"تزوجت وعمري 16 عاماً، كنت حينها طالبة في الصف الثاني الثانوي، لم أكن أعي المعنى الحقيقي للحياة الزوجية، كانت العشر سنوات هذه عقداً من المعاناة، عانيت من قلة احترام زوجي لي ولأهلي، من استخدام الألفاظ البذيئة، من الذل بمدلوله الحرفي. استسلمت خلال هذه الفترة وخضعت لكل أوامره، أكملت دراستي الثانوية بمشقة، ولم يسمح لي بإكمال دراستي الجامعية، رغم أن إكمالها كان شرطاً قبل الزواج، لكنه أخل بالشرط بعد ارتباطنا تماماً، رغم محاولاتي المستميتة أنا وأهلي في إقناعه بذلك".
هكذا بدأت (س.ل) تروي معاناة زواجها لـ"خيوط".
وتضيف: "ظل أهلي يتحملون نفقاتي ونفقات أطفالي وكأن لا زوج مسؤول عنّا، وحدهما عصبيته وصراخه كانا حاضرين في مقابل صبري وتحملي. فكرت بمستقبلي الضائع الذي لا يسنده زوج ولا شهادة، فكرت بأهلي الذين ربما لن يكونوا دوماً معي ليسندوني، فكرت بأطفالي الذين لم يشعروا يوماً بوجود أب في حياتهم، فقد كنت أنا الاثنين معاً بالنسبة لهم، فكرت أن من حق هؤلاء الصغار العيش في بيئة طبيعية بعيداً عن الشجار والصراخ والضرب الذي يؤثر على نفسياتهم وشخصياتهم، هذه العوامل جميعها دفعتني إلى اتخاذ قرار الانفصال".
الطلاق هو الحل
تتابع (س. ل): "عندما طلبت الطلاق كان يضغط عليّ بأطفالي، وكان يقول لي: "لو أردتِ الطلاق فاكتبي ورقة تنازل عن أبنائك، والله لو اضطررت أرمي عيالش بالرصاص وأحرمش منهم". هذا الذي كان يلوي ذراعي ويمنحه مزيداً من الوقت، لكنني وصلت معه إلى طريق مسدود، وقررت أخيراً أن أختار نفسي وأنفصل عنه، مخيرة إياه بين أن آخذ أطفالي أو يأخذهم هو، فكان أن ضغط أهله عليه بأن يترك الأطفال معي".
ندوب ما بعد الطلاق
تقول (س. ل) لـ"خيوط": "بلا شك أن قرار انفصال الزوجين عن بعضهما قد يترك عدة آثار، لا سيما وقد استمرت الحياة الزوجية عشر سنوات تقريباً بحلوها ومرها، لكنه لن يكون أقسى من أن أستنزف عمري وشبابي في هذه الحلقة المفرغة مع رجل لا يقدر إنسانيتي، علاوة على أن يقدس الرابط المقدس بيننا".
وتتابع: "شعرت بالتحرر من الأسر الزوجي، وبأني تنفست الصعداء، وكأن ما مضى كان كابوساً ثقيلاً، رغم تأثر نفسيتي بعد الطلاق، وتأزمها حين كان يمر عليها شريط الذكريات، إلى درجة أني كنت أحيانا أشعر أنني تسرعت، ولكنني خصوصاً بعد أن شاهدته يكمل حياته مع شريكة أخرى بلا أدنى مشاكل أدركت أن لا شيء يستحق الزعل، لا ما مضى ولا حتى موقف المجتمع السلبي من المطلقة ونظرات الإشفاق واللوم من الآخرين".
تكمل (س. ل): "اتسعت مداركي وأيقنت أن المرأة هي التي تسند نفسها بنفسها، نجاحها وفشلها يكمنان فيها، ومع هذا أعتبر نفسي محظوظة بأبي وأمي وأخوتي الذين أعانوني على تجاوز المرحلة، لقد خضت معركة حقيقية، حاربت فيها على الصعيد النفسي والاجتماعي، قاومت ضعفي وعملت جاهدة للعودة إلى الحياة والمجتمع، لتبديد حالة الانكسار التي أصابت أسرتي، واستكمال دراستي، وبعث أحلامي وطموحاتي من جديد".
