” أبدأ يومي بشرب قهوة البُنّ، وحبي للبنّ جعلني أصنع منه مشروعاً”، تقول سارة الحاج، وهي متخرجة في كلية الحاسوب جامعة صنعاء، اختارت الإقدام على فتح مشروع لبيع البن اليمني، بعيداً عن تخصصها الجامعي. في ظل انتعاشة ملحوظة تشهدها مشاريع إنتاج وتصدير البن اليمني، بما له من مكانة خاصة محلياً وعالمياً، فتحت مشروعها: “سمراء كوفي”.
في حديثها لـ”خيوط”، توضح سارة أنها بدأت التخطيط للمشروع في العام 2018، وشرعت بتنفيذه على الواقع في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بمجهود شخصي وشغف كبير بهذا المشروب الوطني، بدأت مشروعها، وقد زارت الكثير من رواد الأعمال وتجار البن اليمني، وذلك بهدف الاستفادة من خبرتهم، ومشاركتهم في عدد من الرحلات إلى أكبر مزارع البن، لتذوق أنواعه واكتشاف مراحله الأولى من الزراعة، مروراً بالتجفيف، التقشير، التحميص، وانتهاءً بالطحن، ومن ثمّ الحصول على أفخر أنواع البن من حيث الجودة والمذاق.
ولأن عادة أي مشروع ناجح أن يمرّ بالعديد من الصعوبات فقد كانت أولى الصعوبات التي واجهتها الشابة سارة، هي أن “أغلب المجتمع العامل في مجال البن مجتمع ذكوري”، حسب تعبيرها. غير أنها تمكنت من إثبات جدارة الكادر النسائي في هذا المجال ومنافسة الفئة الذكورية.
تشرح سارة أن مشروعها “سمراء كوفي” قدّم أنواعاً متعددة من البن، وبدرجات متعددة أيضاً من التحميص. لقد بدأت بالتحميص من درجة “اللايت” (الفاتح)، ثم الأشقر والمتوسط والغامق. وهذه الدرجات من التحميص مناسبة لتحضير: “القهوة العربية”، “الدريب”، “الإسبريسو”، “القهوة التركية” بهيل وبدون هيل”، و”التركي الميديَم بهيل وبدون هيل”.
ومع ذلك تقول إن “سياسة عمل مشروعها ما زالت إلكترونية (أونلاين) عبر الطلب من حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتوصيل إلى جميع أنحاء الجمهورية اليمنية، عبر مكاتب الشحن الداخلي، وإلى أي مكان داخل صنعاء، إضافة لخدمة التوصيل إلى خارج البلاد عبر مكاتب الشحن الدولي”.
كما تفيد سارة أن طموح مشروعها ليس أن “يصل إلى سوق البن فقط، بل إلى أن يكون له موقع منافس في أكبر شركات القهوة، ويجتاح أكبر عدد من نقاط البيع داخل البلاد وخارجها”.
في الآونة الأخيرة بدأت عدد من المؤسسات في العمل على تحسين جودة البن من خلال اتّباع الممارسات الزراعية الجيدة، وتجويد المنتج في مراحل تجفيفه وتحميصه
مشاريع البن في تزايد
قصة سارة واحدة من بين العديد من المشاريع المرتبطة بالبن، والتي برزت في السنوات الأخيرة على ضوء ما يمثّله البنّ في الجانبين الاقتصادي والتاريخي، بالنسبة لليمن.
يقول المهندس الزراعي طه فتح الله لـ”خيوط”، إن “زراعة البن كانت وما زالت مصدراً رئيسياً لكثير من المزارعين، وإن كثيراً من الأسر تعتمد بشكل رئيسي على محصول البن كمصدر دخل لها”.
ويضيف فتح الله أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحسناً كبيراً في تجويد زراعة البن “ولو على مستوى بعض المناطق”، وتجويد المنتج من خلال الاعتناء بمراحل إنتاجه. و”في الآونة الأخيرة بدأت بعض المؤسسات في العمل على جانب تحسين جودة البن من خلال اتّباع الممارسات الزراعية الجيدة”.
ويستدرك أن “المزارعين عبر فترة طويلة من الزمن اكتشفوا خبرات كبيرة، وكان ينقصهم فقط -أو جانب من القصور لديهم- معرفة كيفية الاعتناء بالبنّ بطريقة تضمن الحصول على قهوة مختصّة ومميزة”. وحسب المهندس فتح الله أن “دور المؤسسات وبعض الشركات التاريخية ومؤسسات الدعم غير الربحية”، تمثل دورها في هذه النقطة، حيث “تعمل في توعية المزارعين بالممارسات الصحيحة من أجل تحسين الجودة والإنتاجية أيضاً”.
كما يشير إلى أن هناك شركات أخرى غير ربحية “تحتاج أيضاً إلى بنٍّ مختص، بنٍّ مميز، حتى تستطيع تسويقه في دول تبحث عن قهوة مختصة، فبدأت هذه الشركات بعمل دورات تدريبية، إلى جانب أنها بدأت تعطي قيمة مضافة أو سعراً إضافياً للبنّ الذي يعتني به المزارع بالشكل الذي تطلبه الشركة”.
