تبدو خيارات اليمنيين ضئيلةً، هذا العام، في قضاء وممارسة طقوس وأفراح العيد، في ظل انتشار وباء كورونا في أنحاء واسعة من البلاد، وربما هي أكثر شحةً بالنسبة لسكان تعز مع دخول الحصار على المدينة عامه السادس.
لكن الناس هناك ربما استبقوا الأزمة الجديدة، وادّخروا بعض مظاهر العيد منذ وقتٍ مبكر. عبدالله الحمزي (16 عاماً)، يعمل على عرَبةٍ للمكسَّرات أعلى شارع التحرير، يتحدث لـ"خيوط" أن موسم شراء حلوى ومكسرات العيد في تعز بدأ مبكرا، منذ منتصف شهر رمضان، في حين كان يبدأ عند أواخره في الأعوام السابقة.
الفتى اليافع، كان مبتسماً وهو يتحدث، رابطاً بين ذلك الإقبال المبكر وبين توقف الدراسة، التي قطع سير فصلها الدراسي الثاني بسبب الإجراءات الحكومية للوقاية من فيروس كورونا؛ وهو ما أتاح له فرصة العمل بأريحيةٍ في هذا الموسم.
في قلب شارع جمال، وعلى بعد أمتار من مكان عبدالله، يعمل الحاج هلال ناصر، رجلٌ في العقد السادس من عمره، في "بَسْطةٍ" خشبيةٍ لبيع الفواكه، ولا يرى وجود أية مشاكلَ لما يسمى "كورونا"، حسب تعبيره.
الحاج هلال قال لـ"خيوط" إن شراء الفواكه يزداد يوماً بعد آخر، هذا العام، وسط إقبالٍ كبيرٍ للناس، مختصراً ارتياحه بالقول: "ربك كريم".
مع نهاية شهر رمضان المبارك واقتراب عيد الفطر، تزداد حاجة الناس لارتياد الأسواق والمتاجر، كما تُنظَّم سُفَرُ الإفطار الجماعي بشكلٍ دوريٍّ؛ الأمر الذي يثير حفيظة الكثيرين حول مدى خطورة ذلك على الحد من انتشار الوباء.
لا بد أن تشمل التوعية الإعلامية مظاهر التجمعات بكل أشكالها وأماكنها؛ إذ إن الفيروس لا يفرق بين شخص وآخر
في هذا الصدد، يفرِّق الإعلامي توفيق الشرعبي بين نوعين من التجمعات، قائلاً لـ"خيوط": "هناك فرقٌ بين عفوية الناس في تعز للخروج والتسوق دون وعيٍ بخطورة الوباء، وبين أن تدار هذه التجمعات ومظاهر الاكتظاظ من قبل بعض الجهات".
وينتقد بعض النشطاء على مواقع التواصل، ما أسموه "انتقائية النقد" من قبل إعلاميي وناشطي المدينة؛ إذ تُشنُّ حملاتٌ لرفض التجمعات المتعلقة بالأعمال الخيرية والشعائر الدينية، تحت مبرر الاحتراز والوقاية، بينما لا يتطرقون لاستمرار اكتظاظ أسواق القات، على سبيل المثال.
أمرٌ يشدد عليه الإعلامي الشرعبي، في معرض حديثه عن ضرورة عدم التمييز في فرض الاحترازات الوقائية، مستكملاً: "لا بد أن تشمل التوعية الإعلامية مظاهر التجمعات بكل أشكالها وأماكنها؛ إذ إن الفيروس لا يفرق بين شخص وآخر".
ويضيف الشرعبي: "الذهاب إلى أسواق القات سلوكٌ فرديٌّ يتحمل وزره المواطن وحده؛ غير أن الإفطار الجماعي يعني أن شخصاً واحداً ألقى بالعشرات إلى التهلكة، من أجل تمْرةٍ كان الأحرى توزيعها إلى المنازل".
هذه المظاهر الخطرة تحدُث يومياً في مدينة تعز، بالتزامن مع تفشٍّ متسارعٍ للإصابات بفيروس كورونا في المدينة، بحسب إحصائياتٍ رسمية.
"رغم الازدحام الملاحظ في شوارع تعز، إلا إن هذا لا يعني عدم وجود من يلتزمون بالحجر المنزلي وبالإجراءات الوقائية"، يقول المهندس ناظم فارع.