عدة طلاق أم عدة وفاة؟
بكلمات تشوبها نبرة الحزن تتحدث (هـ. م) 23 عاماً لـ"خيوط": "استمر زواجي خمسة شهور فقط، كنت أتأثر بقصص الزيجات السعيدة والمستقرة لقريباتي، إلى درجة شعرت أنني عديمة المسؤولية وغير محظوظة البتة، كل ما في الأفق هي العدة، التي كنت أشعر فيها أنني أقضي عدة وفاة وليس عدة طلاق".
د. عبداللطيف العسالي: تتعرض المرأة المطلقة في مجتمعاتنا إلى أسوأ أنواع الابتخاس والتقليل من كينونتها، إذ تحرم من أبسط حقوقها، ولهذا تظل المطلقة حبيسة في نسق مغلق، ما يؤثر على أدوارها الاجتماعية كامرأة لها حقوق وعليها واجبات
تتابع حديثها: "لقد شكلت لي تجربة الزواج عقدة نفسية من تكرارها مرة أخرى، بل إنني فقدت ثقتي بالرجال بشكل عام، وبالناس من حولي، صرت كثيرة الانطواء وليس لدي رغبة بالاختلاط بأحد، وفي حال خرجت في مناسبة ما لاحقني فضول النساء وأسئلتهن التي لا تنتهي عن سبب طلاقي، بعدها قررت مقاطعة المناسبات كليا".
وتكمل: "عملت على تجاوز تلك المرحلة، وبدأت بإقناع نفسي أنني لست أول امرأة تتطلق، تصنعت الصمم كأنني لا أسمع أحداً، أحاول ألاّ أبالي وألا أتاثر من نظرة المجتمع إليّ كمطلقة، وأن أعيش حياتي وأستمتع بها بكل لحظة وكل ثانية".
صراع تحكمه العادات والتقاليد
في حديثه لـ"خيوط" يقول أ. د. عبد اللطيف العسالي- أستاذ علم الاجتماع وعلم النفس بأكاديمية الشرطة وأستاذ الأسرة والطفولة بكلية الآداب جامعة صنعاء- إن المرأة بعد الطلاق "تدخل في مرحلة جديدة من التحديات لعل أكثرها خطورة، هي المضاعفات النفسية الناتجة عن الضغوط الاجتماعية المصحوبة بنظرة سلبية للمطلقة، باعتبارها امرأة ناقصة لم تستطع إدارة شؤون منزلها، وعادة ما يتم اتهامها بالتقصير وتوجيه اللوم إليها حتى إن كانت مظلومة".
ويضيف: "تتعرض المرأة المطلقة في مجتمعاتنا إلى أسوأ أنواع الابتخاس والتقليل من كينونتها، إذ تحرم من أبسط حقوقها، ولهذا تظل المطلقة حبيسة في نسق مغلق، ما يؤثر على أدوارها الاجتماعية كامرأة لها حقوق وعليها واجبات".
من جهتها ترى الناشطة السياسية ابتسام عبدالملك أبو دنيا في إفادتها لـ"خيوط" بهذا الشأن أن من الأمور التي تساهم في الضغوط على المرأة المطلقة هي العادات والتقاليد والتفكير الخاطئ عن المرأة المطلقة، والشائعات التي تحاك عنها من قبل المجتمع المحيط بها بمجرد طلاقها مباشرة.
نظرة دونية
بينما ترى أفراح قاسم العماري- باحثة في علم النفس الجنائي والأسري- أن مواجهة المرأة المطلقة للنظرة الدونية من قبل المجتمع، يشعرها أحيانا بأن طلاقها وصمة عار، فتلجأ إلى البعد عن الآخرين والانعزال عنهم، وأن القليل منهن ترى أن لها الحق في متابعة حياتها، مخلفة ماضيها المؤلم وراءها، وفارضة احترامها بسلوكها الطيب وإصرارها على إثبات وجودها.
