يعيش المغتربون اليمنيون في المملكة العربية السعودية أوضاعاً أقرب للمأساوية، داخل غُرَف الحجْر الصحي. فهم ممنوعون من الخروج تماماً في بعض مناطق المملكة، لاسيما الرياض وجدة ومكة والمدينة المنورة؛ حيث ترتفع معدلاتُ الإصابة بفيروس "كورونا" كل يوم. رغم مرور أكثر من شهرٍ على قرار الحجر الصحي في السعودية، لم يعلَن حتى الآن (نهاية أبريل 2020)، عن إصابة أحد المغتربين اليمنيين بـ"كورونا"؛ لكن أوضاعهم النفسية تتدهور بصورةٍ متسارعةٍ: عائلاتُهم، التي تعتمد على تحويلاتهم المالية، في وضعٍ معيشيٍّ بائسٍ، وقلقةٌ عليهم أيضاً.
محتجزون في البَرّ
يقول عبد الله ملاطف، وهو أحد المغتربين في الرياض: "عائلتي بلا مصاريف، وأنا لا أستطيع فعلَ شيءٍ لأجلها، لأنني داخل سجن". كما يصف الحجرَ الصحيَّ، الذي يمنعه من الدخول والخروج، بـ"الظالم"، وبأن "أضراره أكبر من فوائده"، حسبما يرى.
يعمل عبد الله داخل أحد "مخيمات البَرّ"، وهو الآن يقبع، ضمن مجموعةٍ من أهالي منطقته، داخل تلك المخيمات، في أوضاعٍ نفسيةٍ وماديةٍ سيئةٍ للغاية، كما يقول. دخل هذا الشاب المملكة العربية السعودية بفيزا رسمية، في العام 2018. ورغم أن موسم الأمطار في الرياض هو أحد "مواسم الرزق"، بالنسبة للعاملين في تلك المخيمات في ضواحي مدينة الرياض، حيث تقصدها آلافُ العائلات السعودية أيام الأمطار وفي ليالي الشتاء، إلا أن الحظ لم يبتسم لعبد الله ورفاقه هذه السنة.
يقول علي بن علي، الذي يعمل حارساً لأحد "مخيمات البر": "نعيش وكأننا في صحراء مقفرة؛ لا أحد يزورنا ولا نستطيع أن نذهب إلى أي مكان". ويضيف: "لا يوجد معنا مصاريف، حيث كنا نأكل ونشرب من عائد العمل اليومي، عندما كانت مخيمات البر تعجّ بالزوار كل ليلة".
ترحيل قسري للأجانب المخالفين
في مدينة جدّة الساحلية، يعيش عشراتُ الآلاف من المغتربين اليمنيين الوضعَ نفسَه وأشدّ. "لا خروجَ ولا دخولَ، كل واحد في مكانه منذ أكثر من شهر، وأي أجنبي يخرج، ينتظره ترحيلٌ فوريٌّ؛ بينما يعاقب المواطن السعودي، إذا خرج، بدفع غرامة قدرها 10000 ريال"، هكذا قال محمد العاقل (60 عاماً)، والذي يعمل طباخاً في أحد مطاعم جدة، منذ 30 سنة. "لم يسبق أن مررنا بظروفٍ نفسيةٍ مثل هذه الفترة أبداً، ضاقت علينا الدنيا بما رَحُبت". أضاف العاقل، مشيراً إلى الثقل الرهيب للوقت الذي يقضيه في الحجر الصحي داخل شقة من غرفتين، مع عشرة عمال مغتربين من اليمن. ويتساءل: "ما هذا يا مسلمين؟! اعطونا إجازة نخرج نصوم رمضان بين أولادنا، بدلاً من البقاء داخل هذا السجن!".
معلّقٌ بين مدينتين
مالك المطعم، الذي يعمل فيه محمد العاقل ورفاقه، هو مغتربٌ يمنيٌّ أيضاً، ويعاني ظروفاً نفسيةً قاسيةً؛ حيث يقبع هو الآخر تحت إجراءات الحجر الصحي في العاصمة الرياض، التي قصدها قبل أن تصدر السلطات قرار منع التنقل. إنه يَعُدُّ أيامَ وليالي الحجر الصحي الإجباري في ضيافة أحد معاريفه في حي "العزيزية". "أنا في الرياض، بعيدٌ عن محلاتي الثلاثة في جدة وعن عمالي، وعن عائلتي في اليمن، متعبٌ جداً من ارتفاع السكّري، وأصبحت أعاني من وضعٍ نفسيٍّ صعبٍ. أنا في ضيقةٍ لا يعلمها إلا الله"، قال أبو أمجد العديني.
