والثروة، وصاحب البوري الذي لا مشروع له، فيذهب إلى رجال الدين ليخلقوا له قضية يلهي بها الناس، لكي يسيطر، ويسيطرون هم أيضاً، على رؤوس العامة.
نحن بحاجة إلى الإجابة على أسئلة الراهن، وإخراج رؤوسنا من عمق الرمال، وما تحت الطاولة نرفعه إلى فوقها، ونناقش كل ما يعتبر محرماً، وعلى قاعدة العقل والوطنية. لكن ما نراه مجرد مغالطة، حيث نظل باستمرار، نضع العربة أمام الحصان.