على الرغم من تأكيد السلطات المحلية والصحة العالمية خلوَّ اليمن حتى الآن من فيروس كورونا، إلا أن هناك تحذيراتٍ أمميةً عدةً من احتماليةِ انتشارِ الوباء، في البلد الذي أنهكته الحروبُ والأوبئة، ولا يمتلك قاعدةً صحيةً تشفعُ له أمام المرض القاتل.
وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، قد اتخذت، منتصف مارس/آذار الماضي، مجموعةً من التدابير الاحترازية في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، تمثلت في إيقاف الرحلات الجوية وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، مع تعليقٍ كاملٍ للدراسة، وقرارِ وزارة الأوقاف القاضي بمنع صلاة الجمعة والجماعة في المساجد.
وها هي تعز، المدينة المعزولة والمحاصرة منذ خمس سنوات من عمر الحرب، تتأرجح خشيةَ الجائحة العالمية، ما بين قراراتٍ على ورقٍ، وواقعٍ قد يُخترق.
تحركٌ محليّ
كانت السلطة المحلية في مدينة تعز، والتابعة للحكومة المعترف بها دولياً، قد شكلت، في الثالث والعشرين من مارس/آذار الفائت، لجنة طوارئ لمواجهة جائحة كورونا، قامت –بدورها- بتنفيذ عددٍ من القرارات الوقائية والاحترازية فيما يخص المدينة.
في السياق، يقول ناطق لجنة الطوارئ بالمحافظة، نجيب قحطان، إن السلطة المحلية في مدينة تعز بشكلٍ عامٍّ، ولجنة الطوارئ بشكلٍ خاصٍّ، تبذلان أقصى جهودِهما في مواجهة وباء كورونا.
ويؤكد قحطان لـ"خيوط" نجاح لجنة الطوارئ، التي استطاعت تنفيذ قراراتها الخاصة بالجوانب الاحترازية لفيروس كورونا؛ حيث تم بشكلٍ تامٍّ تعليقُ الدراسة في جميع المدارس والجامعات، وإغلاق صالات الأفراح والنوادي والمعاهد، إضافة إلى إغلاق أسواق القات بنسبة 50%، وإغلاق 90% من المساجد، موضحاً أن مدينة تعز تنتظر دعم منظمة الصحة العالمية، خصوصاً في المحاليل الخاصة لكشف الفيروس، وكذلك أجهزة الفرق الطبية.
وأبدى، في الوقت ذاته، قلقه من قلة الجاهزية الصحية في المحافظة، والتي دمرت الحربُ بُنْيتَها وأضعف الحصارُ إمكاناتِها.
ردودُ أفعال
تعالت، طيلة الأسبوع الماضي، ردودٌ مجتمعيةٌ غاضبةٌ على مواقع التواصل حول جدِّية لجنة الطوارئ في تنفيذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا؛ إذ يلاحَظُ تقاعسٌ واستهتارٌ في تنفيذ بعض القرارات على أرض الواقع.
يقول عبد العزيز محمد المجيدي، من سكان مدينة تعز، لـ"خيوط"، إنه كان أحد الملتزمين والمؤيدين لقرار وزارة الأوقاف بشأن المساجد، والتي أُغلقت أغلبيتُها في مدينة تعز حفاظاً على أرواح الناس، لكنه يستنكر بقاءَ أسواقِ القات وغيرِها مفتوحةً وتحت حماية أطقم القوات العسكرية. ووجّه نقدَهُ إلى لجنة الطوارئ بالمحافظة، لعدم قدرتها على تنفيذ معظم الإجراءات الاحترازية على كافة المستويات.
من جانبه، يؤكد أمجد سرحان (24 عاماً) لـ"خيوط " صعوبةَ التعامل مع الإجراءات الاحترازية الوقائية المفاجئة لمكافحة كورونا، وأضاف: "نحن أمام أسلوبِ حياةٍ جديدٍ يعتمد على الوقاية الشديدة والبقاء في المنزل، وهو ما لم نعهده من قبل".
