الحرب الهجينة في اليمن

من نزاع محلي إلى مواجهات إقليمية وأزمة دولية كبرى
فؤاد مسعد
November 28, 2024

الحرب الهجينة في اليمن

من نزاع محلي إلى مواجهات إقليمية وأزمة دولية كبرى
فؤاد مسعد
November 28, 2024
.

قال فريق الخبراء الأممي إن "النزاع في اليمن، الذي بدأ قبل عقد من الزمن كنزاع مسلح داخلي ثم توسع فأصبح مواجهة إقليمية، قد تصاعدَ الآن ليتحول إلى أزمة دولية كبرى"، وهذا التحول يكاد ينطبق على "الحروب الهجينة" أو حرب الجيل الخامس.

ويشير خبراء ومحللون إلى سمات الحرب الهجينة وملامحها، وما يكتنفها من غموض مرتبط بالتداخلات والاشتباكات التي تصبح إحدى ملامحها الرئيسية، ذلك أنّ الحرب الهجينة لا تقيدها مساحة محددة، ولا تقتصر على أطراف محددة للصراع.

ومن سمات هذه الحرب –وفقًا لمجلة جيش التحرير الشعبي الصيني- أنها حرب بدون قواعد، بدون قيود، بمعنى أنها حرب غير مقيدة، تتجاهل حدود ساحة المعركة، ولا تميز بين الأفراد العسكريين والمدنيين، وبين الجهات الحكومية وغير الحكومية.

ويرى بعض الخبراء أن الحرب الهجينة تعني مجموعة من الأعمال العدائية التي تسعى إلى خداع المجتمعات وتقويضها، والتأثير فيها لزعزعة استقرارها، وإجبار الحكومات السيادية على الخضوع أو الاستبدال بها أخرى.

الحرب الهجينة نوعٌ من الحرب تستخدم فيها أنواعٌ كثيرة من أشكال الحرب، في وقت واحد وبطريقة تلائم الظروف الراهنة، بحسب وصف "فرانك هوفمان".

تكتيكات غير متناظرة

حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جهته، يرى أن الحرب الهجينة تشمل استخدام تكتيكات غير متناظرة، لتحقيق أهداف معلنة وخفية، واستغلال نقاط الضعف عبر وسائل غير عسكرية، منها التخويف السياسي والإعلامي والاقتصادي، والتلاعب، ودعمها من خلال التهديد بالوسائل العسكرية. ومن سمات الحروب الهجينة أن شكلها غير مرتبط بأطراف معروفة، كما تتسم بالغموض وعدم اليقين حول طبيعة المواجهات العسكرية، وحقيقة الفواعل. 

وبحسب بعض الباحثين، فقد برز مفهوم الحرب الهجينة لأول مرة في العام 2007، نتيجة للتغيير الحاصل في الشؤون العسكرية، وأول استخدام للمفهوم بشكل دقيق، كان من قبل "فرانك هوفمان"، الذي وصف الحرب الهجينة بأنها نوعٌ من الحرب، تستخدم فيها أنواعٌ كثيرة من أشكال الحرب، في وقت واحد وبطريقة تلائم الظروف الراهنة. (صليحة كبابي: الحروب الهجينة، 2024). 

في أكتوبر الماضي، قدّم فريق خبراء الأمم المتحدة المعنيّ باليمن، تقريره لمجلس الأمن الدولي، وهو التقرير الذي يغطي الفترة من 1 سبتمبر 2023 حتى 31 يوليو 2024.

التقرير تناول جملة من القضايا، ورصد عددًا من الانتهاكات والأعمال التي تهدّد الأمن والسلام، وهي الأعمال التي استأثر الحوثيون بنصيب الأسد فيها، لا سيما أنهم استفادوا من التطورات والمستجدات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، وفي مقدّمتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وجنوب لبنان، حيث ظهرت جماعة الحوثي ضمن مجموعة الفاعلين فيما يعرف بـ"محور المقاومة"، الذي تقوده إيران ويضمّ القوى والتيارات الفكرية والسياسية –شبه العسكرية المتحالفة مع طهران، وهذا أضاف للتقرير الذي أعدّه فريق الخبراء أبعادًا جديدة متصلة بالتحول الذي منح الحوثيين فرصةَ التشبيك والتنسيق– بشكل هو أقرب للتعاون والتحالف، مع بقية حلفاء إيران في العراق وسوريا ولبنان، وهو التحالف الذي يشكّل في الوقت الراهن "المقاومة الإسلامية"، ومع أن الحوثيين لم يكونوا يخفون ارتباطهم بإيران وحلفائها، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني، فإنهم سجّلوا حضورًا ملحوظًا في العراق، خلال الآونة الأخيرة، وهو ما تناوله تقرير فريق الخبراء، مستندًا إلى جملة من البيانات والتصريحات المشتركة الصادرة عن قيادات حوثية وعن قيادات في التكتلات المسلحة العراقية المنضوية في إطار "محور المقاومة"، أو "المقاومة الإسلامية"، وهذا الإطار الجديد بات أكثر حضورًا، خاصة بعد ما تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية في غزة ولبنان.

