بعد أن تموضع فجاءة وسط مجموعة من الزبائن يقفون بشكل متباعد أمام أحد الأفران في شارع القاهرة بمنطقة الثورة شمال صنعاء، في انتظار دوره، التفت رجل في العقد الخامس من عمره إليهم ساخراً من طريقة وقوفهم ومن "المبرقعين"، على حد وصفه لمن كانوا يرتدون الكمامات. قال لهم: "صدقتم أن في ما اسمه هذا كورونا، هذا كله كذب في كذب"، وختم حديثة، "هيا أفسحوا لي أشتري قبلكم وخلوني أتحمل عشرين كورونا".
كان هذا المشهد قبل يومين من حلول عيد الفطر المبارك والذي قبل حلوله بساعات قليلة من موعد صلاة العيد صدر تعميم من وزارة الأوقاف في حكومة صنعاء إلى أئمة المساجد يحثهم على أن من الأفضل "أن تكون الصلاة في المنازل وليس في المساجد". لكن قبل أن يجف الحبر الذي كُتب فيه هذا البيان، ارتفعت أصوات الميكرفونات من مختلف مساجد صنعاء تنادي لصلاة العيد في الجوامع.
لا يتطلب الأمر حسب أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء حسن الغفاري، أن يكون هناك انتشار واسع للفيروس للوقاية منه، بل إن "كل فرد في المجتمع مسؤول مسؤولية تامة"، وفق ما هو متاح من إمكانيات وبقدر الإمكان بالحذر والوقاية من خلال الوسائل المتبعة بارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وعدم المصافحة، خصوصاً في العيد.
ويتحدث الغفاري لـ"خيوط" عن خطورة فترة أيام العيد، وهي مرحلة، في حال تجاوزها المجتمع اليمني بأخف الأضرار، "ستكون الطريق سالكه للنجاة من الفيروس". لكن ذلك يتطلب، حسب تأكيده، "التخلي عن بعض العادات والتقاليد"، التي دأب عليها الناس في مثل هذه المناسبات مثل الزيارات العائلية والمصافحة والتقبيل ومعاودة الأطفال، بشكل خاص، بأوراق نقدية ورقية من الفئات الصغيرة التي تعتبر بحكم التالفة، وفق تحذيرات عديدة أطُلقت مؤخراً من تلوثها ونقلها للأوبئة والفيروسات.
تحذير من انتشار الجوع على نطاق واسع بسبب جائحة كورونا في اليمن
طرق مكافحة غير جدية
تتحدث مصادر طبية عن ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في أغلب المدن والمحافظات اليمنية الكبرى ، وبينما تسارع اللجنة العليا لمكافحة فيروس كورونا في الحكومة المعترف بها دولياً، والتي وصلت في آخر تحديث لها (الأحد 24 مايوم/ أيار 2020)، إلى 222 حالة بينها 42 وفاة و10 تعافي، بينما لم تؤكد السلطات الصحية التابعة لحكومة صنعاء حتى الأن سوى حالة وفاة واحدة وحالتي إصابة فقط، تماثلتا للشفاء- حسب آخر مؤتمر صحفي عقده وزير الصحة طه المتوكل في 15 مايو/ أيار 2020، فيما تعكس التعميمات الصادرة ليلة العيد (23 مايو/ أيار 2020) عن وزارات الصحة والأوقاف والداخلية، خطورة الوضع في صنعاء وبعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين).
واطلعت "خيوط" على تعميم صادر من وزارة الصحة، موجه بشكل رئيسي لمديريات محافظة صنعاء، تدعو فيها المواطنين لعدم التنقل العائلي بين القرى والمناطق، واستخدام الهاتف للمعايدات وتبادل التهاني بالعيد، وفي الوقت الذي وجهت فيه "الأوقاف" تعميمها بالصلاة في المنازل، قالت وزارة الداخلية إنها ستنفذ خطة أمنية خاصة لمنع التجمعات في العيد.
