- مايكل روبيرتس
- ترجمة: بلال أحمد
هو شيء خطير أن نبدأ تحليل إحصائيات فيروس الكوفيد19 ونأتي ببعض الاستنتاجات في هذه المرحلة المبكرة من الجائحة. هو كذلك أخطر على أي اقتصادي أو اقتصادية، أن ينقّب أي منهما، في منطقة خارج خبرته المفترضة. لكن بالنظر في المقالات الوافرة، وتراكم البيانات والعدد الكبير من عروض الشرح التي تمت من قبل أشخاص لا بدّ أنهم يعرفون ما الذي يتحدثون عنه؛ لم أعد قادراً على مقاومة وضع "ما لدي على الطاولة"- على نحو الدخول في اللعبة والإدلاء بدلوي.
النقطة الأولى التي عليَّ القيام بها، هي حول شدة تأثير فيروس كوفيد19. وفقاً لأي تقدير مقبول لمعدل الوفيات، وبافتراض عدم القيام بإجراءات احتواء، بإمكاننا توقع أن تصل الإصابات بالعدوى حتى 60% من السكان، بالمتوسط، قبل أن تتناقص سطوة الفيروس مع ما يسمى بــ "مناعة القطيع". معدل الوفيات هو شيء شديد الصعوبة ليفصح عن نفسه، يتراوح بين 4-3% [من تلك الـ 60%] والتي تحتسبها منظمة الصحة العالمية (WHO) بناء على الحالات الموجودة- وأقل استناداً إلى بعض الدراسات المحلية التي تميل أكثر لتضع نسبةً بين 0.4-0.3%، وفق تقدير استنباطي (استقرائي) لعدد الإصابات من إجمالي من خضعوا للفحوصات. مع ذلك، فهذا المعدل يمكنه أن يصل ثلاث أو أربع مرات متوسط معدل الوفيات بسبب الإنفلونزا. [الموسمية]
أياً كان الأمر؛ إذا وضعتُ معدل اعتباطي مقداره 1% من السكان- وهو تقدير يبدو عدد من علماء الأوبئة سيقفلون عليه، بالتالي، وبتعداد 7.8 بليون نسمة حول العالم، ومستوى "مناعة القطيع" المعطى عند 60%، هذا قد يعني حالات وفاة بنحو 45 مليون حول العالم.
بالنظر إلى أن هناك معدل وفيات سنوي يصل إلى 57 مليون شخص، فإن عدم احتواء الفيروس يمكنه أن يرفع معدل وفيات العام 2020 بنحو 80%. بالنسبة لكل دولة على حدة، فإن هذا الارتفاع يمكن أن يتراوح بين 65% إلى الضعف. حتى إذا كان معدل الوفيات نصف ذلك (عند عدم الاحتواء)، فإن أكثر من 20 مليون إنسان يمكن أن يموتوا؛ أو حوالي 40% أكثر من المعتاد.
لكن، الجدل الــ"المالتوسي"* (Malthusian) يمكن استحضاره حينها. وبما أن ما يقارب 70-80% من الوفيات ستكون من نصيب أولئك الذين أعمارهم من 70 سنة فأكثر، إضافة إلى وفيات هامشية وغير مؤثرة بين أولئك الذين هم أقل من 40 سنة، فإن تأثير الفيروس ليس بمشكلة.
[الجدل المالتوسي، هو نسبة إلى القس توماس روبيرت مالتوس، وهو باحث سكاني توفي في ديسمبر 1834. والكاتب هنا يحيل إلى نظريته المثيرة للجدل حول البقاء للأصلح].
في الواقع، البعض في الدوائر المالية يجادلون أن الفيروس "سيخلصنا من" كبار السن والمرضى الذين هم في الغالب غير منتجين في توليد القيمة والأرباح. بعد انتهاء الجائحة، العالم سيكون "أطرى وأصلح" وأكثر قابلية ليتوسع بـ "وفرة" أكثر.
ماركس وإنجلز كانا قويين في اعتراضهما على نظرية مالتوس القائلة بــ"البقاء للأصلح"؛ إنجلز قال عنها: "إنها نظرية منحطة وشائنة، إنها تجديف فظيع ضد الطبيعة وضد النوع الإنساني". لكنهما لم يعترضا عليها بسبب خلفيتها المضادة للإنسانية فقط، بل لأن مالتوس كان مخطئاً من الناحية الاقتصادية أيضاً. نماء الإنتاجية لا تعتمد على إبقاء تعداد السكان أقل ولكن على زيادة القوى المنتجة وعلى التقدم العلمي والتقني. هي ليست قضية اكتظاظ سكاني، بل هي قضية تكاثر الـلامساواة والفقر بسبب التراكم الرأسمالي والاستبداد بالقيمة المُخَلَّقة بشغل العمال.