الحوثيون اعتمدوا سياسة التصعيد والانتقال من المحلية إلى الإقليمية في العمل العسكري والأمني، الذي شمل تهديد حركة الملاحة والنقل البحري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن.

أزمة دولية كبرى

إنّ تحول الحوثيين من طرف ضمن أطراف الحرب في اليمن، إلى فاعل ضمن فاعلين آخرين في إطار تحالفات وتشكيلات جديدة لها علاقةٌ ما بما يجري على مستوى المنطقة، يشير إلى أن حرب اليمن ذاتها غدت حربًا هجينة، ذلك أنّ التمدّد لطرف من أطرافها، أو التوسع في بعض أعمالها إلى خارج مساحة الحرب التقليدية، يؤكّد الاستنتاج الذي ذهب إليه فريق الخبراء عن توسع الحرب اليمنية من نزاعٍ محليّ إلى مواجهات إقليمية، أو حرب بالوكالة، ثم تصاعدت الحرب لتصبح حربا متداخلة شديدة التعقيد.

ويلاحَظ في تقرير الخبراء أنّ الحوثيين اعتمدوا سياسة التصعيد والانتقال من المحلية إلى الإقليمية في العمل العسكري والأمني، الذي شمل تهديد حركة الملاحة والنقل البحري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج عدن، منذ 19 أكتوبر 2023، وفي الجانب الاقتصادي بتوسيع شبكات تحويل الأموال وتعزيز عمليات نقل الأسلحة وتهريب المعدات والأجهزة اللازمة لتطوير الأسلحة، والحصول على الدعم الخارجي الذي يشمل التدريبات والخبرات وصيانة السلاح وتحديثه. وكل ذلك يتم بترابط وثيق مع بقية الحلفاء في إيران والعراق وسوريا ولبنان، فضلًا عن مناطق وجود الشبكات ونقاط التواصل والانتقال في عدة دول وفي ممرات ومنافذ بحرية وبرية مختلفة. 

وفي المحصلة النهائية، بات لدى الحوثيين أسلحة جديدة ومتطورة، لا سيما فيما يتعلق بالطائرات المسيرة والصواريخ والقوارب الانتحارية التي تسهّل لهم تهديد حركة النقل البحري في واحدٍ من أهم الممرات المائية الدولية، كما أنّ استمرار التجنيد في صفوفهم- باستخدام ذريعة إسناد فلسطين ولبنان- أدّى إلى تضاعف أعداد مسلحيهم ورفد جبهات القتال في عدة محافظات يمنية.

الاشتباك بين الداخلي والخارجي في هذه الحرب أدّى إلى استمرارها وتوسع رقعتها، وجعلَها تتجاوز حدود النزاع التقليدي إلى مساحات وفضاءات جديدة، وتلك إحدى سمات الحروب الهجينة.

مؤشرات الحرب الهجينة

الجنرال جيراسيموف رئيس أركان القوات المسلحة الروسية كتب مقالًا عن الحرب وقال إن "الحرب والسلام أصبحا من المفاهيم التي تتضاءل حدودها أكثر فأكثر"، وفي هذا مؤشر آخر من مؤشرات الحرب الهجينة، فهي -على النقيض من الحروب التقليدية التي تستبين فيها الحدود والخطوط بين الحرب والسلام- تنطوي على قدرٍ كبيرٍ من التداخل والتشابك، ليس في أطرافها ومساحاتها وحدودها فقط، ولكن حتى السلام فيها يمكن أن يحمل بداخله بذور الحرب، ما يعني أنّ الحدود بين الحرب والسلام هنا، تتضاءل أو تتلاشى بفعل عوامل وتأثيرات عديدة. 

جيراسيموف نفسه كان قبل نشوب الحرب التي شنّها جيشه على أوكرانيا مطلع العام 2022، ينفي للأمريكان والأوروبيين اعتزام بلاده مهاجمة أوكرانيا، والأمر نفسه فعله رئيسه فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين والقادة الروس، وحتى بعد نشوب الحرب فإن موسكو لا ترى فيما يجري سوى إجراءات دفاعية اقتضتها ضرورة الحفاظ على الأمن القومي الروسي، وفي هذا الخطاب تتضاءل حدود الحرب والسلام، كما قال جيراسيموف وهو يتحدث عن حرب أخرى لا تخوضها قواته.

يخلص تقرير الخبراء إلى أن عملية السلام لا تزال متوقفة، مؤكّدًا أنه لا يمكن التوقيع على اتفاق خارطة الطريق إلا عندما يكون الوضع الإقليمي مناسبًا، ويتوقف الحوثيون عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر. 

وخلاصة القول، أن الاشتباك بين الداخلي والخارجي في هذه الحرب أدّى إلى استمرارها وتوسع رقعتها، وجعلَها تتجاوز حدود النزاع التقليدي إلى مساحات وفضاءات جديدة، وتلك إحدى سمات الحروب الهجينة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English