في الوقت الذي تتعرض فيه معظم المناطق اليمنية لسيلٍ يوميٍّ جارفٍ من الإشاعات والتهويل والتخويف من حالاتٍ منتشرةٍ لفيروس كورونا، جددت منظمةُ الصحة العالمية تأكيدَها خلوَّ اليمن من فيروس كورونا؛ الأمر الذي يبدد هذه الإشاعات، مع تحذير خبراء من خطورتها في إثارة الهلع والخوف في أوساط المجتمع وانعكاساتها السلبية في زعزعة المناعة ووسائل الوقاية الاحترازية من الفيروس.
وقال ألطف موساني، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، في إحاطته الإعلامية اليومية المباشرة بشأن مستجدات فيروس كورونا واستعدادات المنظمة للاستجابة، إن اليمن هي البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الخالي من فيروس كرونا، ولم تشهد أي حالات حتى صباح الثلاثاء، ويتم التحقق من أي اشتباهٍ أو إشاعاتٍ عبر فرق المنظمة، وتشخيص الحالات المشتبه بها أو المبلغ عنها، إن كانت إيجابيةً أو سلبيةً.
لكن خبراء منظمة الصحة يعتمدون على ما ترسله لهم الجهات المعنية الخاضعة لسلطات متعددة على مستوى كل منطقة، في ظل غيابٍ تامٍّ لمؤسسةٍ حكوميةٍ رسميةٍ تعمل بشكلٍ موحّدٍ وبتكاملٍ وتنسيقٍ بين مختلف هذه المكونات؛ لذا فإن تأكيدات "الصحة العالمية" تبني تقييمها اليومي بخصوص اليمن على هذه الجهات، وليس على تقاريرها الخاصة عن طريق مكتبها في اليمن.
وفي السياق، أكد الدكتور سعيد الشيباني، خبير منظمة الصحة العالمية والأوبئة، أن اليمن لديها قدرات في الفحص المخبري لفيروس كورونا في اليمن.
مختبرات اليمن في صنعاء وعدن جاهزة للفحص وفق ثلاثة مسارات لاكتشاف الحالات، واَلية محددة للاستجابة السريعة للحالات المشتبَهة
وقال إن اليمن تمتلك قدرةً في المختبرات المركزية على إجراء الفحوصات الخاصة بفيروس كورونا، مشدداً على كفاءة المختبرات المركزية في صنعاء وعدن، والتي لا تقل عن بقية المختبرات في دول الجوار.
وحسب الشيباني، فإن جميع الحالات التي يُشتبه بها يتم فحصها في المختبرات المركزية، سواء في عدن أو في صنعاء.
وتابع قائلاً: "بكل تأكيدٍ، هذه الفحوصات تخضع لتدقيقٍ من قبل منظمة الصحة العامية ووزارة الصحة في اليمن"، موضحاً أن هناك آليةً محددةً لنزول الفرق الخاصة للاستجابة السريعة للحالات المشتبَهة بعد التقييم الأولي.
يتم تنفيذ هذه الآلية، وفق خبير الأوبئة، في ثلاثة مسارات؛ المسار الأول يركز على فحص الوافدين القادمين من الدول التي تفشى فيها المرض، بينما المسار الثاني يختص بدرجة الحرارة العالية للحالات المشتبه بها، فيما المسار الثالث يبحث في اختلاطه بعددٍ من المرضى المصابين بالفيروس. وهذه الحالات الثلاث إذا انطبقت على الشخص يمكن أخذ العينة وإرسالها إلى المختبر المركزي في صنعاء أو في عدن.
أجهزة وتوعية
وكانت وزارة الصحة في الحكومة المعترف بها دولياً أعلنت، السبت، استلامَ كميةٍ من الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية، مقدمةً من البنك الدولي عبر منظمة الصحة العالمية، لمساعدة اليمن على مواجهة أي انتشارٍ لفيروس كورونا المستجد.
وتشمل المعدات 60 جهازَ تنفسٍ صناعياً ومعداتٍ للسلامة المهنية سيتم توزيعها على مراكز العزل في عموم المحافظات، بما فيها الواقعة تحت سلطة أنصار الله (الحوثيين).
