يتحدث سمير مراد بحرقةٍ وألمٍ شديديْن، وهو يحكي قصةَ تحوُّلِه من مهندسِ بترولٍ إلى رصيف البطالة، لقد كان قراراً صادماً عندما أخبرهم مدير الشركة النفطية، التي كان يعمل فيها، مع نهاية 2016، أنها ستُضطر إلى إعطائهم إجازةً مفتوحةً بدون راتبٍ، في ظل استمرار الوضع الراهن وعدم القدرة على الإنتاج وارتفاع تكاليف الكهرباء والوقود، والتضييق المستمر بسبب الحرب والصراع الدائر.
سمير، ونحو 30 عاملاً، زملائه في الشركة، وجدوا أنفسهم فجأةً على رصيف البطالة، وهم آخر دفعةٍ يتم تسريحها، بعد أن سُرّح العشراتُ منذ بداية الحرب، إلى جانب أعدادٍ أخرى سبقتْهم من مختلف القطاعات الخاصة؛ حيث توقفت العديد من الأعمال التجارية والاقتصادية والاستثمارية وشركات النفط والغاز والمعادن، وغيرها.
وتسببت الحربُ، التي دخلتْ عامَها السادس، مصحوبةً بفيروس كورونا، بتسريح أيادٍ عاملةٍ يتجاوز عددُها، وفق تقديرات اتحاد عامل اليمن ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة المعترف بها دولياً، في تقرير أصدرته العام الماضي، نحو 5 ملايين عامل.
ومع استمرار الحرب وما أفرزتْه من تبعاتٍ مؤثرةٍ تُفاقم الأوضاع الاقتصادية، وتأثير ذلك على القوى العاملة وارتفاع نسبة البطالة، المرتفعة أصلاً منذ سنوات، وانعكاسها على اتساع رقعة الفقر في اليمن، فإن الخطورة لا تتوقف عند هذا الحد فحسب؛ بل إن شظايا انعكاساتها تنمي مشكلةً خطيرةً غيرَ مرئيةٍ، تتمثل في العاملين بالقطاع غير الرسمي، عمال الأجر اليومي، ممن يزداد عددُهم كل يوم كفئةٍ ضخمةٍ ضعيفةٍ، معرضةٍ للصدمات الخارجية، ومصيرُها أصبح مجهولاً؛ الأمر الذي يجعلها تحت طائلة الاستقطابات من قِبل مختلف الأطراف المتحاربة، لتحويلهم إلى مقاتلين في الجبهات وإفراغ البلد من القوى العاملة.
من هؤلاء عبدالله (33 سنة)، الذي كان يعمل في مصنعٍ لـ"البُلُك" (الطوب الخرساني) والأحجار في محافظة حَجّة (شمال غرب)، واضطر للسفر إلى صنعاء بعد أن توقفت هذه المنشاَة التي كان يقتات منها، تهرباً من محاولات تجنيده.
يقول عبد الله، الذي يبحث عن عملٍ في صنعاء، لـ"خيوط": "حَوّلت الحرب حياتنا إلى جحيمٍ، بعد أن شرّدتْنا من أعمالنا ومناطقنا"، مضيفاً أن حمل السلاح أصبح العملَ الوحيدَ المتوفرَ في أغلب المناطق اليمنية.
في المقابل، شهدتْ عدن، ومختلفُ المحافظات الجنوبية من اليمن، تحشيداً عسكرياً هائلاً من قبل دول "التحالف العربي"؛ حيث جُنّدت أعدادٌ كبيرةٌ من مختلف الفئات العمرية، في إطار تشكيلاتٍ عسكريةٍ متعددةٍ، وهو ما انعكس على وضعية المؤسسات العامة والخاصة، التي وجدتْ نفسها تعمل في ظروفٍ صعبةٍ وغيرِ مستقرة.
تسريحٌ متواصلٌ منذ بداية الحرب وإغلاق نحو 60% من منشآت الأعمال في الصناعة والتجارة والخدمات، وتضرر 67 مصنعاً ومعملاً بشكلٍ مباشرٍ، وآلاف المشاريع الصغيرة شبه متوقفة عن العمل
ذكرى العمال الأليمة
مع فقدان عدد كبير من العمال وظائفهم في القطاع الخاص، أو توقفتْ رواتبُهم كموظفين في القطاع العام، أصبح عيدُ العمال عبارةً عن ذكرى أليمةٍ تُذكّرهم بأنهم كانوا في يوماً ما عُمالاً وقوةً منتجةً وفاعلةً في المجتمع، كما يقول أحمد العزاني.
