جواز سفر

حسن عبدالوارث
April 28, 2020

جواز سفر

حسن عبدالوارث
April 28, 2020

زرتُ بلاداً كثيرة، صغيرة وكبيرة، غنية وفقيرة، هادئة وصاخبة، في شرق الأرض وغربها، شمالها وجنوبها. وكل بلد كان له وقعٌ في النفس خاص، وإيقاعٌ في الوجدان متميز. حتى البلاد التي كرهتُ أنني زرتُها وحلفتُ بعدم تكرار الزيارة، كان لها أيضاً ما لها من أثرٍ أو تأثير .

  البلاد هي ناسٌ أكثر منها عمراناً وطبيعة، وهي ثقافةٌ قبل أن تكون اقتصاداً وسياسة، وانْ لم يكن حاضرها جميلاً، ومستقبلها مُبشِّراً، فلا أهميةَ البتة لتاريخها التليد البعيد، ولو كان يبُزُّ تاريخ الرومان والأتراك والفرس والإغريق، وحضارات سومر والنيل والسند والحبش .

  إن ثمة بلاداً تُشعرك بالانتعاش، وأخرى تدعوك إلى الانكماش، بلاداً تسرُّك ولو لم تَرَ فيها شجرةً مُزهرة أو نبتةً مُثمرة، وبلاداً تحُسُّ فيها بأنك تختنق حتى تكاد "تفطس" موتاً، بالرغم من اعتدال الطقس فيها وارتفاع منسوب الأوكسجين !

  وهناك بلد لا تريد أن تُفارقه ولو أقمتَ فيه لعشرات السنين، وغيره تضيق ذرعاً من إقامة يومٍ واحد فيه. وبلد لا تدري حقيقة مشاعرك تجاهه، أأنت مرتاح لقدومك إليه، أم أنك نادم على زيارته، أم أنه في منزلةٍ بين المنزلتين !

البلاد هي ناسٌ أكثر منها عمراناً وطبيعة، وهي ثقافةٌ قبل أن تكون
اقتصاداً وسياسة

إن بعض البلاد كالنساء، وبعضها كالفاكهة. بعض البلاد كالحكاية أو النص، وبعضها كالأسطورة، وبعضها بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا رائحة .

ومن البلاد ما يسكنك أكثر مما تسكنه، أو يغرز فيك نصل الدهشة منذ أول وهلة، أو يصيبك بالهوس اللذيذ ويفعل فيك فعل السحر .

قد يدهمك هذا البلد أو ذاك باحساس زائر، أو يمنحك خواطر سائح، أو يدعمك بأفكار صحافي، وربما نفحك مشاعر شاعر. فالبلاد ليست كلها سواء في كل الأحوال، ولا تعود من زيارة إحداها بالحال ذاتها التي عدت بها من زيارة بلد آخر .

أذكرُ أنني عدتُ من أوروبا أكثر تهذيباً .

ومن مصر عدتُ أكثر بساطة.. ومن تركيا أكثر جلافة !

وعدتُ من الصين وبعض بلاد جنوب شرق آسيا أكثر نشاطاً وعنفواناً وحيوية.

ومن العراق عدتُ أكثر شاعرية، ومن ليبيا أكثر سخرية،

وعدتُ من الحبشة أكثر احتراماً للآخر،

ومن بعض دول الخليج أكثر احتراماً للذات !

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English