بدورها تضيف الناشطة أبو دنيا أن "مجتمعنا –للأسف- ينظر إلى المرأة المطلقة أو الأرملة على أنها وباء، وهذا من الأسباب التي تدفع النساء المطلقات إلى البحث عن زوج آخر بأية طريقة، حتى لو كان زوجاً لا يناسبها، من أجل أن تهرب من كلمة مطلقة".
أفراح العماري: من الآثار التي قد تتركها الضغوط النفسية على المرأة المطلقة انعدام الثقة بالنفس، وسوء الصورة الذهنية التي تأخذها عن الرجل بشكل عام، وذلك ما يسبب، إضافة إلى الاضطرابات العاطفية، الشعور بالذنب"
وتدعو أبو دنيا الناشطين والناشطات ومنظمات المجتمع المدني إلى أن ينظموا حملة توعية للتخفيف من الضغوط التي يمارسها المجتمع على المرأة المطلقة، وتعريف المجتمع بأن المرأة مثل الرجل أيضاً، وأن الرجل يتحمل جزءاً من مسؤولية الطلاق، وعدم تحميل المرأة كل أسباب الفشل.
مرحلة انتقالية
يقول الدكتور العسالي أن علم الاجتماع "ينظر إلى الطلاق باعتباره ظاهرة اجتماعية طبيعية في حدودها المعقولة، لكنها إن زادت عن معدلها الطبيعي في أي مجتمع فإنها تنذر بوجود حالة من التفكك في بنية المجتمع". أما علم النفس، فيراه، مرحلة انتقالية بين الاستقرار النفسي والاجتماعي، وبين الفوضى في حياة الإنسان والعائلة، بحسب أفراح العماري.
تبعات الضغوط النفسية
وتشير العماري إلى أن من الضغوط التي تتعرض لها المرأة المطلقة "زيادة الأفكار السلبية بشكل مفرط حول النفس والمجتمع المحيط، فتشعر المطلقة بالعزلة والوحدة، وتعاني من صعوبة في التركيز وانخفاض الاهتمام بالهوايات والأنشطة، واحتمالية السلوك العدواني".
وتتابع: "من الآثار التي قد تتركها الضغوط النفسية على المرأة المطلقة انعدام الثقة بالنفس، وسوء الصورة الذهنية التي تأخذها عن الرجل بشكل عام، وذلك ما يسبب، إضافة إلى الاضطرابات العاطفية، الشعور بالذنب".
ذكرى النقيب: من الضروري استحداث محاكم خاصة بالأسرة، تختص بحل الخلافات الأسرية في أجواء ودية وعقلانية، وعرض قضايا الأسرة في محكمة صديقة للأسرة والطفل
تشدد ذكرى النقيب -عضو فريق الاستشاريين لبرنامج صوت امرأة في مؤسسة رمز للتنمية- لـ"خيوط" على أنه يجب على المجتمع أن يلعب أدواراً إيجابية في الحد من حدوث الطلاق، وذلك بالسعي لإحداث التوافق الأسري وتقديم الاستشارات المناسبة، حرصاً على الأسرة التي تعد النواة الأولى في المجتمع، مذكرة بأن "قوة وضعف المجتمعات تقاس بناءً على تماسك الأسرة أو ضعفها".
وتضيف أن "الكثير من حالات الطلاق تحدث نتيجة تدخل أطراف خارجية –للأسف- تلعب أدواراً سلبية، وتزيد حدة الخلاف والتوتر القائم"، مشيرة إلى أن بعض حالات الطلاق تحدث نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يجب أن تهتم بها الجهات المعنية، وتوضع لها حلول عملية تساعد هذه الأسر على الاستمرار في علاقاتها الزوجية والأسرية.