ويتمحور حديث واسع عن الكادر الطبي المحدود الذي يتعامل مع الفيروس في جميع المحافظات اليمنية، في ظل محدودية الإمكانيات الطبية ووسائل الحماية المساعدة التي توفر لهم نسبة من الحماية تساعدهم في أدائهم اليومي لمواجهة الفيروس.
المتابع للطرق المتبعة في مكافحة الفيروس من قبل السلطات المتعددة في اليمن لا يلحظ إجراءات جدية بفرض حجر صحي إلزامي واسع، بالذات في عدن وحضرموت، نظراً لما تشهده من ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس، وترك الأمر، ولو بطريقة غير مباشرة، لما يسمى "مناعة القطيع".
في هذا الصدد، ترى دراسة صادرة عن مركز الفيروسات الألماني أعدها كبير علماء الفيروسات هيندر ستريك، أن فيروس كورونا سيستمر إلى الأبد، وأنه يجب التعايش معه واتباع طريقة "مناعة القطيع" للتكيف معه، مع التزام المكافحة بالوقاية الشخصية والتباعد الاجتماعي. وعلى الرغم من معارضة علماء فيروسات ألمان لهذه الدراسة ولرؤية الدكتور ستريك، منهم الدكتور دروستن، إلا أن الحكومة الألمانية أعلنت رفع الحظر المفروض في البلاد مع اتباع إجراءات الوقاية المحددة.
هذا التحليل الافتراضي للإجراءات المتبعة قد لا يجدي نفعاً في وضع بلد مثل اليمن دمرته الحرب الدائرة فيه منذ ما يزيد على خمس سنوات، ويراه البعض استهتارًا ولا مبالاة؛ إذ يحتاج الناس لمن ينبههم بخطورة تفشي الفيروس القاتل في ظل غفلة الكثيرين منهم، خاصة من تجبرهم الظروف المعيشية على التوجه إلى الأسواق بشكل يومي طلباً للرزق.
ويقدم مراقبون ومتابعون للوضع في اليمن عموماً وصنعاء خصوصاً، مجموعة مقترحات لتنفيذ حالة طوارئ للعزل الصحي الشامل، حيث يفترض أن يبدأ أولاً بإيجاد إدارة موحدة مستقلة بإشراف الأمم المتحدة لمكافحة فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد.
تتمثل هذه المقترحات بتحديد الفئات المتضررة والمعتمدة في معيشتها على الأجر اليومي، وإلزام المؤجرين بإعفائهم من إيجار شهرين، وتخفيض فواتير الكهرباء والإنترنت، إضافة إلى توفير المياه إلى الحارات مجاناً، والإشراف على المنظمات الدولية والمحلية بإيصال المساعدات الغذائية إلى المنازل والأسر المستحقة.
وضع خطير
من جانب آخر، قالت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، إن الجوع قد ينتشر على نطاق واسع بسبب جائحة كورونا في اليمن.
وحسب عبد السلام ولد أحمد، المسؤول الإقليمي في المنظمة لرويترز، فإن الوضع قد يكون كارثيا فعلا إذا تحققت كل عناصر أسوأ سيناريو، لكنه قال: "نأمل ألا يحدث، والأمم المتحدة تعمل على تجنب ذلك“.
ونبه السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، في تصريحات صحفية، لخطورة الوضع في اليمن، حيث اعتبر وضع اليمن خطير للغاية مع انتشار فيروس كورونا، والمعارك الدائرة في محافظة أبين (جنوب) بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
ورأى السفير آرون ضرورة رفع القيود المفروضة على إدخال السلع والمعدات الطبية، وأن الخطوة الأهم من ذلك، هي التوجه للسلام وتجاوب جميع الأطراف مع المبادرة المقدمة من المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.