الحالةَ نفسَها يعيشها عاملٌ يمنيٌّ آخر، قرّر الذهاب إلى الرياض لزيارة عمّه لمدة يومين فقط، والعودة إلى مكان عمله في "كُبرِي 10" بمدينة جدة. لكن قرار منع التنقل قيَّده هناك، وحال دون رجوعه. يقول، في رسالة عبر الإنترنت: "أنا عبده ثابت رضوان، عمري ما مرّيت بهذه الحنبة"؛ في إشارة إلى كونه عالقاً. ويضيف، مُبدياً ندمَه على القيام بتلك الزيارة: "لا تتوفر لديّ قيمة سداد فاتورة الموبايل لكي أستطيع اتصل وأطمئن على الوالد والوالدة في اليمن".
الكثير من عائلات المغتربين تشكو من نفاد مصاريف المعيشة لديها، بسبب انقطاع التحويلات الشهرية من عائليها في بلاد المهجر. كما أن محلات الصرافة في صنعاء هي الأخرى تشكو تراجُعَ نسب تحويلات المغتربين بشكلٍ غيرِ مسبوق
كان الوضع في "محايل" عسير، وبعض المدن السعودية الجنوبية، أفضل من غيرها. كان الناس يستطيعون التحرك وقضاء أعمالهم؛ حيث كان قرار حظر الحركة لا يزال جزئياً، كما يفيد حمود محمد العُبيد، مضيفاً: "إلى أن جاء رمضان، فقرروا الحظر الكامل والبقاء داخل البيوت. والآن لنا يومين (أول يومين من رمضان الجاري) داخل العُزْبة، وكأن اليوم جبل على ظهري". بالنسبة لهذا العامل، المسألة نفسيةٌ فقط، وليست ماديةً؛ فهو موظفٌ لدى شركةٍ معروفةٍ ويتقاضى راتبه شهرياً: "راتبي أستلمه، سواء اشتغلت أو بقيت في الحجر الصحي، لكن الفراغ يجلب الضيق، خاصة أننا جالسين بين أربعة جدران".
لا تحويلات هذا الموسم
هذه مأساةٌ حقيقيةٌ يعيشها المغترب اليمني، وتحديداً العاملُ بالأجر اليومي، في كل مكان. الحجر الصحي، بالنسبة لهذه الشريحة، يعتبر خسارةً فادحةً؛ حيث يتكبدون، إضافة إلى مشاقّ الغربة عن الأهل والوطن، البقاءَ بدون عمل، ليصرف بعضهم من مدّخرات الشهور السابقة، وهي خسارةٌ لا يعرفون متى يستطيعون تعويضها، لاسيما إذا لم تُصدِر البلدان التي يعملون فيها قراراتِ عفوٍ عن دفع رسوم تجديد الإقامة، ناهيك عن المبلغ الذي يتوجب دفعه للكفيل.
الكثير من عائلات المغتربين تشكو من نفاد مصاريف المعيشة لديها، بسبب انقطاع التحويلات الشهرية من عائليها في بلاد المهجر. كما أن محلات الصرافة في صنعاء، هي الأخرى، تشكو تراجع نسب تحويلات المغتربين بشكلٍ غير مسبوق. صابر نعمان، وهو ضابط كبينة استلام حوالات في شركة صرافة معروفة، فضّل عدم ذكر اسمها، قال لـ"خيوط"، واصفاً تدنّي نسبة التحويلات المالية الخارجية: "رمضان، هذه السنة، صِفْر على الشمال، لا حوالات ولا حركة، بسبب كورونا". ويضيف: "إذا استمر الوضع طويلاً هكذا، ستغلق شركات الصرافة أبوابها، وسوف تعاني آلاف الأسر من الجوع. شريحةٌ كبيرةٌ جداً من الشعب اليمني تعيش على تحويلات المغتربين".
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات السعودية أصدرت قراراً برفعٍ جزئيٍّ لحظر التنقل، من يوم "الأحد 3 رمضان المبارك 1441هـ الموافق 26 أبريل 2020م، وحتى يوم الأربعاء 20 رمضان 1441هـ الموافق 13 مايو 2020م، وذلك من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، مع الإبقاء على منع التجول الكامل على مدى (24) ساعة، في كلٍّ من مدينة مكة المكرمة والأحياء التي سبق الإعلان عن عزلها في القرارات والبيانات السابقة". كما استثْنت السلطات السعودية بعض الأنشطة التجارية التي كانت أقرّت إغلاقَها سابقاً، كالمراكز التجارية المختصة باحتياجات رمضان وعيد الفطر.