بعد انتهائه من عمله في توزيع الغاز المنزلي يصل أحمد إلى بيته وقت أذان المغرب، ليفطر مع أسرته ببضع تمرات وماء وما تيسر من الأكل. بعدها يستعد للذهاب إلى عمله في جمع النفايات بمدينة سيئون عاصمة وادي حضرموت (شرقي اليمن). يضطر أحمد كغيره من الشباب إلى العمل في جمع النفايات، في محاولة منهم لكسب لقمة العيش الحلال في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، يرتدي مئزراً (معوز) وقميصاً ممزقاً وحذاءً مهترئاً دون أي وسيلة للحفاظ على سلامته الجسدية والأخطار التي يتعرض لها خلال العمل.
حال أحمد كحال 500 عامل ميداني بوادي حضرموت يضطرون للعمل دون الحصول على أدنى متطلبات السلامة، كما يقول رئيس نقابة عمال النظافة بحضرموت صالح بامفتاح؛ فقد صرفت لهم الإدارة منذ ما يقارب العام والنصف بدلات حماية محلية الصنع لا تفي بالحد الأدنى من أسس السلامة المهنية كما يقول.
عمال النظافة في زمن كورونا
ومع ظهور حالات مصابة بمرض كوفيد-19(كورونا) في محافظة حضرموت، ازدادت معدلات الخطورة التي تواجه عمال النظافة، الذين صُرفت لهم بعض الكمامات القماشية محلية الصنع، والقفازات الخاصة بالممرضين، حسبما أوضح بامفتاح، فيما لم تصرف لهم بدلات حماية جديدة، ليضطروا للعمل بملابسهم العادية.
الخطر لا يزال قائماً
"إجراءات غير كافية"، كما قال الدكتور مصطفى الحبشي، الذي أوضح في حديثه لـ"خيوط" أن من الواجب أن "يحصل عامل النظافة والموظف العامل في مباني العزل على نفس لبس الطبيب المتواجد في المبنى". أما بالنسبة لعمال النظافة خارج المستشفى، فمن الضروري أن يكون لديهم ملابس وقاية مخصصة لهم بكافة تجهيزات الحماية، ومن ضمنها قناع للوجه كاملاً ولليدين. ذلك أن ضمن عملهم أن يقوموا برش مكبات النفايات، خاصة التي تقع في نطاق المستشفى ومراكز العزل، بمادة معقمة بما يكفي لقتل فيروس كورونا، الذي أثبتت الدراسات بقاءه على الأسطح لمدة ثلاث-سبع ساعات على أقل تقدير.
كما أشار الحبشي إلى ضرورة التوعية والتثقيف المستمرين لعمال النظافة وعائلاتهم بكيفية التعامل مع ملابسهم أثناء التنظيف، وغيرها من الاحترازات الضرورية للوقاية من فيروس كورونا.
جهد وفق الإمكانيات المتاحة
مدير صندوق النظافة المهندس عمر سليم قال في حديثه لـ "خيوط"، إن الصندوق عمل على برنامج متكامل بالتنسيق مع لجنة الطوارئ، بحيث لا يتم رمي المخلفات التي يتم إخراجها من المستشفيات والمحاجر الصحية في مكبات النفايات الاعتيادية، وأن تتكفل الجهات ذات الاختصاص بتعقيمها والتخلص منها بالطريقة الآمنة، كما أكد أن الصندوق قدم للعمال كمامات ومواد تعقيم وتطهير، وذلك لتوفير الحماية لهم خلال عملهم خاصة مع ظهور الجائحة. كما نفذ دورة تثقيفية في كيفية التخلص من المخلفات المشتبه بتلوثها بالفيروسات المعدية.
وتحصلت منصة "خيوط" على رسالة موجهة من مدير صندوق النظافة لمدراء الوحدات بالمديريات تنص على ضرورة توفير بدلات وقاية لعمال النظافة بأي طريقة كانت. توجيهات لم تلقَ أذناً صاغية كما يقول بامفتاح، الذي أكّد عدم تنفيذ مدراء الوحدات الأوامر بمبرر عدم توفر بدلات لدى المحلات التجارية في المدينة، الأمر الذي نفاه عدد من تجار أدوات السلامة في حضرموت.
من المهم وضع خطط لحماية عمال النظافة، وعدم تحولهم إلى عدوى متنقلة لعائلاتهم وجيرانهم.
رعاية صحية
إلى جانب القلق بشأن إجراءات الوقاية، يعاني العمال في مجال النظافة من عدم كفاية تكاليف الرعاية الصحية حين يحتاجون إليها؛ يقدم صندوق النظافة والتحسين بحضرموت في برنامج الرعاية الصحية مبلغ 100 ألف ريال يمني، لمن يجري عملية جراحية من العمال الميدانيين وغيرهم من منتسبي الصندوق، كما يقدم البرنامج مبلغ 50 ألف ريال يمني عند إجراء أحد أقارب العامل عملية جراحية، ويصرف مبلغ 150 ألف ريال كل ثلاثة أشهر للمصابين بالأمراض المزمنة بواقع 50 ألف ريال شهرياً. وهي مبالغ يعتبرها العامل في صندوق النظافة، محمد مطينقا، "غير كافية لمن يحتاج إلى إجراء عمليات كبرى". محمد قال لـ"خيوط" إنه أجرى عملية زرع دعامات للقلب في مدينة المكلا قبل حوالي تسعة أشهر (سبتمبر/ أيلول 2019)، مؤكداً أن رسوم العملية فقط، بلغ2500 $، أي ما يعادل (مليون وخمسمائة ألف ريال يمني تقريباً). وأضاف أن مكتب النظافة في المحافظة قدم له مبلغ 100 ألف ريال يمني، "وبعض المساعدات البسيطة التي لم تكفِ ولو بنسبة 1% من التكاليف".
جهل وفقر
التقصير في مجمله ليس محصوراً على الجهات الرسمية، خاصة في توفير أدوات السلامة، ولكن هناك تقصير من قبل بعض العمال، خاصة العاملين في المراكز الصحية، كما يقول العامل أحمد ميسرة في حديثه لـ"خيوط".
يقول ميسرة إن عمال النظافة في هيئة مستشفى سيئون "يمتلكون أدوات السلامة اللازمة"، التي قال إن "الجهات المعنية" صرفتها لهم عند ظهور الحالات المصابة بفيروس كورونا في حضرموت. غير أن بعض العاملين، بحسب ميسرة، لا يرتدون بدلات الوقاية أثناء عملهم اليومي في التنظيف، وخاصة العاملين في الأقسام البعيدة عن العزل، أما العاملون في العزل، فهم "ملتزمون دائماً بالملابس الوقائية".
وفي وسط كل هذه التصريحات والتناقضات، يبقى عامل النظافة في واجهة المخاطر، ما يستدعي رفع صرخته إلى الجهات المعنية، لوضع خطة عاجلة لحماية عمال النظافة فى الشوارع، ومنحهم قفازات وكمامات بأعداد كافية، بجانب المعقمات، لحمايتهم من العدوى، حتى لا يتحولوا إلى مصدر متنقل للعدوى لدى عائلاتهم وجيرانهم.
كما يجدر بالسلطات الرسمية التحرك سريعًا، بإصدار تعليمات صارمة وقوية، تلزم جميع العمال بارتداء الكمامات والقفازات والاهتمام بالتعقيم والنظافة الشخصية، وتقليل عدد ساعات العمل، خاصة أن هذا النوع من العمل يتطلب التواجد في الشوارع.
تحرير "خيوط"