الاتحاد الأوروبي اعتمد 55 مليون يورو لمساعدة اليمن لمواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا التي تفوق قدراته الوطنية الاقتصادية والصحية
ويشهد اليمن انتشار فيروس كورونا، خصوصاً في محافظة عدن (جنوب)، والمناطق الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً بدون تنفيذ أية إجراءات فعلية مؤثرة لمكافحة الفيروس على الأرض، بينما اكتفى أنصار الله (الحوثيين) نهاية شهر رمضان بإغلاق المطاعم والكافتيريات وأسواق الملابس للتعقيم ومن ثم تحويل دوامها إلى النهار بدلاً عن الليل، كما جرت العادة في عملها خلال شهر رمضان، وسط اتهامات موجهه لحكومة صنعاء بالتعتيم والتكتم على حجم انتشار الوباء في مناطق سيطرتها المزدحمة بالسكان.
في السياق أعلن الاتحاد الأوروبي اعتماد مبلغ 55 مليون يورو لمساعدة اليمن في مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا التي قال إنها تفوق قدراته الوطنية الاقتصادية والصحية، وذلك ضمن ما خصصه الاتحاد البالغ 15.6 مليار يورو لدعم وتقوية الاستجابة الأوروبية لمواجهة الفيروس الذي يجتاح معظم دول العالم.
ويفاقم الانقسام الحاصل في اليمن بين الحكومة المعترف بها دولياً وأنصار الله (الحوثيين) تردي الأوضاع الصحية الضعيفة بسبب الحرب والصراع الدائر، والمعيشية في البلاد، إذ يعتبر الاتحاد الأوروبي، أن هذا النزاع المستمر "لا يوفر الأرضية المثلى للاستجابة على المستوى الوطني لمكافحة فيروس كورونا".
ووضحت بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، في بيان أطلعت عليه "خيوط"، كيفية توزيع هذا المبلغ، إذ سيتم تخصيص نحو 36% منه، لتعزيز الصمود المؤسسي والاقتصادي في اليمن، و26% ستخصص لدعم المرافق الصحية المتهالكة في اليمن، فيما سيتم تخصيص 18% من المبلغ لتعزيز سبل المعيشة والأمن الغذائي، وتخصص باقي المبلغ لدعم الوصول للخدمات الصحية وبرنامج العاملين الصحيين المجتمعيين وخدمة المجتمع والحماية الاجتماعية.
ويستهدف المبلغ الذي خصصه الاتحاد الأوروبي، ـ15,6 مليار يورو، لمواجهة كورونا على مستوى العالم، معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للوباء، وتعزيز النظام الصحي وأنظمة المياه والصرف الصحي، ومعالجة الاحتياجات الفورية للوقاية والحماية والاستجابة للأزمة.
توسيع المواجهة الأممية
مع مرور ما يزيد عن 60 يومًا على تفشي الوباء في العالم، فُقِدت الملايين من الوظائف بمختلف القطاعات في دول العالم، وتوالت الأنباء عن إفلاس آلاف الشركات الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء، مؤكدةً أن هذه الأزمة أكثر فجاعةً وضراوةً من أزمة العام 2008؛ فالعالم الآن يقع بين فكي كماشة يضغطان في اتجاهات متضادة على الحكومات والشركات العالمية، وليس هناك مؤشرات واضحة وحاسمة لإيجاد لقاح فعال ينقذ العالم من الشلل المفاجئ الذي أصابه.