هذا هو السبب المفتاح لمحاولات احتواء الــ"كوفيد19"؛ لحماية الأرواح التي من الممكن حمايتها. السبب الآخر هو أنه في حال سُمح للجائحة بالانتشار بدون رادع، فإن أنظمة الصحة سوف تُغمر- سوف تتعرقل قدرتها على التعامل مع المرضى الحاليين ومع الناس المصابين بأمراض أخرى؛ ومن المحتمل التسبب بزيادة نسب مثل هذه الوفيات الثانوية (وهذه المرة وسط الناس الأكثر شباباً ولياقة أيضاً). معظم الحكومات حول العالم ليست في موقف يسمح لها بتفضيل خيار مالتوس وتجاهل ضغط الجمهور، فيما لو تراكمت جثث المحبوبين، من كبار السن أو المرضى. إذا قامت بذلك، فلن يكون بمقدورها البقاء على قيد الحياة.
إذن فاحتواء الفيروس مهم. لكن الاحتواء قد يعني عدة أشياء. يمكنه أن يعني ابتداء من الإغلاق الكامل لكل الحركة والنشاط الاقتصاديين والاجتماعيين، ويمتد إلى إجراءات أكثر ارتخاء، نزولاً ببساطة إلى مستوى يتم فيه إجراء فحص الفيروس لكل الناس، عزل وحجر أولئك المصابين وحماية كبار السن، وفي الأثناء ادخال أولئك الذين تشتد حالاتهم الصحية المستشفيات. إذا كان البلد لديه مرافق فحص متكاملة وكادر من العاملين للقيام بـ "التواصل وتتبع الأثر" والعزل، وهذا كله، مع معدات وقاية كافية، وأسرّة مستشفيات، بما في ذلك وحدات عناية مركزة (ICUs)، فالاحتواء على طول هذه الخطوط، سيعمل- من دون إغلاق خطر على الاقتصاد.
لكن؛ تقريباً كل البلدان لم تكن مستعدة أو قادرة على توفير المرافق والموارد للقيام بذلك. ألمانيا اقتربت، وسوف أُظهر كم كان هذا ناجحاً، في لحظة. كوريا الجنوبية ربما أيضاً. إنما في كلا البلدين، كان هناك بعض إغلاقات اجتماعية واقتصادية هامة. كل دولة أخرى، واجهت حالات عدوى كبيرة، اضطُرَّت للدخول في إغلاق كبير للحركة والعزل لأسابيع من أجل احتواء الجائحة. الصين هي المثال الأكثر استثنائية لمستوى عال من الإغلاق في إقليم كبير واحد. نيوزيلاندا طبقت مستوى إغلاق عال منذ اليوم الأول وقلصت الوفيات إلى الحد الأدنى.
[بالنظر إلى تقريري تطبيقي جوجل (في 11 أبريل) وآبل (في 14 أبريل) حول التوجهات (trends) عبر الخدمات المتحركة (mobility) (بالمقارنة مع قيمة متوسط الأساس في 20 أبريل)، سيفند مايكل روبرتس (كاتب المقال) تقديرات درجات الإغلاق المتفاوتة التي تم تبنيها بكل بلد].
بإمكاننا أن نعرف من خلال تقرير جوجل، ان إسبانيا قررت تقليص نسبة 66% في النشاط الاجتماعي والاقتصادي، بينما كانت النسبة في السويد فقط 6%.
هل يمكن تلافي الإغلاقات؟ حسناً؛ كما قلت، أظن إذا كان هناك مرافق وكادر من العاملين لأجل إجراء الفحص الشامل، التواصل والتعقب، وما يكفي من موارد المشافي، ولقاح، فإن الإغلاقات لن تصبح ضرورية. حتى البلدان الفقيرة لديها نجاحات مع هذه الطرق
هل نجح الاحتواء؟ بلا شك. وأنا هنا أدخل في المنطقة الخطرة من محاولة قياس نجاح الاحتواء. كما أوردت في أعلاه، أُقَدِّر أنه بدون أي احتواء، قد يكون هناك نحو 45 مليون حالة وفاة بسبب كوفيد-19 في عام 2020. لكن بالاحتواء، وجزئياً باستخدام تقديرات التكهنات الصادرة من معهد قياس الصحة وتقيمها (Institute for Health Metric and Evaluation IHME) أعتقد بأن عدد الوفيات سيكون متناقصاً إلى ما بين 250 و300 ألف فقط.
هاكم تقديراتي لمختلف البلدان بالمقارنة بين الوفيات في حالة عدم الاحتواء وتوقعات تراكم الوفيات بعد تطبيق الاحتواء. }سنكتفي بتقديرات 5 دول أوروبية والولايات المتحدة{.