كان العزاني يعمل في أحد مكاتب المؤسسات الدولية بصنعاء، والذي تم تسريحه نتيجة إغلاق المؤسسة لمكتبها في اليمن؛ وهو ما دفعه للبحث عن عملٍ، حيث استقر به الحال إلى استئجار سيارة "تاكسي"، يعمل بها لكسب معيشته. يؤكد أحمد لـ"خيوط" أن هناك ضرراً كبيراً لحِقَ بهم، بعد أن كان يستلم راتباً مُجْزياً بالعملة الصعبة، والآن يكافح بجهدٍ شاقٍّ لتوفير لقمة العيش له ولأسرته. وهو يتمنى أن "تنجلي هذه الغُمّة" ويستقرَّ الوضع وتعودَ الحياة من جديدٍ، لأن هناك الكثيرَ من المتضررين من هذه الأوضاع يعيشون حياةً صعبة.
واضطر فؤاد داغش، النازح من الحديدة إلى صنعاء قبل أكثر من عامٍ، نتيجة الحرب التي شهدتْها المحافظةُ الساحلية، إلى العمل في تجميع المواد البلاستيكية والمعدنية؛ إذ دفعتْه الالتزاماتُ المعيشية وإيجار المسكن للبحث عن أيّ عمل، وكان تجميع المواد البلاستيكية هو المتاح أمامه، وفق حديثه لـ"خيوط".
ويشكو فيصل عامر (عامل بِناء) من عدم قدرته على إيجاد عملٍ وإعالة أسرته، المكونة من 7 أفراد، وعدم استطاعته توفير احتياجات ومصروفات أولاده الذين يدرس بعضهم في التعليم الأساسي، والبعض في الجامعة؛ الأمر الذي أدى إلى توقفهم عن التعليم.
حسب تقاريرَ وخبراءَ، فإن الحرب الراهنة في اليمن أدت إلى توقف العديد من الأعمال والشركات والمؤسسات العامة والخاصة؛ حيث أدى توقّف بعض الشركات ومصانع الأسمنت إلى تسريح نحو 50 ألف عامل، بينما توقُّفُ شركات التنقيب والاستكشاف والإنتاج النفطي والصناعات الغذائية والمواد المعدنية والبلاستيكية أثّر على وضعية آلاف الأيدي العاملة، وانتظارهم في رصيف البطالة أيَّ بارقةِ أملٍ لاستقرار الأوضاع من جديد، بالإضافة إلى تأثير هذه الوضعية على توقّف مكاتبَ ومؤسساتٍ تمويليةٍ دولية، وهناك العشرات من الأيدي العاملة تعمل بهذه المؤسسات.
الباحث الاقتصادي توفيق السلامي يقول لـ"خيوط" إن اليمن أصبحت –رسمياً- بلداً بدون قوة عملٍ، مع انهيار الاقتصاد وتوقف الأعمال. وبات سوق العمل مكتظاً بالبطالة، خصوصاً في المناطق التي تشهد فَرْضَ سياساتِ تحشيدٍ وتجنيدٍ وفرض جباياتٍ وإتاوات على الأعمال التجارية، وتضييق وسياسات تطفيش أدت إلى توقف أغلب الأعمال وهجرة رؤوس الأموال.
ويشير إلى نقطةٍ هامةٍ في هذا السياق، تتمثل في استنساخ مؤسسات الدولة من قبل أطراف الصراع، وتطفيش وتهجير رؤوس الأموال والقطاع التجاري والمالي، وتكوين اقتصادٍ ورأس مالٍ خاصٍّ بإدارةٍ مغلقةٍ فقط على عناصرها، وتأسيس شركاتٍ في قطاعاتٍ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ محددة، مثل قطاع النفط والغاز، للسيطرة على هذا السوق الذي يدر عليها أموالاً طائلة.
من جانبه، يقول سالم السعيدي (رجل أعمال) لـ"خيوط" إن أزمة الوقود وازدهار السوق السوداء، والكهرباء المتوقفة، أثرت بشكلٍ كبيرٍ على الأعمال التجارية والصناعية وتوقف الإنتاج والخدمات العامة، مشيراً إلى أن أغلب المنشآت الصغيرة والمتوسطة اضطُرت إلى إغلاق أبوابها بسبب الأوضاع التي يعيشها البلد منذ مطلع العام 2015، والتدمير المادي الذي تتعرض له، وفقدان رأس المال وتراكم المديونيات.
