قلتُ في "بوست" أنزلته في صفحتي على "الفيسبوك": "أي صديق سيشتُم سأحْظُره". كنتُ قد أشَرْتُ أو تساءلتُ عن سرِّ صمت الرئيس هادي، وبالذات في هذا الظرف الكريه. كثيرون استغربوا، وصُوَرُ الاستغراب تنوعتْ بين الاحتجاج والاستغراب. وهناك أختٌ كريمةٌ ظهرتْ متحدِّيةً، بعد أن شتمتْ الرجُلَ وطلبتْ: "احظرني"، فحظرتُها بالفعل إلى جانب صديقين آخرين.
الأمر يبدو لي متعلقاً بالوعي لدى الإنسان. والوعيُ انعكاسٌ لتربيةٍ عقيمةٍ؛ ما كان منها في البيت أو من التربية العامة. الطبع غلبَ التطبُّع، فالتربية الخاصة والعامة أفرزَتا إنساناً يردِّد كالببّغاء ما تلتقطُه أذنُه من البيت والشارع وأجهزة الإعلام، والآن أضيفت وسائلُ التواصل.
وانظرْ، فمعظم الأمهات إذا تأخر الولدُ الصغير فأولُ ما يَهِلُّ عليها تستقبله بـ: "أين كانوا يركبوك؟"! والأب إذا حَنَقَ على أحد أولاده، نَعَتَهُ فوراً بـ"ابن الحرام"، وأمه تسمع! وإذا أردنا أن نشيرَ إلى فسادِ أحدهم، قلنا: "أحمر عين"! وإذا رأيتَ صاحبَك وقد حقق نجاحاً، قلتَ: "زَنْوَة"، وفي أحسن الأحوال "ابن كلب"! وقد درجْنا في حياتنا على إهانة الكلب والحمار؛ بينما هما أفضلُ، ومن كثيرين. الكلبُ وَفِيٌّ، والحمار يَتعب خدمةً للإنسان ولا يتأفف؛ ولو غضِبْنا وصفْنا أقربَ الواقفين إلى جانبنا بـ"حمار"!
في إعلامنا ومساجدنا ومدارسنا، لا أحدَ يُعير الأمرَ (تربية الإنسان) اهتماماً. والأحزاب لم ولا ولن تُكلِّف نفسَها تربيةَ الإنسان على قِيَمٍ كالحرية واحترام الغير والتفريق بين ما هو خاصٌّ وما هو عام، والإتيان بدلائلَ قانونيةٍ عندما نوَجِّه التُّهمَ لهذا وذاك بـ"الفساد"، ولا يتوافر الدليلُ معظمَ الوقت، فيتغوَّل الفسادُ رغماً عنا، مقابلَ ضَعْف القضاء، حيث هو وظيفةٌ وليس سُلطةً، وغيابٌ للوعي الحقوقي والقانوني.
الحريةُ لا تعطي أياً كان الحقَّ في الإساءة للآخر، عندما يكون شخصاً. وإذا كان موظفاً، فيحق لك أن تنتقدَه؛ ولكن بالدليل. كيف؟ ليست قضيتي.
أعود إلى مسألة الوعي، فأقول إن هناك قصوراً في الثقافة الحقوقية عند معظم الناس، وخاصةً المتعلمين وحتى النخب. وكثيرٌ جداً من الصحفيين، بالذات، يغيب عنهم الوعيُ الحقوقيُّ المطلوب، وكذا القانوني. وانظر؛ فلو كان هناك وعيٌ بالحقوق التي تقود إلى الوعي بالقانون فستُجَرُّ كل الصحف يومياً إلى المحاكم. وجديرٌ هنا الإشارة إلى أن الصحيفة اليومية في الدنيا، حيث القانون ينظِّم علاقة البشر ببعضهم، يوجد فيها مستشارٌ قانونيٌّ لرئيس التحرير، يَعْرِض عليه المواد التي يشعر بأنها ربما تذهب به -كمسؤولٍ قانوناً- إلى المحكمة.
لا بد من إعادة صياغة المنظومة التربوية وتصحيح العلاقة بين مُكوِّناتها: البيت، المدرسة، المسجد، الإعلام...
أؤكد مرةً أخرى على أن الشتيمةَ ليست رأياً، ويحاسِب عليها القانون.
حكايةُ أن القانون هنا مُغيَّبٌ، والدولة غير موجودةٍ، قضيةٌ أخرى.