الهلالُ واحدٌ والسياسةُ ألوان

ماذا يقول المتفائلون والمتشائمون عن توافق بَدء الصيام هذه السنة
خيوط
April 26, 2020

الهلالُ واحدٌ والسياسةُ ألوان

ماذا يقول المتفائلون والمتشائمون عن توافق بَدء الصيام هذه السنة
خيوط
April 26, 2020

   على غير عادتهم، تَوحّد المسلمون هذا العام في تحديد هلال شهر رمضان؛ لكن هل ستصمد وحدتُهم في تحديد هلال العيد، نهاية هذا الشهر الكريم؟

  تتعدّد وجهاتُ النظر، عادةً؛ حيث لا يحتكم المسلمون، وخصوصاً العرب، إلى رؤيةٍ بصريةٍ واحدةٍ لهلاليْ رمضان وشوّال. ويعتقد الكثيرُ من الناس أن هذا الاختلاف العجيبَ سببُه سياسيٌّ، "وليس اختلافاً علمياً؛ لأن القمرَ واحدٌ، وقانونَ الزمن واحد". وبالنظر إلى منطقية هذا الرأي، فإن اعتباراتٍ سياسيةً بالفعل هي وراءَ هذا الانقسام الذي يضرب المجتمعاتِ العربية، بل المجتمعَ الواحدَ، في الصميم؛ حيث إن هذا الانقسام قد يتحول مع الوقت إلى إطارٍ ثقافيٍّ واجتماعيٍّ حادٍّ، متخذاً شكلاً منظماً، كاستجابةٍ تلقائيةٍ لهذه المقدمات السياسية العمياء، ثم يُفضي في النهاية إلى نتائجَ خطرةٍ يصعب السيطرةُ عليها.

   العامَ الفائت، انقسم عالمُ المسلمين انقساماً خطيراً، ولعبت السياسة دوراً رئيسياً وراء كل ذلك التشظّي. لم يتوقف التباينُ والاختلافُ عند الحدود الوطنية بين الدول العربية؛ ولكن امتد إلى الفرز المناطقيّ والمذهبيّ داخل الوطن الواحد.

   كانت أجزاءٌ من اليمن صائمةً، وأخرى لم تبدأ بعدُ شهرَها الكريم. وفي العيد أيضاً، انقسم اليمنيون، في مشهدٍ باعثٍ على القلق ومتناغمٍ كلياً مع تشظي رقعة الخرائط السياسية واتجاهاتها. كانت تلك سابقةً لم تشهدها اليمن، كأمةٍ واحدةٍ، عبر العصور.

المتفائلون بمستقبلٍ أقلّ كراهيةٍ، يرون أن الاتفاق، هذا العام، فرصةٌ لتأسيس نهجٍ جديدٍ قائمٍ على التعايش بين المسلمين أولاً. والمتفائلون بآفاقٍ عالميةٍ أكثر، ينظرون إلى أن وباء "كورونا" سيُجبر السياسةَ أن تخضع للاعتبارات الأكثر إنسانيةَ

   الانقسامُ ذاتُه حدثَ في العراق؛ إذ أخذ اتجاهاً مذهبياً صارخاً، وكأن الأهلَّة والنجومَ مذاهبُ سياسيةٌ أيضاً! وهكذا تعكس الذهنيةُ الدينيةُ، في السياق السياسي، بُعداً "كهنوتياً" لا يعترف بأدوات العلم ومراصده الفلَكية فائقةِ الدقة، ولا يرى الكوارثَ التي يمكن أن تفضي إليها مثلُ هذه الشقاقات، كنتائجَ حتميةٍ للفتاوى غيرِ المسؤولة.

   رجالُ الدين ينظرون لهذا الأمر من زوايا ظاهريةٍ يتمسكون بها، محتجين بظاهرية النص القرآني؛ حيث يعتقد بعضُهم أن الرؤية المقصودة في القرآن تعني "المشاهدة بالعين المجردة". وهناك فريقٌ ثانٍ يؤيد الاكتفاءَ بمشاهدة الهلال بواسطة التلسكوب؛ بينما يرى آخرون أن عملية الاقتران بين القمر والشمس، فلَكياً، تعني ثبوتَ الرؤية وبدءَ الصيام.

   هذا العامَ، الأمر مختلفٌ، والمنطق العلمي أفحمَ الجميع؛ حيث إن غروب القمر سبَقَ غروبَ الشمس، وهي قاعدةٌ فلكيةٌ تقليديةٌ قديمةٌ كان يحتكم إليها خبراءُ الأهلَّة المسلمين، ويتفقون حولها.

   وإذا كان هلالُ رمضانَ، هذه السنة، قد وحّد المسلمين، كما وحدت جائحةُ كورونا الإنسانيةَ عموماً؛ فهل نحن أمام تحولٍ عالميٍّ جديدٍ، قائمٍ على أساس التفاهم؟ تتمنى الغالبيةُ الساحقةُ، من الشعوب، أن تسود هذه الروح، "وألّا تكون فقط مجردَ جُملةٍ عارضة".

   المتفاؤلون بمستقبلٍ أقلِّ كراهيةٍ، يرون أن الاتفاق، هذا العام، فرصةٌ لتأسيس نهجٍ جديدٍ، قائمٍ على التعايش بين المسلمين أولاً. والمتفائلون بآفاقٍ عالميةٍ أكثر، ينظرون إلى أن وباء "كورونا" سيُجبر السياسة أن تخضع للاعتبارات الأكثر إنسانيةً.

   في اليمن، يتمنى الناسُ أن تسودَ لغةُ التقارب بين الفُرَقاء السياسيين، وألّا يحوّلوا المناسبات الدينية، التي قامت على أساس تعزيز أواصر الإخاء والتعايش، إلى مناسباتٍ لتكريس الانقسام داخل الوطن الواحد والأمة الواحدة. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English