وسَرّحت الشركاتُ وقطاع الأعمال، حسب بياناتٍ رسميةٍ، أعداداً كبيرةً من الأيدي العاملة، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسلطات أنصار الله (الحوثيين)؛ حيث قُدرتْ نسبة التسريح في صنعاء بـ85% من العمال مع نهاية 2017. وفي صعدة، سَرّحت الشركات 80% من عمالها، وتعز 78%، وفي أبين 50% وفي حجة وصلت النسبة إلى 73%.
ويكشف تقريرٌ صادرٌ عن الغرفة التجارية والصناعية في صنعاء عن تضرر 67 مصنعاً ومعملاً بشكلٍ مباشرٍ، وآلاف المشاريع الصغيرة شبه متوقفة عن العمل، بالإضافة إلى الأضرار غير المباشرة وتسريح الآلاف من العمال نتيجة لذلك.
اليمن يبحث عن طوق نجاة
يمر اليمن، اليوم، بلحظاتٍ تاريخيةٍ حرجةٍ في غاية الصعوبة والتعقيد؛ حيث بات يبحث عن طوق النجاة، والأمواج تتقاذفه من كل اتجاهٍ؛ من حربٍ وصراعٍ وتفككٍ، والآن تبعات فيروس كورونا، فاقداً للبوصلة، لا يعلم إلى أين، ومتى وكيف يمكنه الوصول إلى بر الأمان.
شهد اليمن، في العقود الأخيرة، دوراتِ صراعٍ وحروباً متعاقبةً؛ لكن الحرب الجارية هي أشدُّ الصراعات ضراوةً وتدميراً، سببت أعلى الخسائر في رأس المال البشري
وفي هذه الأجواء، يعاني الاقتصاد اليمني جِراحاً عميقةً بددت إمكاناتِه الماديةَ ومواردَه المالية والبشرية، وتوقفتْ عجلةُ الإنتاج مع اهتزاز القطاعين العام والخاص، وإفراغ سوق العمل من الأعمال ووسائل الدخل وسبل المعيشة.
شهد اليمن، في العقود الأخيرة، دوراتِ صراعٍ وحروباً متعاقبة؛ لكن الحرب الجارية هي أشدُّ الصراعات ضراوةً وتدميراً، والتي سببت أعلى الخسائر في رأس المال البشري والمادي والاقتصادي للبلاد.
ويدفع اليمن، كل يومٍ، جزءاً من موارده البشرية الثمينة ومكتسباته المادية المتواضعة ثمنا لاستمرار الحرب؛ إذ تحولت القوى العاملة إلى قواتٍ مقاتلةٍ مُتخنْدقةً مع مختلف أطراف النزاع، وانتشرت الأمراضُ الوبائية القاتلة، علاوةً على النزوح الداخلي والخارجي وهجرة الكفاءات.
وفي مسارٍ موازٍ، تعرضت المرافقُ والأصول المادية لأضرارٍ بالغةٍ قُدّرت تكلفتُها بحوالي 25 مليار دولار، من أصل 88 مليار دولار كمتطلباتٍ تمويليةٍ لإعادة الإعمار والتعافي في اليمن حتى 2022، حسب تقريرٍ صادرٍ عن قطاع الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، الذي يُصدِر تقاريره بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، اطّلعتْ عليه "خيوط".
ولا تقِلُّ التكلفةُ الاقتصادية ضرراً عن التكلفة البشرية والمادية؛ فمثلاً، قُدرت الخسائرُ التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، لعام 2019، بحوالي 66 مليار دولار، بواقع 2180 دولاراً للفرد خلال الفترة 2015 - 2019، وتعطلت الصادرات وانهارت الموازنة العامة وارتفع التضخم؛ مما عمّق الفقرَ وفاقمَ سوء التغذية، وبات اليمن يواجه واحدةً من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
ولتفادي مزيدٍ من التكاليف، فإن الأولوية القصوى، قبل وبعد إحلال السلام، هي توسيع نطاق المعونة الإنسانية لتلبية الاحتياجات الطارئة للضعفاء والمتضررين في مختلف المناطق؛ مع مراعاة المرأة والطفل، والتركيز على دعم سبل المعيشة والمشاريع كثيفةِ العمل، لتشغيل الشباب في المدى الآني والقصير والمتوسط، فضلاً عن إطلاق برنامج إعادة إعمارٍ شاملٍ لمشاريع البنية التحتية واستعادة التعافي الاقتصادي.
