خيوط الفجر
العالم كله يعيش لحظةً فارقةً، من تلك الساعة التي أعلنتْ فيها الصين ظهور فيروس كورونا.
وإلى اللحظة التالية التي نعيشها، مازال العالم كله، غَنِيّهِ وفقيره، يعيش زمنَ رعبٍ، نحن -أبناءَ هذا الزمن- لا نعرف له مثيلاً.
يُخيّل إليك أن العالم، بل هو كذلك، يعيش حرباً عالميةً ثالثةً؛ لكن رحاها تدور بأسلحةٍ أخرى، وعدوٍّ يواجهه العالم لا يعرفه، ولا يدري له شكلاً سوى ما تقدمه صوَرُ التخيل في المختبرات ومعاهد البحث.
العالم المتقدم فوجئ به؛ هذا العدو الذي قتل إلى الآن الكثيرين وأصاب الأكثر، ولا يزال مستمراً يتقدم في صدور الناس غنيهم قبل فقيرهم …نحن لم نفاجأ ، فالوجع جزء أصيل من مجمل حياتنا.
توقفت الحياة تقريباً، وصارت السماء أكثرَ زرقةً؛ لكن الناس تعاني، وإن أصبحت الأرض أكثر اخضراراً، وخفّتْ نِسَبُ التلوث إلى درجةٍ لم يتوقعها أكثر العلماء تفاؤلاً. تبرز أمريكا هنا، في هذه النقطة، دولةً متمردةً رفضت التوقيع على اتفاقيات المناخ والاحتباس الحراري.
العالم المتقدم في ناحيةٍ يحارب، بكل ما أوتي من قوةٍ ورأسمالٍ، للحصول على لقاحٍ يوقف العدوانَ، بدون جدوى حتى اللحظة؛ برغم "ريميسيفير" الأمريكي، الذي يقلص فترة الشفاء لا أقل ولا أكثر.
يُخيّل إليك أن دول ذلك العالم تتسابق على سُوق الدواء الآن، والهدف سوق العالم الفقير الذي سيقتطع قيمته من قيمة اللقمة.
سينتقل العالم إلى طورٍ آخر؛ فيما سنجد اليمني يَعُد خسائره في حروبٍ على كل جبهات الحياة: حرب المدافع، حرب الفقر والجوع، حروب البطالة، حرب البحث عن مستقبل لا ندري ماذا نقول لأحفادنا عن سر غيابه
يمنياً، سُيِّس الفيروس، وصار جزءاً من الحرب بين الأطراف، وظهر أن كل طرف يستخدمه ضمن أجندة تصفية الحساب؛ لذلك لا يدري المواطن المُحيَّد حقيقةَ الفيروس المُيَمْنَن، كم عدد حالات الإصابة، ومن تُوفّي ومن لازال ينتظر.
تتحول وسائل التواصل الاجتماعي، كل ليلةٍ، إلى نظرية المؤامرة، في كل اتجاهٍ تبحث عن بصيص معلومةٍ لا تتوفر عمداً، بسبب حسابات تسوية الحساب .
حتى يُقيّض الله لهذا الشعب من يبحث عن الحقيقة ويقدمها للناس، ستظل المعلومة مغيبةً عمداً، وسيظل اليمني تائهاً بين حربيْن؛ ما لم يُقْنع العالمُ هذه الأطراف في الجمهوريات اليمنية على توحيد الوسيلة، مواجهةً للفيروس.
على أنه في الطريق، سترى الضحايا تحت عناوين الكوليرا والمُكَرْفِس والضّنَك يتراصّون في نفس اللحظة التي قد يفتك الفيروس بالناس، ولا أحد يدري إليه سبيلا، حتى تفرج الحسابات السياسية، حسابات الحرب، عن المعلومة، وعن الحقيقة بالتالي.
هذا هو قدر الفقراء: أن يقتل الأملَ في النفوس أمراءُ الحرب، شِئنا أن أبيْنا. ويظهر من يقول بكبرٍ وغباءٍ مبالَغيْن: "ألسْنا ننتظر الموت دائما".
سينتقل العالم إلى طورٍ آخر؛ فيما سنجد اليمني يَعُد خسائره في حروبٍ على كل جبهات الحياة: حرب المدافع، حرب الفقر والجوع، حروب البطالة، حرب البحث عن مستقبل لا ندري ماذا نقول لأحفادنا عن سر غيابه. أما أولادنا فجزءٌ من وقود الحرب.
لا بد للتاريخ أن يقول يوماً إن كل الأطراف خانت الناس، وسيّسَت الذي لا يُسيّس.