تعيش مدينة تعز (جنوب غرب) على وقع أنباء تسجيل أول حالةِ إصابةٍ بفيروس كورونا فيها. في الأول من مايو/ أيار 2020. عقب إعلان الحالة الأولى في المحافظة بساعاتٍ، استقال رئيس لجنة الطوارئ في اللجنة الفرعية لمواجهة تفشي الوباء، ووكيل أول محافظة تعز؛ ما أثار تخوفاً كبيراً في أوساط السكان جراء ذلك .
تخلٍّ محليّ
يُرجع مراقبون محليون مبرراتِ قرار استقالة رئيس لجنة الطوارئ إلى ما سموها "حسابات سياسية" قالوا إنها لا تخدم مدينة تعز، في توقيتٍ حرجٍ كالذي تمر به حالياً، حسب تعبيرهم.
وفقاً للدكتور عبد المغني المسني، كبير الأطباء في مركز العزل "شَفَاك" بتعز، فإن قرار استقالة رئيس لجنة الطوارئ الخاصة بمكافحة فيروس كورونا في تعز منطقيٌّ؛ لكون محافظ المحافظة هو من يجب أن يتولى هذه المهمة، كما جاء في بيان الاستقالة.
وأضاف المسني لـ"خيوط" أن هذه الاستقالة غيرُ مستبعَدٍ أن يكون وراءها، من ناحيةٍ أخرى، "توجيهٌ حزبيٌّ" من الحزب الذي ينتمي إليه رئيس اللجنة، من أجل تجنب تبعات مسؤولية تفشي الفيروس -لا سمح الله- بالتزامن مع إعلان الحالة الأولى المدينة.
ظهور الإصابة الأولى بكورونا في تعز جعل السلطة المحلية في المدينة تُفعّل حزمة قراراتٍ بشأن إغلاق المساجد والمنافذ البرية، لكن جميع هذه القرارات لم تُنفّذْ على أرض الواقع
ويقول المسني إن حزمة القرارات التي أصدرها المحافظ جاءت متأخرةً، ناهيك عن أنه لم يتم تنفيذها "حتى اليوم" (13 مايو/أيار 2020).
وأضاف: "ليس هناك أيُّ نشاطٍ رسميٍّ يذكر، ولا حتى لمنظماتٍ دوليةٍ، كما يحدث في بقية المحافظات؛ وهذا مؤشرٌ كبيرٌ لغياب الدور السياسي لمسؤولي محافظة تعز"، لافتًا إلى أن المؤسسات الخيرية والشبابية هي من تحركتْ، خلال الفترة الماضية، بإمكانياتها البسيطة من خلال إلصاق المطبوعات التوعوية.
ويشكو كثير من أهالي تعز الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من تهاونَ سلطات المدينة في تنفيذ القرارات التي أصدرتها .
في هذا الصدد، يقول محمد التويجي، مصوّرٌ صحفيٌّ، لـ"خيوط" إن "هناك إهمالٌ كبيرٌ من قبل السلطة المحلية، وخصوصاً المحافظ، بخصوص تنفيذ الإجراءات الاحترازية، وإغلاق المنافذ البرية".
ويضيف التويجي أن الإعلام وشخصيات المجتمع المدني طالبوا، مبكراً، بضرورة الإغلاق وإلزام المخالفين بتنفيذ الإجراءات الاحترازية، لافتًا إلى أن تسرب المسافرين من المناطقَ التي أُعلن فيها عن حالاتٌ مصابة بكورونا، "ما تزال قائمةً إلى اليوم" (13 مايو/ أيار 2020).
مخاوف مجتمعية
بمرور وقت قصير منذ إعلان الحالة الأولى، بدأ الناسُ يشعرون نسبياً بخطورة الوباء، وبدأتْ معها إجراءاتٌ جادةٌ من قبل بعض فئات المجتمع وبعض الموظفين في الجهاز الإداري، من أجل التصدي للوباء؛ غير أن كثير مازالوا غيرَ مُصدّقين، على الرغم من تأكيد الإصابة ونقلها إلى مركز العزل في مستشفى الجمهوري.
يقول أركان اليوسفي (31 سنة) إن ما قبل الإعلان عن أول حالة كورونا بتعز ليس كما بعده، مؤكداً أنه فرَضَ على نفسه وعائلته قيوداً وقائيةً صارمة.