من جهتها شددت الدكتورة سهير عاطف- دكتوراه في علم الاجتماع ومستشارة في النوع الاجتماعي، في حديثها لـ"خيوط"، على الدور الكبير الذي تلعبه أسرة المرأة المطلقة، التي تساهم كثيراً في التخفيف من الضغوطات النفسية والاجتماعية عليها، وإمدادها بكل ما يلزمها من أجل التغلب على هذه الأزمات، وتخطي العقبات التي تواجهها. كما نوهت الدكتورة سهير إلى أن "المرأة المطلقة المتعلمة أكثر استيعاباً وقدرة على تحمل المسؤولية، أي أن هناك علاقة ارتباطية طردية بين المساندة الأسرية، والصلابة النفسية، والأمن النفسي لدى المرأة المطلقة".
دور المنظمات المجتمعية
وتدعو ذكرى النقيب إلى ضرورة استحداث محاكم خاصة بالأسرة، تختص بحل الخلافات الأسرية في أجواء ودية وعقلانية، وعرض قضايا الأسرة في محكمة صديقة للأسرة والطفل. كما دعت للاهتمام بالنواحي الاجتماعية والنفسية أثناء النظر في النزاع، وذلك بغية التوصل إلى علاج مناسب لقضايا الأسرة، ومراعاة المصلحة الفضلى للأطفال عبر وسطاء مؤهلين ومدربين تدريباً عالياً في هذا المجال.
مضيفة أنه من الضروري أن تقدم منظمات المجتمع المدني والدولة الدعم النفسي والاجتماعي للنساء والأطفال، وخاصة النساء اللاتي بدون عائل، والأميات والفقيرات غير القادرات على تجاوز هذه المحنة، مؤكدة على أهمية دور وزارة الأوقاف والإرشاد.
وقالت إن "هناك دوراً مهماً كذلك لوزارة الأوقاف والإرشاد ووزارة الإعلام للقيام بواجبهما الديني والأخلاقي بالتوعية بهذا الموضوع، والنظر إلى إعلاء قيمة المرأة المطلقة وتقدير ظروفها ووضعها، لأن الأغلبية منهن ضحايا قرارات أسرية متسرعة وغير مدروسة، وظروف اقتصادية ومعيشية وفقر، وفي أوقات يكون الطلاق ناتجاً عن زواج القاصرات اللاتي لا يكن مؤهلات لإدارة الحياة الأسرية والزوجية".
قرار التجاوز بيد المرأة
عن إمكانية تجاوز تبعات الطلاق، تقول أفراح العماري إن المرأة المطلقة "تستطيع تجاوز كل تلك الضغوط، عندما لا تدع اليأس يدب إلى قلبها، ومواجهة الوهم والتغلب على خذلان المشاعر، والوضوح مع النفس، والاختلاط بالآخرين وعدم الانطواء، والاقتناع بأن الطلاق قد يكون أفضل من الاستمرار في الحياة الزوجية بنفسية محطمة".
ويتطرق العسالي في الموضوع ذاته، إلى أهمية "إشاعة الوعي المجتمعي بأن الطلاق تجربة قد تكون مؤلمة، لكنها تفتح المجال لعلاقات اجتماعية أكثر نضجاً، بل وقد تؤسس لعلاقة زوجية في المستقبل تكون مبنية على التفاهم والعقلانية والتوازن الانفعالي فالطلاق ليس آخر المطاف".
وينصح العسالي المطلقة بأن "تتحلى بإرادة قوية، وأن تمارس حياتها الطبيعية، وأن تقوم بأدوارها في الحياة بكل رضى وقناعة، حتى تتجاوز الأزمة".
وترى النقيب أن "على المرأة أن تدعم نفسها بنفسها، فهي قادرة -متى ما آمنت بقوتها وبمكانتها- على تجاوز هذه المرحلة من حياتها، والبدء بالتفكير بإيجابية، وتحسين مستواها، والنظر بتفاؤل نحو مستقبل وحياة أفضل".
وتزايدت حالات الطلاق في المجتمع اليمني خلال سنوات الحرب بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وانقطاع الرواتب الحكومية، وتسريح الكثير من العمال في بعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو ما أدى لاشتداد وطأة الضغوط النفسية التي فرضتها الحرب والانهيار الاقتصادي.