وتعرَّض القطاعُ الخاص لصدماتٍ موجعةٍ أدت إلى إغلاق نحو 60% من منشآت الأعمال في الصناعة والتجارة والخدمات، كما أُغلقت 46% من منشآت الأعمال المملوكة للنساء، لأسبابٍ عديدةٍ أهمها الأضرار المادية في 95% من إجمالي المنشآت المغلقة، إضافة إلى فقدان رأس المال وأزمة الوقود وغياب خدمة الكهرباء أو الارتفاع الخيالي لكلفتها. وبالنتيجة، قامت 60% من المنشآت بتسريح حوالي 70% من موظفيها، حتى ديسمبر/كانون الأول 2018. وبالتوازي، تضرَّرَ نشاطُ الزراعة وصيد الأسماك، بسبب أزمة الوقود وتعطُّل الصادرات وتدمير العديد من قوارب الصيد ومراكز الإنزال السمكي؛ مما أثر على سبُل المعيشة الريفية، لاسيما لسكان الساحل الغربي المعتمدين على الصيد السمكي. وبدون قطاعٍ خاصٍّ قابل للحياة، فإن العواقب الاقتصادية والإنسانية ستكون وخيمة.
في السياق، يقول رئيس الغرفة التجارية والصناعية في عدن، أبو بكر عُبيد، وهو أيضا نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، إن الحرب ألحقت أضراراً بالغةً بالقطاع الخاص في اليمن؛ إذ يُعدّ هذا القطاع، وفق حديثة لـ"خيوط"، المستوعبَ الأكبر للأيادي العاملة. لهذا، تأثُّرُه ألحق أضراراً بالغةً بالتنمية الاقتصادية، وبعملية التشغيل.
في المقابل، تركتْ أزمة المالية العامة 1.25 مليون موظفٍ حكوميٍّ وأُسَرَهم بدون مرتباتٍ منذ نهاية 2016؛ وهذا يعني حرمانَ 25% من الأسر اليمنية من مصْدر دخلهم الرئيسي.
ووفقاً لتقرير آخر لقطاع الدراسات الاقتصادية، تبلغ تكلفةُ الفرص الضائعة المباشرة على موظفي الدولة حوالي 75 مليار ريال شهرياً، منها حوالي 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية.
وبالتوازي، توقفت التحويلاتُ النقدية لحوالي 1.5 مليون حالةٍ في صندوق الرعاية الاجتماعية، يستفيد منها حوالي 8 ملايين شخص منذ يناير/كانون الثاني 2015؛ فيما تبلغ تكلفة الفرص الضائعة التراكمية على الفئات الضعيفة والأشد فقراً حوالي 250 مليار ريال، ما يعادل 1.16 مليار دولار عند سعر صرف (214.9) ريال/دولار لعام 2014، أو 676 مليون دولار عند سعر الصرف في الفترة التي صدر فيها التقرير، مطلع العام 2018، 370 ريالاً/دولاراً.
استهداف سبل العيش
وفقاً لنتائج مسح القوى العاملة 2013 - 2014، فإن 44.8% من الشباب ليسوا في العمل ولا في التعليم؛ إذ تعرضت منشآتُ القطاع الخاص إلى أضرارٍ مباشرةٍ، وتأثرت كثيراً بأزمة الوقود وغياب الكهرباء من الشبكة العامة، ما انعكس سلباً على العاملين في القطاع الخاص.
تُقدَّر العمالة غير المنظمة في سوق العمل اليمنية بما يقرب من ثلثي قوة العمل، وبنسبة تتجاوز الـ85%. وهناك نحو 98%، من العاملين في القطاع الخاص في اليمن، لم يشملهم التأمين، سواء في القطاع المنظم أو القطاع غير المنظم
فوفقاً لاستبيان مناخ الأعمال اليمني، الذي نفذته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت والحديدة، فإن 41% من المنشآت قامت بتسريح حوالي 55% من موظفيها في المتوسط، وأيضاً قامت 7% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 49%، وسرحت حوالي 64% من موظفيها، وقامت 3% من المنشآت بتقليص رواتب موظفيها بحوالي 50%.