لم يكن يتوقع سرحان، حسب حديثه، أنه سيأتي وقتٌ "نمتنع فيه من الذهاب إلى المساجد"، أو مجرد الخروج من البيت.
ويُعتبر طلابُ المدارس والتعليم الجامعي أهمَّ وأكبرَ فئةٍ متضررةٍ من إجراءات مكافحة فيروس كورونا؛ إذ تم إيقافُ العملية التعليمية بشكلٍ عامٍّ، ليس في تعز فقط، بل في جميع المحافظات اليمنية.
وتبدي الطالبة في جامعة تعز، بيان عمر، حزنها على توقف التعليم، بعد أن كانت على أعتاب التخرج، بدون إيجاد بدائلَ مناسبةٍ، رغم أهمية وضرورة ما يتم تنفيذُه من قراراتٍ احترازيةٍ لمكافحة فيروس كورونا ومنع انتشاره في اليمن.
استعدادٌ بلا زاد
نالت مدينةُ تعز، منذ اندلاع الحرب في اليمن، النصيبَ الأكبرَ من أوجاع الحرب وجراحها؛ لكنها لم تنل ما تضمِّدُ به تلك الجراحَ بالقدر الكافي، وتهميشُها مازال متواصلاً حتى في زمن كورونا.
تفتقر مدينة تعز لأبسط الإمكانيات لمواجهة فيروس كورونا، نظراً لانعدام أجهزة التنفس والفحص وندرة أقسام العناية المركزية
ووفقاً لمدير مكتب الصحة في تعز التابع للحكومة المعترف بها دولياً الدكتور عبد الرحيم السامعي، لـ"خيوط"، فإن ما وصل للمدينة من دعمٍ إلى الآن ليس سوى تجهيزات مركز العزل في منطقة الضباب، المدخل الغربي للمدينة، بالإضافة إلى مركز الهلال الأحمر اليمني في باب المندب، مضيفاً أن تعز تعاني من شحٍّ كبيرٍ في الخدمات الصحية.
وبخصوص طريقة الفحص المتَّبَعة للقادمين من الخارج، أوضح السامعي عدمَ وجودِ فحصٍ تأكيديٍّ واَمنٍ حتى الآن؛ إذ تتم طريقة الفحص الراهنة عبر أجهزة قياس الحرارة فقط، مبيناً أنه لم يتم تشخيص أي حالة حقيقية حتى الآن.
وتفتقر مدينة تعز لأبسط الإمكانيات لمواجهة فيروس كورونا؛ نظراً لانعدام أجهزة التنفس والفحص وندرة أقسام العناية المركزية.
لذا ينصح مدير مستشفى الروضة الكائن في تعز الدكتور جميل العبسي، الجميعَ في مدينة تعز بعدم الاستهتار واتّباع التعليمات الوقائية لمكافحة الوباء.
وأشار العبسي لـ"خيوط" إلى أن هناك تنسيقاً مبكراً تم بين القطاع الخاص والجانب الرسمي في المدينة، وأقيمت على إثر ذلك دوراتٌ تأهيليةٌ وتوعويةٌ لمختلف الكوادر الطبية.
مبادراتٌ توعوية
في ظل الاستعدادات الصحية الشحيحة بمدينة تعز، ظهرت إلى الساحة عديدُ مبادراتٍ فرديةٍ وجماعيةٍ تساهم إيجابياً في التصدي لخطر فيروس كورونا.
ويشير نشوان الحسامي، رئيس الفريق الطبي التابع لإحدى المبادرات المجتمعية، إلى أهمية تركيز المبادرات على تقديم ما أمكن من المعدات والمستلزمات الوقائية، مثل الأجهزة الإلكترونية الخاصة بقياس الحرارة وتوزيعها على مختلف المنافذ بالمحافظة، إضافةً إلى رشِّ وتعقيمِ مؤسساتٍ عامةٍ وخاصةٍ في مدينة تعز.
