بشجاعة كان يكتب ما يريد في شعره ويعلن مواقفه دون خوف من أحد وصف أسلوبه بالرومانسية القومية، والنزعة السريالية في رسم الصورة الشعرية.
ولد الشاعر والأديب والناقد والمؤرخ اليمني عبدالله صالح البردّوني في قرية البردّون من محافظة ذمار عام 1929. في السادسة من عمره أصيب بالجدري الذي أفقده بصره. تحملت أقدامه الصغيرة الطريق الذي لم يكن يراه إلى كتّاب قريته حيث تعلم الحروف الأبجدية، وتعلم القرآن وحفظه، ثم انتقل إلى مدينة ذمار والتحق بالمدرسة الشمسية هناك.
تأثر البردوني بشعراء قدامى منهم حسن بن أحمد الهبل، وبدأت علاقته بالشعر حين كان يحفظ كل ما يقع بين يديه من قصائد. انتقل إلى صنعاء في أواسط العشرينات من عمره، ودرس في الجامع الكبير فيها، وحصل على ليسانس في اللغة العربية والفقه من دار العلوم الشرعية، ثم عيّن مدرساً للأدب العربي فيها عام 1953.
سُجن عام 1948 بسبب شعره لتسعة أشهر في عهد حاكم اليمن الشمالي آنذاك أحمد حميد الدين، لكن ذلك لم يوقفه عن كتابة الشعر، ومقارعة الظلم بصراحة في حياته وفي شعره.
في فترة من حياته، بين 1954 و 1956، عمل البردوني "وكيل شريعة" (محامياً بالممارسة) ودافع عن حقوق النساء المطلقات. أثار عمل البردوني كمحامي للنساء المطلقات الكثير من الجدل، سيما كون المجتمع اليمني ذو طبيعة محافظة. غير أن هذه المهنة كانت بالنسبة له تجسيداً لإيمانه بالعدالة الاجتماعية. قال في إحدى مقابلاته الصحفية: "وكلتني النساء كالمطلقات والمغتصب إرثهن، فهنا عندما يموت الغني يتعاون الأولاد في الاحتيال على البنات حتى لا يخرج مال أبيهم إلى زوج الأخت". وفي مقابلة أخرى، أوضح أنه كان يتعاطف مع النساء اللاتي يحكم عليهن المجتمع كزوجات فاشلات، بينما يبرّئ الرجل، بالرغم من أنه شريكها.
في عالم الشعر، رأس البردوني لجنة النصوص في إذاعة صنعاء، ثم عيّن مديراً للبرامج في الإذاعة إلى عام 1980، وأعد برنامجه الذي رافق المستمعين خمسة وثلاثين عاماً (مجلة الفكر والأدب) الذي كان يذاع أسبوعياً من إذاعة صنعاء من عام 1964 حتى وفاته. وكان البردوني من مؤسسي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وانتخب رئيساً للاتحاد في مؤتمره الأول.
عمل مشرفاً ثقافياً في مجلة الجيش منذ عام 1969 إلى عام 1975، كما كان له مقال أسبوعي في صحيفة 26 سبتمبر بعنوان (قضايا الفكر والأدب)، ومقال أسبوعي آخر في صحيفة الثورة بعنوان (شؤون ثقافية). كتب كثيراً للصحافة، وألف العديد من الكتب في القضايا الثقافية والسياسية، وصدر له في حياته اثنا عشر ديواناً شعرياً: (من أرض بلقيس)، (في طريق الفجر)، (مدينة الغد)، (لعيني أم بلقيس)، (السفر إلى الأيام الخضر)، (وجوه دخانية في مرايا الليل)، (زمان بلا نوعية)، (ترجمة رملية لأعراس الغبار)، (كائنات الشوق الآخر)، (رواغ المصابيح)، (جواب العصور)، (رجعة الحكيم بن زايد). ومن مؤلفاته: (اليمن الجمهوري)، (رحلة في الشعر اليمني)، (قضايا يمنية)، (الثقافة والثورة في اليمن)، (فنون الأدب الشعبي في اليمن)، (من أول قصيدة إلى آخر طلقة).
تميز البردوني بقدرته على صياغة الشعر بطريقة فريدة ليعبر عما يجول في خاطره، بأسلوبه الحديث الذي اتخذ شكل الشعر الكلاسيكي، ومواضيع ولغة حداثية خارجة عن المعتاد. يقول عنه الأستاذ همدان دماج في مقدمة كتاب (وجع السكوت) الذي ضم قصائد مختارة للبردوني: "الشاعر عبد الله البردوني عاش حياةً فريدة، غنية بالتجارب والأحداث، متمردةً على بؤس الواقع وظلم الحكام، ومترعةً بالأحزان والآمال على حد سواء. وهكذا فإن شعره أيضاً كان فريداً، غنياً، مُحلقاً في سماوات الإنسانية وعذاباتها، ومتمرداً على المألوف الشعري".
نال البردوني عدة جوائز منها: جائزة أحمد شوقي للشعر في القاهرة عام 1981، وجائزة سلطان العويس عام 1993، وجائزة أبي تمام في الموصل عام 1971. وحصل على وسام الآداب والفنون من عدن عام 1982، ومن صنعاء عام 1984، وجائزة مهرجان جرش الرابع بالأردن عام 1984، وأصدرت اليونسكو عملة فضية تكريمية تحمل صورته عام 1981.
توفي البردوني في 30 أغسطس/ آب عام 1999، وكتبت على شاهد قبره قصيدته "أحزان وإصرار" التي يقول في مطلعها:
"شوطنا فوق احتمال الاحتمال
فوق صبر الصبر لكن لا انخذال
نغتلي.. نبكي على من سقطوا
إنما نمضي لإتمام المجال.