حلّ عيد الفطر هذا العام في ظروف أشدّ تعقيداً من أي وقت مضى، بسبب استمرار الحرب، وما فرضته جائحة كورونا من تقييد للعادات الاجتماعية في تبادل التحايا بالمصافحة وزيارات الأقارب.
وعلى الرغم من التحذيرات الرسمية من الخروج لصلاة العيد في المناطق الواقعة تحت سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، وحظر التجوال في بعض المحافظات، سيما الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، إلا أن ذلك لم يمنع الناس من إقامة صلاة العيد، والخروج إلى الشوارع.
وتجولت "خيوط" في عدد من شوارع صنعاء، حيث خرج الأطفال والرجال صباحاً، فيما بدأ ازدحام حركة السيارات والأسواق، يتصاعد منذ الساعة الثامنة صباحاً. ومنذ الصباح الباكر، توزع رجال شرطة المرور ودوريات من شرطة النجدة على "الجولات" (الدوارات) المزدحمة عادة، وفي مفترقات الطرق، وانتشرت عربات عسكرية ومدنية تحمل صهاريج رشّ وتعقيم لعدد من الشوارع بطريقة عشوائية.
اللافت في العيد هذا الموسم، هو إغلاق الحدائق، التي كانت أغلقت قبل شهر رمضان، وبالتالي، فقد خلت بواباتها من ازدحام العائلات التي كانت تحرص على ترفيه أطفالها في الحدائق. هكذا خلت الحدائق والمتنزهات من الحركة، بينما ازدحمت الشوارع الرئيسية بالسيارات والمارة، واستعادت أسواق القات ازدحامها المعتاد نهاراً في أول يوم فطر.
قبل ذلك، كان استعداد اليمنيين لعيد الفطر هذا العام ضئيلاً مقارنة بالأعوام الماضية.
مهيوب سعيد العريقي (55 سنة)، قال لـ"خيوط" وهو يتأوّه حسرةً وهمّاً من تقلبات البيع والشراء هذه السنة قبل العيد بفعل جائحة كورونا: "انخفضت المبيعات بنسبة 80% عما كانت عليه في شعبان وبداية رمضان".
وعن مقارنة مبيعات هذا الموسم مع مبيعات الأعوام الماضية، قال مهيوب إنه لا يوجد وجه للمقارنة؛ "هذه السنة السوق ميّت وخالٍ من الزبائن".
حركةٌ تجاريةٌ راكدة
ورغم أن الكثير من الناس لم يلتزموا بتعليمات البقاء في منازلهم، تجنباً لعدوى هذا الوباء القاتل والمثير للقلق، إلا أن حركة السوق، مع اقتراب عيد الفطر المبارك، كما بدت من خلال المشاهدة، محدودةٌ؛ وهو ما كان يوحي بأن الكثير من اليمنيين التزموا الحذر، واجتنبوا الذهاب إلى زحمة الأسواق، على غير عادتهم.
وحدها المستشفيات، بدت مزدحمةً بصنوف العِلل والأمراض. أما أسواق الملابس والذهب والـ"مولات" الكبيرة، ومحلات الزبيب والمكسرات وجعالات العيد، فإنها، وإن شهدتْ حركةً متوسطةً، إلا أنه مستوىً متدنٍّ للغاية عن سائر الأعوام والمواسم السابقة، وفقاً لإفادات بعض تجار وعمّال التجزئة والمحلات الصغيرة، في صنعاء.
محمد الصلوي، خيّاط أقمشةٍ رجالية، قال: "نحن ننتظر هذا الموسم من السنة إلى السنة، كموسمِ خيرٍ؛ لكن يبدو أن سوء الحظ خيّمَ علينا".
الصلوي، البالغ من العمر 60 سنة، خيّاطٌ قديمٌ ومعلّمٌ يمارس مهنة الخياطة منذ أربعين عاماً، بدأها من مدينة جدة السعودية، مطلع الثمانينات، ثم افتتح محلاً للخياطة في قلب الحركة اللاهبة لسوق الحصبة. لكن السنوات العشر الأخيرة، جاءت بالمصائب إلى دنيا محمد الصلوي: "كلها خسائر ونكبات ومعاناة"، كما يقول.
"دمرت حرب الحصبة، في 2011، بين أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والرئيس السابق علي عبدالله صالح، كل المحلات أمام بُرج طيران اليمنية جوار بيت الشيخ، وخسرتُ كل شيء: 4 مكائن خياطة، والبضاعة بحوالي مليونيي ريال، وتجهيزات المحل والمعمل وكل شيء". عاد الصلوي ليكون نفسه من جديد، وافتتح محلاً للخياطة في شارع شيراتون. ثم جاءت الحرب في 2015، فوجد نفسه بلا كهرباء ولا سعر ثابت للبضاعة في سوق الأقمشة، ولا زبائن بقدرة شرائية جيدة، بسبب انقطاع الرواتب. وعندما انتظمت الحركة في محله منذ مطلع العام الجاري [2020]، حلّ وباء كورونا، وهكذا "من سيء إلى أسوأ"، كما يسرد الصلوي مأساته كواحدٍ من ضحايا الحروب المتناسلة.