من جانبها، تتحدث الناشطة مها عون لـ"خيوط" حول أبرز المبادرات الشبابية قائلة إن فكرة إنشاء فريق "تعز ضد كورونا" الشبابي، والذي وصل متطوعوه إلى 1000 شخص، جاءت من حاجة المجتمع، في ظل وضعٍ وبائيٍّ فتك بأقوى الدول.
وأضافت أن الفريق يتوزع عمله إلى مجموتين: الأولى نزولٌ ميدانيٌّ يعمل على رش بعض الأماكن العامة وتوزيع الملصقات التوعية إلى جانب القفازات الطبية، بينما المجموعة الأخرى يتمثل دورها على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتمتلك عددا من المصممين والفنيين.
ومع التأزم الواضح للوضع الوبائي في العالم، اليوم، تزدهر تجارةُ الإشاعات كثيراً وترتفع أسهمها عند فاقدي الضمير وطالبي الشهرة.
رسام الكاريكاتير اليمني رشاد السامعي يؤكد لـ"خيوط" أن هناك غُرفاً مغلقةً يتم فيها اختيارُ وتجهيزُ هذه الإشاعات، عبر تمويلٍ معينٍ، ولأغراضٍ سياسيةٍ وغير ذلك مما تصنعها الصراعات.
لم يُبْدِ رشاد استغرابه من ذلك، قائلا إنها أمورٌ مقصودةٌ بهدف الإثارة والتشويه؛ لكنه وصف المشكلة بمن يتناقلونها، دون وعيٍ، بغرض الشهرة وزيادة أعداد الإعجابات على مواقع التواصل.
ودعا المجتمع إلى التصدي لهؤلاء وعدم التفاعل معهم، مطالباً الجهات الحكومية بضرورة سَنِّ قانونٍ يحمي حقوق الآخرين من التحريض والإساءة .
سجناءُ عرضةٌ للوباء
بالنظر إلى مجريات الواقع، اليوم، ومع تساقط دولٍ عظمى أمام غزو الوباء بطريقة مرعبة، تقتضي الحكمة اليمنية أخذ الحيطة والحذر ومواصلة الوقاية بتجنب أماكن التجمعات قدر الإمكان، إلى غاية الوصول لبر الأمان، إضافة إلى القيام بخطواتٍ جريئةٍ وشجاعةٍ لإيجاد حلٍّ للسجناء لدى مختلف الأطراف في اليمن.
وكان فريق الخبراء الإقليميين والدوليين بشأن اليمن دعا، في وقتٍ سابقٍ، جميعَ أطراف النزاع إلى الإفراج الفوري عن جميع السجناء والمحتجزين لديهم، بحيث لا يكونون عرضة للوباء في حال انتشاره.
وشهد السجن المركزي بتعز، الأحد الماضي، الإفراجَ عن (37) سجيناً بضمانة، تنفيذاً لقرارٍ وتعميمٍ قضائيٍّ رسميٍّ لمواجهة فيروس كورونا.
وفي هذا الإطار، يؤكد نائب مدير السجن المركزي بتعز، الرائد عمار الشرعبي، أن إدارة السجن تقوم حالياً باستكمال ومتابعة ملفات السجناء في انتظار البدء بمرحلة الإفراج عن الدفعة الثانية.
وعن الإجراءات الصحية، المتخذة من قبل إصلاحية السجن المركزي، لمواجهة كورونا، يوضح الشرعبي لـ"خيوط" أنه يتم اتخاذ خطواتٍ عاجلةٍ بخصوص هذا الأمر، تتمثل في تفرقة السجناء عن التجمعات وتنفيذ عمليات رشٍّ وتعقيم يشرف عليها مكتب الصحة في المحافظة.