من ضمن آليات تجويد منتج البنّ، حسب فتح الله، “الاهتمام بالتسميد العضوي وبعملية الحصاد”. فقد كانت الشركات تطلب من المزارعين حصاد البن الأحمر مكتمل التلوّن، كما تشترط أن تكون عملية التنشيف على سرائر، وأن يغطي المزارع حبوب البن في الليل حتى لا تتعرض للطلّ (الندى)، وهكذا تحسنت الجودة- حسب تعبيره.
ونتيجة تلك التحسينات، حصل المزارع على أسعار أفضل بكثير مما كان يحصل عليه من قبل، فبدأ كثيرون، حسب فتح الله، بعملية التوسع في مساحات زراعية إضافية. لكنه يقول إن “مشكلة المياه ما زالت هي العقبة الكبيرة في طريق البنّ، حيث تنخفض جودة وكمية المحصول في مساحات كبيرة، بسبب تعرض الأشجار لفترات طويلة من العطش”.
ووجه المهندس الزراعي مناشدة إلى “كل المؤسسات الحكومية والخاصة والدولية، التدخل في جانب حصاد المياه (تجميع مياه الأمطار وتخزينها) لحقول البنّ، سواء عن طريق خزانات حصاد مياه عامة، أو عن طريق السدود أو برك وخزانات خاصة للمزارعين”. وأكد على أن التغيرات المناخية سببت فجوةً في ريّ أشجار البن، ومواسم الأمطار بدأت تتأخر إلى حدٍّ أثّر على أشجار البن التي تعتمد توقيتاً معيناً للتزهير.
أما عن تأثيرات الحرب، فيقول فتح الله إنه “كان لها تأثير بشكل رئيسي على التجار الذين واجهوا مشاكل في التصدير”، كما كان لها تأثير على كثير من المزارعين الذين يعتمدون في الريّ على آبار سطحية أو سدود، ويحتاجون إلى ضخّ المياه، وتأثروا نتيجة ارتفاع تكاليف المشتقات النفطية”
فتح مطار صنعاء الدولي يعدّ من أبرز الحلول الممكنة لتسهيل التصدير، بما يمكن أن يقلل من التكاليف ويصنع توازناً في الأسعار
صعوبات التصدير
إلى ذلك، يقول عبداللطيف الجرادي، الذي يعمل في تصدير البن، إن أكبر الصعوبات التي واجهت المصدّرين، تمثلت في “الأوضاع غير المستقرة” للبلاد، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في اليمن عموماً، وصعوبة النقل من اليمن إلى دول العالم، بالتزامن مع تراجع المحصول.
ويرى الجرادي أن فتح مطار صنعاء الدولي يعدّ من أبرز الحلول الممكنة لتسهيل التصدير، بما يمكن أن يقلل من التكاليف ويصنع توازناً في الأسعار. ويضيف أن من بين الصعوبات التي يواجهها المصدرون “عدم استطاعتنا، كيمنيين، استخراج فيزا لمعظم دول العالم، للمشاركة في معارض القهوة الدولية لتسويق قهوتنا. هذا يجعلنا عاجزين عن تسويق القهوة”.
توسع زراعته في ذمار
ومع استمرار مشاريع التصدير، تبرز أيضاً مشاريع وحملات زراعة البن. وقال مدير مكتب الزراعة في محافظة ذمار، التي تعدّ من المحافظات الزراعية الهامة، عن أنه خلال العام 2019، “تم توزيع كمية 30 ألف شتلة بنّ و16 ألف شتلة لوز”، على مزارعين في المحافظة. وأضاف أنه “خلال هذا الموسم وفي شهر فبراير/ شباط 2020، تم توزيع 40 الف شتلة بنّ للمزارعين بمناطق زراعة البن، كما تم توزيع 30 ألف شتلة في مارس/ آذار من العام نفسه”.
وأوضح الجشاري في حديثه لـ”خيوط”، أن إطلاق هذه الحملة كان بـ”التنسيق مع السلطة المحلية وإدارة الزراعة بالمديرية، ومشاركة المجتمع، من مرشدين محليين ومزارعين، للحفاظ على محمية عُتمة من انتشار زراعة القات، والحد من الحفر العشوائي للآبار”.
وتشمل الحملة أيضاً “استصلاح أراضٍ زراعية، واقتلاع شجرة القات، واستحداث مدرجات زراعية جديدة في الأماكن المهيأة لذلك”. ويتوقع القائمون على الحملة أن تسهم “في الحفاظ على التنوع البيئي بالمحمية وحمايته من التدهور والتحطيب والانجراف، والتوسع في زراعة أشجار البن واللوز وأنواع الفاكهة ومحاصيل الحبوب والبقوليات”.
ويشدد الجشاري على أهمية “التوسع في زراعة البن”، في مختلف المناطق التي كانت تزرعه والمناطق الصالحة لزراعته، “بما يسهم في إعادة مكانة البن اليمني إلى ما كان عليه في المراحل السابقة والذي وصلت شهرته إلى العالمية”، كما يؤكد على “أهمية أن يشمل التوزيع مختلف المديريات بما يسهم في التنافس على الإنتاج، وخاصة في المناطق التي تتناسب مع زراعة البن”.