الوفياتx1000أمريكابريطانياإيطالياإسبانياألمانيابدون احتواء1974402360282498بعد الاحتواء603726245
كما تلاحظون، بمقدور "الاحتواء" تقليص الإمكانية في نسبة وفيات "عدم الاحتواء" بنحو 90-99%! وكنتيجة، إذا كان مستمراً، فالاحتواء سيكبح الوفيات الإضافية الأعلى من المعدل السنوي الاعتيادي إلى أقل من 1%.
هكذا ينجح الاحتواء. لكن؛ بما أنه تم التوصل إليه على الأرجح بإغلاق صارم، فإن كلفته ستكون دفع الاقتصاد العالمي من حافة الهاوية إلى ركود عميق في الإنتاج، في الوظائف، في الاستثمار- سيكون متبوعاً بتعافي شديد البطء على مدى سنوات في حال كان يتوجب استمرار في مستويات قصوى لكبح معاودة حدوث الجائحة، و/ أو إلى أن يُنتج لقاح فعال بجانب الفحص الشامل وطرق العزل.
هل يمكن تلافي الإغلاقات؟ حسناً؛ كما قلت، أظن إذا كان هناك مرافق وكادر من العاملين لأجل إجراء الفحص الشامل، التواصل والتعقب، وما يكفي من موارد المشافي، ولقاح، فإن الإغلاقات لن تصبح ضرورية. حتى البلدان الفقيرة لديها نجاحات مع هذه الطرق- انظر موقع Communist’ Kerala).) [كيرالا، منطقة في الهند].
هل الإغلاقات القصوى التي فُرِضَت في الصين وعدد آخر من البلدان، غير ضرورية؟ السلطات السويدية اختارت ما يمكن تسميته بــ"إغلاق-مخفف"، مع فرض قيود فقط على الاختلاط والاعتماد على عزلة اجتماعية طوعية. هل سيعمل هذا بنفس كفاءة الإغلاقات الصارمة في البلدان الأخرى؟
حسناً، الدليل على إمكانية تراكم الوفيات كما تم تصورها من قبل معهد الــ IHME لبلدان متعددة تقترح الرد بــ: لا.
تتجه السويد نحو واحدة من أعلى نسب الوفيات في العالم، من المرجح أن تتغلب عليها بلجيكا فقط من بين البلدان الأكبر. وبمقارنتها مع جيرانها الاسكندنافيين (حيث القيود تقريباً تعادل الضعف مما هي عليه في السويد)، فإن نسبة الوفيات السويدية ستكون أكبر بمرتين أو ثلاث. يبدو أن السلطات السويدية فشلت في حماية المسنين، إذ أن المساكن التي تم تخصيصها لإيوائهم صارت تُبتلع وتُحاصر بالعدوى- تماماً كما لو كانوا موضوعين في مكان آخر.
لكن بلجيكا لديها إغلاق، وسيكون لديها نسبة وفيات أثقل مما لدى السويد، بينما ألمانيا ستذهب في طريق أفضل من دول كإسبانيا وإيطاليا، حيث الإغلاقات صارمة بقدر أكبر. ما يقترحه هذا علينا، هو أن الاحتواء لا يعتمد فقط على مستوى القيود والإغلاق، ولكن أيضاً على مستوى المرافق الطبية والفحوصات.
الفائض الألماني من أسرّة المستشفيات أكثر ارتفاعاً مما هو في باقي أوروبا. وهي تقوم بفحوصات أكبر بكثير مما لو كانت ستبقي النسبة منخفضة.
السويد وبلجيكا لديهما عدد أسرّة أقل وتجريان فحوصات أقل.
"الإغلاق السويدي المخفف" يعني عدد وفيات أكثر على المستوى الفردي، لكن حجتها في ذلك، هو أن سكان السويد سيصلون إلى "مناعة القطيع" ويستطيع الاقتصاد، بنفس الوقت، الاستمرار بدون إغلاق. الافتراض الأول مليء بعدم اليقين: كيف للسلطات أن تعرف أنهم حققوا مثل هذه المناعة؟ أما الافتراض الثاني فواضح أنه خاطئ. الاقتصاد لا يكون معزولا كجزيرة. فحتى إذا استمر الاقتصاد السويدي مفتوحاً للأعمال، فإلى أين ستذهب صادراتها في الوقت الذي تكون أغلب ما تبقى من بلدان العالم في حالة إغلاق؟
حسناً، استنتاجاتي المؤقتة هي كالتالي:
thenextrecession.wordpress.com
_________________________________
The image sours is: Reuters / China Daily