ومع كل يوم يستمر فيه الإغلاق العام، تضطر الحكومات لزيادة إنفاقها وديونها لتثقل بذلك كاهل مواطنيها من دافعي الضرائب لسنوات طويلة. مثلًا، في الولايات المتحدة الأمريكية، تشير التوقعات بأن آثار الأزمة المالية على الحكومة قد تفوق خسائر مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
كما وصفت منظمة العمل الدولية، أزمة فيروس كورونا بكونها أسوأ كارثة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، مشيرةً في تقريرها الأخير، إلى أن العالم سيخسر أكثر من 195 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم، من بينها خمسة ملايين في الدول العربية، إلى جانب تسجيل أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون طلب بطالة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سبعة أسابيع فقط، لتمسح بذلك كل فرص العمل التي خُلِقت منذ فترة "الكساد الكبير" 2008-2009، ولمجابهة هذه الأزمة ومنع الاقتصاد من الانهيار، ضخت حكومات العالم تريليونات الدولارات
وبهدف حماية ملايين الأرواح ووقف انتشار فيروس كورونا في أكثر من 60 بلدا ضعيفا، أطلقت الأمم المتحدة، في 7 مايو/ أيار 2020، خطة استجابة إنسانية محدثة تهدف إلى جمع ما مقداره 6.7 مليار دولار.
وتم إطلاق الخطة المحدثة، خلال مؤتمر افتراضي عبر الإنترنت شارك فيه عدد من المسؤولين الأمميين.
وكان الأمين العام أنطونيو غوتيريش أطلق خطة الاستجابة الإنسانية المنسقة في شهر مارس/آذار 2020، بهدف جمع 2 مليار دولار. وأشار غوتيريش، الذي شارك في المؤتمر عبر رسالة مسجلة، إلى أنه قد تم جمع نصف مبلغ خطة الاستجابة الأولى.
وبلغ عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس، الذي طال تأثيره كل دول العالم حتى الآن، أكثر من ثلاثة ملايين ونصف، فيما بلغ عدد الوفيات أكثر من 251 ألف حالة وفاة.
ومن المتوقع أن تشهد أفقر دول العالم ذروة انتشار المرض في وقت ما خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة. ومع ذلك، فهناك أدلة آنية تؤكد هبوط مستوى الدخل وتلاشي فرص العمل، وانخفاض الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار، فيما يفقد الأطفال اللقاحات والوجبات اللازمة.
وتسعى وكالات الأمم المتحدة الإنسانية سعيا حثيثا إلى تجنب ارتفاع حاد في الصراع والجوع والفقر والمرض نتيجة للجائحة والركود العالمي المرتبط بها.
ودعا السيد مارك لوكوك وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة لتجنب أكثر الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن كوفيد-19، مضيفا أن هذه الجائحة تؤذينا جميعا، لكن أفقر دول العالم هي التي تعاني أكثر الآثار تدميرا وزعزعة للاستقرار، وأضاف: "ما لم نتحرك الآن، فسوف يتعين علينا الاستعداد لارتفاع كبير في حدة الصراع والفقر. شبح المجاعات يلوح في الأفق".
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام أمريكا آبي ماكسمان إن المنظمات غير الحكومية تقف في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة، مشيرة إلى العمل على "زيادة الاستجابة وتكثيفها حول العالم لتقديم مساعدات منقذة للحياة. ولجعل استجابتنا أكثر فعالية"، تابعت السيدة آبي، "فإننا بحاجة الآن إلى ضمان وصول زملائنا وشركائنا على نحو آمن إلى المجتمعات الأكثر ضعفا."
من جانبه أشار فيليبو غراندي، المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين، إلى التأثير المدمر للجائحة بالنسبة للأشخاص الذين فروا من الحروب والاضطهاد، مؤكدا عزم الأمم المتحدة وشركائهاعلى الاستمرار في خدمة اللاجئين والنازحين داخليا وعديمي الجنسية ومضيفيهم وضمان إدراجهم في خطط الاستجابة للصحة العامة وشبكات الأمان الاجتماعي.
وحذر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي مما وصفه بـ"وباء الجوع" في حال عدم التمكن من مواصلة هذه العمليات الأساسية، داعيا إلى أهمية أن يوفر المجتمع الدولي استجابة إنسانية شاملة - مبنية حول ركيزة لوجستية متينة - والتي من شأنها حماية المواطنين الأكثر ضعفا حول العالم من الكوارث الإنسانية.