حالة كورونا الأولى بتعز وصلتْ في وقتٍ متأخرٍ من منتصف ليل الجمعة، ليتم إعلان حالة الطوارئ، وسط ارتباكٍ غيرِ مسبوقٍ للكادر الطبي
ويضيف اليوسفي لـ"خيوط": "كنا نتعامل مع كورونا كأحداثٍ نشاهدها على التلفاز فقط، واليوم هو بيننا، وعلى الجميع الالتزام بتعليمات الوقاية.
وصول متأخر للحالة الأولى
من جانبها، تقول حنين القباطي، من سكان حي الجمهوري وإحدى العاملات في المستشفى الذي يحمل اسم الحيّ نفسه، إن الحالة المصابة بكورونا في تعز وصلت في وقتٍ متأخرٍ من منتصف ليل الجمعة 1 مايو/ أيار 2020، وعلى إثر ذلك تم إعلان حالة الطوارئ في المستشفى، وسط ارتباكٍ غيرِ مسبوقٍ للكادر الطبي.
وتحكي حنين لـ"خيوط" عن هلعَ السكان في المنطقة عند علمهم بوجود أول حالة كورونا بالقرب منهم؛ وهو ما أدى إلى احتجاجاتٍ في اليوم التالي تطالب بنقل مركز العزل إلى منطقةٍ بعيدةٍ آمنةٍ عن الحي الذي يتواجد فيه المشفى .
في سياقٍ متصلٍ، قال الدكتور نشوان الحسامي، مدير المستشفى الجمهوري بتعز، لـ"خيوط " إنه ومنذ اللحظة الأولى التي تلقّتْ فيه إدارة المشفى بلاغاً بوجود حالة كورونا تم تهيئة الكادر الطبي بمستلزمات الحماية وإغلاق بقية الأقسام، تحسباً لانتقال العدوى.
وأضاف الحسامي أن قسم العناية المركزة في المشفى يحتوي على خمسة أسرّة طوارئ، تم تخصيصها بالكامل لحالة المصاب الأول يومها، تفادياً لأي شكلٍ من أشكال انتقال العدوى. وأشار إلى أن إدارة المستشفى "في إطار تجهيز مركز عزلٍ مكتملٍ يتكون من 9 أسرّة طوارئ، بدعمٍ من منظمة الصحة العالمية، سيتم افتتاحه خلال الأيام القليلة القادمة".
وأردف الحسامي بأن عدداً من أقسام مستشفى الجمهوري قد عادت للعمل بشكلٍ طبيعيٍّ، باعثاً برسائلَ طمأنة إلى كل سكان الحي الذين أصابهم الخوف مع قدوم أول حالة مصابة بفيروس كورونا .
جنازة الموت المخيفة
وكان مكتب الصحة في تعز أعلن، الأربعاء 6 مايو/ أيار 2020، عبر مؤتمرٍ صحفيٍّ، وفاة أول حالة إصابة بوباء كورونا في المدينة، بعد ستة أيام من إعلان إصابتها بالفيروس.
وتداول نُشطاءُ صوراً تُظهر جنازة المتوفّى، يشيعها عشرات من الأهالي؛ وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول سماح السلطات المحلية بذلك، ومدى خطورة أمرٍ كهذا في مسألة انتقال العدوى.
منير الحُمَيْدي، رئيس فرق الاستجابة في مكتب الصحة بتعز، قال إن هناك بروتوكولاً عالمياً من منظمة الصحة يَعتبر أن الجثة غيرُ معديةٍ ما لم يتم ملامستُها.
وأضاف لـ"خيوط" أن انتقال العدوى دائماً ما يأتي عن طريق المفرزات، مثل العطس والملامسة؛ وهو ما تفاداه مكتب الصحة من خلال التعقيم المستمر لكادر العزل، وحفظ الجثة داخل كيسٍ طبيٍّ مُحْكَمِ الإغلاق مخصصٍ من "الصحة العالمية".
هشام فاروق، طبيب في مركز العزل بمستشفى الجمهوري، قال لـ"خيوط" إنّه يجب التعامل مع المتوفى، باعتباره ناقلاً للمرض، لأن الفيروس يكون بمراحلَ نشطةٍ حتى بعد وفاة المريض، مضيفا أن "هناك دراساتٌ وأبحاثٌ وتجاربُ تقول إن المتوفى يجب أن يوضع داخل كيسٍ ثم في تابوتٍ خاصٍّ بالموتى، بعيداً عن أي تشييعٍ أو ملامسة".