طبقةٌ ميسورةٌ واعية
الحال نفسه لدى معظم تجار الأقمشة في اليمن، الذين يكسبون في مواسم الأعياد أرباحاً كبيرة، فجاءهم الوباء في هذا التوقيت الثمين.
والمشكلة نفسها أيضاً لدى تجار المجوهرات الذين اعتادوا دوران حركة العمل مع اقتراب عيد الفطر بالتزامن مع الأعراس؛ يقول وائل محمد، وهو أحد العاملين في محل للمجوهرات: "الناس قلقون وخائفون من العدوى، ولأن أغلب زبائن المجوهرات والذهب ينحدرون من طبقات اجتماعية ميسورة، فإنهم على مستوى عالٍ من الوعي، لذلك تجد تجار الذهب ضمن المتضررين من الحجر المنزلي".
بإمكان المتابعين قياس التزام اليمنيين بإجراء الحجر المنزلي من خلال وقع حركة الشراء في الأسواق والشوارع؛ لكن هذا لا يعكس وعي المجتمع على نحو دقيق، بقدر ما يعكس شحة السيولة النقدية في أيديهم
لا رواتب ولا تحويلات للمغتربين
أثرتْ عواملُ كثيرةٌ على السوق اليمنية، كنتائجَ طبيعيةٍ لحرب الخمس سنوات وإغلاق الموانئ والمطارات، وتوقف دفع مرتبات الموظفين الحكوميين. وعندما ظهر "كورونا"، في بعض المناطق، ضاعفَ وصولُه من مأساة اليمنيين. ومع ضعف القيمة الشرائية للريال اليمني، وانقطاع المرتبات وتحويلات المغتربين، فقد ظهرت الأسواق في أسوأ حالاتها على الإطلاق.
يقول الحاج يحيى الزبيري لـ"خيوط": "تجربتي في التجارة تمتد منذ 50 سنة في منطقة "شعوب" (أحد الأحياء والأسواق الشهيرة في صنعاء)، لم أصادف في حياتي مثل هذا الركود الذي نعيشه اليوم طوال كل هذه السنين". ويضيف الزبيري، وهو تاجر تُمُور ومكسَّرات وبهارات: "رمضان هذه السنة من بدايته ميّت، وسيكون العيد أكثر مواتاً".
تسببَ توقفُ التحويلات النقدية من المغتربين اليمنيين في الخارج، خصوصاً في مثل هذا الموسم من السنة، والذين يقبعون إجبارياً داخل غُرف الحجر المنزلي و"عِزَبْ" إقاماتهم في بلدان الغربة، في تدني حركة العيد في الأسواق، وعند الكثير من الأسر اليمنية، التي تعيش على عائدات وتحويلات أقاربها، فباتت تشكو وضعها الذي تدهور فجأةً، وكان رمضان وعيد الفطر هذه السنة، على غير عادته.
إحدى هذه العوائل، المتضررة من توقف عائلها الوحيد عن العمل في الغُربة (السعودية)، والتي كانت تعيش في صنعاء (المدينة)، لملمتْ أشياءها وقفَلتْ عائدةً إلى مسقط رأسها في ريف مديرية العدين بمحافظة إب، الذي غادرته قبل ثمانية أعوام إلى صنعاء. لقد ساء وضع الأسرة الفقيرة، المكونة من أب (مريض)، وأمٍّ وثلاث بنات، وابنٍ وحيدٍ مغترب في الدمّام، يتولى رعايتهم، لكنه وجد نفسه، فجأةً، عاطلاً مثل غيره من المغتربين اليمنيين هناك.
تراجع بنسبة 90%
وبحسب إفادات شركات الصرافة، فإن نسبة التحويلات الخارجية، خلال الشهرين الماضيين (أبريل ومارس)، تراجعت بنسبة 90%، بسبب "كورونا"؛ وهو وضعٌ انعكس سلباً على واقع الحركة التجارية في أيام الاستعدادات والتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث كانت تشهد كل المدن اليمنية ازدحاماً خانقاً في الشوارع والأسواق ومحلات بيع الذهب والأقمشة والجلديات والمكسرات.
وبإمكان المتابعين قياس التزام اليمنيين بإجراء الحجر المنزلي، ونسبة الماكثين داخل المنازل، من خلال وقع حركة الشراء في الأسواق والشوارع؛ لكن هذا لا يعكس وعي المجتمع على نحو دقيق، بقدر ما يعكس شحة السيولة النقدية في أيديهم، بحسب عبده العتمي- بائع ملابس متجول.
وعند استطلاع آراء ملاك المحال التجارية، عن جدوى التزام اليمنيين بالحجر الصحي، ستجد ردودهم الساخطة التي تتفجر غضباً؛ إذ يشْكون تراجع نِسب البيع بشكلٍ مهول. وهذا الواقع ليس سوى انعكاسٍ لأزمات عديدة، أبرزها "كورونا" و"تراجع تحويلات المغتربين"، إضافة إلى "توقف صرف رواتب الموظفين الحكوميين في البلاد"، منذ أربع سنوات.
_____________________________________
الصورة ل حديقة الثورة في صنعاء صباح عيد الفطر