تؤكد الأمم المتحدة، في تقريرٍ أصدرتْه مؤخراً واطّلعتْ عليه "خيوط"، أن النزاع الحاصل في اليمن أدى إلى تدهورٍ شديدٍ في الاقتصاد وتسريح 80% من العمالة لدى شركات القطاع الخاص. بحسب التقرير، فإن واحدةً من كل أربع شركات أُغلقت، مشيراً إلى أن الحرب أدتْ إلى انهيار سوق العمل في بلدٍ يعاني أصلاً من بطالةٍ مرتفعةٍ تُشكِّل أزمةً منذ سنوات.
وقدّر التقريرُ أن نصف السكان المتضررين من النزاع دُمرت سبلُ عيشهم، بالإضافة إلى أن شبكات الأمان التقليدية أصبحت غيرَ متوفرةٍ بشكلٍ متزايد.
وتواجه الأعمالُ التجارية خسائرَ متزايدةً تصل إلى 315 ألف دولار شهرياً (86 مليون ريال) للشركات الكبيرة؛ ما يعني أن أغلب الشركات خسرتْ مبالغَ باهظةً منذ بدء الحرب.
واستنادا لتقرير الأمم المتحدة، فإن ملايين الأسر تضررت سُبُلُ معيشتها، و7.6 مليون تعرضوا بشكلٍ مباشرٍ لخطر الجوع نتيجة فقدانهم لأعمالهم ومصادر دخلهم، منهم 2.3 مليون في محافظة تعز و1.5 مليون في محافظة حجة و89 ألف في محافظة صعدة. كما أن 8 من أصل 10 يمنيين يحتاجون للأمن الغذائي أو لدعم سبل المعيشة. ومطلع العام 2020، قَدَّرت الأمم المتحدة حاجةَ ما يزيد على 17 مليون يمني لشكلٍ من أشكال المساعدة العاجلة.
وتُقدَّر العمالة غير المنظمة في سوق العمل اليمنية بما يقرب من ثلثي قوة العمل، وبنسبة تتجاوز الـ85%. وهناك نحو 98%، من العاملين في القطاع الخاص في اليمن، لم يشملهم التأمين، سواء في القطاع المنظم أو القطاع غير المنظم، والذي يشكل نسبةً كبيرةً من اليد العاملة. ولهذا، تفاقُمُ الأوضاع الحالية والخطرُ الذي يداهم القوى العاملة يضاعف الأعباء على مختلف فئات العمل، وأغلبها غيرُ مؤمَّنٍ عليها، وتجد طريقها بسهولةٍ إلى رصيف البطالة بدون أي حقوقٍ أو تعويضات.
وتُضاعف الأوضاعُ الراهنة، باستمرار ما تعاني منه اليمن، من تضخمٍ لافتٍ للقطاع غير المنظم. وتركَّزَ خلْقُ فرص العمل، في العقود الماضية، في قطاعاتٍ ضعيفةِ الإنتاجية، وفي الاقتصاد غير الرسمي الذي شهد توسعاً كبيراً خلال السنوات الماضية.
وتشير تقديراتٌ رسميةٌ، اطّلعتْ عليها "خيوط"، إلى ارتفاعٍ كبيرٍ بمقدار ثلثيْ العمال كانوا يعملون بصفةٍ غير منظمة؛ وهذا يعني أنهم لا يستطيعون الحصول على ضماناتٍ قانونيةٍ تحمي حقوقهم الأساسية في العمل، كالحصول على الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتدابير السلامة والصحة المهنية، وأنظمة ظروف العمل في بيئةٍ خطرةٍ وغيرِ مستقرةٍ تدفعك في أي لحظةٍ إلى البطالة.
ويرى عبد الكريم العمّاري، أستاذ الإدارة في المعهد العالي للعلوم المالية والإدارية (حكومي)، في حديث لـ"خيوط"، أن مشكلة البطالة مدمِّرةٌ، خصوصاً في أوضاعٍ تسمح بنموها. لكن المشكلة الأخطر، من وجهة نظره، هي في ما تمر به اليمن حالياً؛ حيث يجد العامل نفسه بلا عملٍ، بعد أن يتم الاستغناء عنه بدون أي حقوقٍ أو التزامات من قبل قطاع الأعمال .
فهؤلاء الناس ممن يُضافون حالياً بصورةٍ متواصلةٍ إلى رصيف البطالة، والذين لا يتم حصرهم في إحصاءات البطالة، هم في حال أسوأ؛ لأنهم يفتقرون للأمن في دخلهم، وغالباً ما يعيشون تحت أوضاعٍ صعبةٍ ومزرية.
______________________
الصورة ل : محمد الصلوي