وعن مزاعمَ كانت أثيرت حول تحمُّل الحالة المصابة بفيروس كورونا تكاليف باهظة في مستشفى الجمهوري، قال فاروق إن أهالي المريض بوباء كورونا كانوا يقومون بشراء الأدوية التي لا تتوفر في صيدلية المستشفى، وأغلبيتها كانت على حساب المريض؛ وهو ما أكده (م. ح)، أحد مرافقي المريض. غير أن استدرك أن الحديث عن خسائر بالملايين من أجل إصلاح جهاز الكشافة بغرفة العناية المركزة، "غيرُ صحيح".
وأضاف مرافق المريض، على صفحته في "فيسبوك"، أن إدارة المشفى تكفلت بجميع متطلبات العمل الطبي المتواجد لديها، وأن تعامل أطباء وموظفي المشفى كان بصورةٍ حسنةٍ خلال فترة بقاء الحالة التي يرافقها- حسب تعبيره.
متاعبُ إضافيةٌ
إلى ذلك، ازدادت مخاوف الناس في تعز، بعد وفاة أول حالة إصابة بفيروس كورونا وهروب حالةٍ أخرى من العزل الصحي، متسائلين عن الإمكانيات التي في حوزة السلطات الصحية والأمنية في المدينة.
وكان رئيس مركز "شفاك" نشر بلاغاً للسلطات الأمنية بهروب حالة إصابةٍ مؤكدةٍ بفيروس كورونا، ظُهر الثلاثاء 12 مايو/ أيار 2020، من مركز العزل في منطقة "بير باشا" (غرب المدينة)، بمساعدةِ جماعةٍ مسلحة .
وبحسب الدكتور منير الحميدي، فإن مكتب الصحة بتعز أرسل مذكرةً رسميةً إلى إدارة أمن المحافظة، للتصرف حيال ذلك وإعادة المريض إلى مركز العزل، لكن استجابة الجهات الأمنية كان بطيئاً، ومتساهلاً في "اتخاذ الإجراءات اللازمة". وكان الحميدي قال إن الحالة المصابة كانت لا تزال خارج العزل حتى يوم الأربعاء 13 مايو/ أيار 2020، وبعد التواصل مع مدير مديرية "الموادم"، تم إلزام المصاب بالحجر المنزلي.
يقول محمد فيصل، طالب جامعي، إن حالة الهروب هذه ربما تأتي لتخوف المصاب بالفيروس من الوصمة الاجتماعية، والتشهير اللذات يتعرض لهما مصابو كورونا. وأضاف: "الأمر ليس مفاجئا بقدر ما هو تراخٍ وعدمُ تأمينٍ من قبل الجهات الأمنية لتلك المراكز".
ويتساءل كثير من سكان مدينة تعز عن الإمكانيات الصحية للسلطات الحكومية، في ظل التفشي الملاحظ للوباء العالمي في كل يوم.
ووفقا للحميدي، فإن ما يتواجد حالياً من مراكز عزلٍ في المحافظة هما مركز مستشفى الجمهوري، والذي "تجري الجهود لتأهيله بسعةٍ أكبر"، وكذلك مركز "شفاك" في منطقة "بير باشا"، التابع لمؤسسة حمود سعيد المخلافي.
وانتقد الحميدي ما أسماه تخاذل قيادات السلطة، منذ ظهور أول حالة إصابةٍ بفيروس كورونا، قائلاً إن "جميع مستشفيات المدينة ستتحول إلى مراكز عزلٍ، بشكلٍ تلقائيٍّ، وفق إمكانياتها، إذا ما تضخّم الوباء، لا قدّر الله، موضحاً بأن التوجه الأكبر الآن مُنصبٌّ نحو المؤسسات الخيرية غير الرسمية .
وكشف الحميدي لـ"خيوط" عن نفاد محاليل (PCR) من مختبرات تعز لفحص المصابين بفيروس كورونا، موضحاً بأن ما تلقّاه مكتب الصحة اليوم (الأربعاء 13 مايو/ أيار 2020، هو "50 فحصاً فقط".
يذكر أن اليمن سجلت، منذ العاشر من أبريل/ نيسان 2020، عشرات الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا؛ في ظل توقعاتٍ وتحذيراتٍ أمميةٍ من انفجار الوضع أكثر، نظراً للإمكانيات الهشّة للقطاع الصحي في البلاد.