ويفسر فارع، وهو أحد سكان مدينة تعز، وجود هذه الأعداد الهائلة من الناس في شوارع المدينة بضيق مساحة التحرك، خصوصاً أن المدينة تشكل أكبر كثافةٍ سكانيةٍ في الجمهورية تتوزع في مساحاتٍ محدودةٍ، ما يسبب الازدحام.
ويضيف المهندس فارع لـ"خيوط": "أسواقٌ حيويةٌ، كشارع مستشفى الثورة مثلاً، فقدتْ مكانتها بسبب اندلاع الحرب التي جَعلتْ تعز محصورةً بين شارعين تقريباً".
في الشطر الآخر من المدينة، وعبر محادثةٍ هاتفيةٍ، يحكي حاتم، والذي يعمل على "بسطة" لمستلزمات الإكسسوار بمنطقة الحوبان، كيف أن قرار جماعة أنصار الله (الحوثيين) منع التداول بالعملة الجديدة، القادمة من مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ما ألقى بظلاله على حركة البيع والشراء، التي شهدت تدنياً ملحوظاً منذ قرار المنع. ووفقاً لحاتم، فإن تقلب سعر اصرف العملة الأجنبية أيضاً هو العنوان الأسوأ لهذه السنة، مقارنةً بما سبقها.
"العيد عيد العافية"
منذ زمنٍ طويلٍ، وهذه العبارة تَحضُر بين أوساط اليمنيين في العيد، كنوعٍ من المواساة للواقع الحزين الذي يعيشونه؛ لكنّها الآن، وفي زمن الوباء، تبدو حكمةً ثمينةً تنطبق على العالم أجمع.
أم عدنان، ربة بيت، ترى أن من الحكمة، هذا العام، تقليصَ الخروج من البيت، بسبب الخطر المحْدق. ويأتي حرصُها على صنع كعك العيد في المنزل حتى لا يخرج أولادها لشرائه، مؤكدةً لـ"خيوط" أنها جلبت احتياجاتها الكاملة لإعداد مختلف أنواع الكعك والحلوى للعيد كما هي العادة؛ لكن هذا العام بكمياتٍ أكبر.
انعكستْ جائحةُ كورونا على العالم كله سلباً؛ لكنها كانت أشدَّ وطأةً على اليمنيين الذين يعتمد معظمُهم على الحوالات الخارجية للمغتربين؛ حيث الحجْرُ المنزلي، الصارم في مناطق الاغتراب، حرمهم من العمل الذي كان يعُول آلاف الأسر.
قد يتقبل الواحدُ منا التزام المكوث بالمنازل وعدم الخروج لشراء كسوة العيد لنفسه تجنباً لكورونا، وهو ما اعتاد عليه الكثير من أرباب الأسر من قبل؛ غير أن هذا الإجراء لا يمكن إسقاطه على الأطفال
بين التزام التدابير وتوفير لقمة العيش
سمير البحيري، موظفٌ، يقول: "قد يتقبل الواحدُ منا قضية التزام المكوث بالمنازل وعدم الخروج لشراء كسوة العيد لنفسه تجنباً لكورونا، وهو ما اعتاد عليه الكثير من أرباب الأسر من قبل؛ غير أن هذا الإجراء لا يمكن إسقاطه على الأطفال، الذين يصعب إقناعهم بفكرة الفيروس"- حسب تعبيره.
ويضيف البحيري لـ"خيوط": "فرحة أطفالنا تَفرِض علينا كسْرَ التعليمات الصحية والوقائية، خاصةً أن رواتبنا هي الأخرى لم تصرفْ بعدُ إلى اليوم (20 مايو/أيار 2020)؛ وهو ما يحتم علينا التفتيش عن مصدر عيشٍ، أياً كانت العواقب".
ووفقا لمدير مدير مكتب الإعلام بتعز، نجيب قحطان لـ"خيوط": "فإن الاتصالات الرسمية من قبل محافظ المحافظة تجري بشكلٍ متواصلٍ مع الحكومة [المعترف بها دولياً] بشأن صرف رواتب موظفي مدينة تعز". وأضاف: "رغم المعضلات، إلا أن الأخبار تفيد بإمكانية الصرف خلال اليومين القادمين".
وكان مكتب الإعلام في محافظة تعز أعلن تسلم موظفي بعض مؤسسات الدولة لرواتبهم في 11 مايو/أيار 2020.
وأعلنت السلطات في مدينة تعز، حظراً للتجوال خلال أيام العيد، للتقليل من فرص اختلاط الناس، وتقليص المظاهر الاجتماعية في العيد، كالمصافحة والزيارات، وتبادل التهاني عن قرب.
____________________
الصورة ل : أحمد باشا