وفي السياق، بدأت في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، فعالياتُ الدورة التدريبية الثانية الخاصة بإدارة الحالة الخاصة بفيروس كوفيد19، والتي ينظمها الترصد الوبائي في قطاع الرعاية الصحية بوزارة الصحة، بدعمٍ من البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية.
وتهدف الدورة على مدى أربعة أيام إكساب 30 طبيباً، من مراكز العزل والعناية المركزة بمحافظات عدن وتعز ولحج وأبين وشبوة، معارف نظريةً وتطبيقيةً متصلةً بمعرفة قياس الحالة ووسائل الحماية واستخداماتها، وطرق معالجة وحماية "مجری الهواء" "بالتنبيب" للرئة ومعالجة تروية الجسم بالأوكسجين بواسطة التنفس الاصطناعي، وكيفية قياس غازات الدم والقسطرة المركزية لمعالجة الصدمة المصاحبة لالتهاب الصدر، والتركيز على تدابير الحالة ومعالجتها من البداية حتى النهاية.
من جهة أخرى، نفت وزارة الصحة العامة والسكان، التابعة لحكومة أنصار الله (الحوثيين)، صحة أنباء عن وجود 45 حالةً مؤكدةً بكورونا في المستشفى الجمهوري بصنعاء.
الناطق باسم اللجنة، عبد الحكيم الكحلاني، في تسجيل فيديو نشره مؤخراً، قال بهذا الشأن: "غير صحيح ما يتم تداوله من إشاعاتٍ يوميةٍ بهذا الخصوص، ودعا إلى تحري الدقة وعدم الانجرار وراء الشائعات حول ظهور حالات إصابة بالمرض.
وجدد الكحلاني التأكيد على خلو المناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله (الحوثيين)، حتى اللحظة، من أي حالةِ إصابةٍ بفيروس كورنا، وقال إنه في حال ظهور حالة سيتم الإعلان عنها مباشرةً في إطار الشفافية والمصداقية لمواجهة هذا الفيروس.
وفق هذا المسؤول، فقد تم إجراء خمسة فحوصات لحالات اشتباه لخمسة مواطنين من محافظات حجة والمحويت وإب وريمة وصعدة في المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة بأمانة العاصمة، وقال إن جميع الفحوصات المخبرية لهذه الحالات أثبتت خلوها من فيروس كورونا.
إجراءات مستحدثة
وفي الوقت الذي شددت فيها حكومة الإنقاذ، التابعة لأنصار الله (الحوثيين)، من إجراءاتها الاحترازية وقررت منع الدخول بشكلٍ نهائيٍّ إلى المناطق الخاضعة تحت سيطرتها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ودعت المواطنين إلى الإبلاغ عن أي مواطنٍ نَفَذَ إلى مناطقِ سيطرتها عن طريق التهريب، لإخضاعه للحجر الصحي، أعلن محافظ حضرموت، جنوب شرق اليمن، اللواء فرج البحسني، فرض حالة الطوارئ الجزئية في المحافظة، نظراً لخطورة الوضع، كما وصفه؛ وسط انتقادات واسعة للسلطات المحلية هناك بسبب استقبال مطار الريان لرحلات تحمل مواطنين قادمين من دولٍ موبوءةٍ بالفيروس؛ في مخالفةٍ واضحةٍ لقرار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية منذ ما يزيد على عشرة أيام، وجددت قرار الإغلاق منذ يومين.
وانتقد مواطنٌ من سكان مدينة المكلا، تواصلت معه "خيوط"، طريقة التعامل السلطات المحلية لعدم إغلاق مطار الريان باكراً، والتقيّد بالقرار الحكومي، مؤكداً أهمية تقيّد الناس بالإجراءات الوقائية وعدم التجاوب مع موجة التخويف الإعلامية التي تلت قرار قيادة المحافظة بالحظر وإعلان حالة الطوارئ الجزئية، لأن البعض ينظر لها من زاوية أخرى، وكأن هناك شيئاً خطيراً بالفعل من الإقدام على مثل هذه القرارات، والتي يجب التعامل معها كإجراءات وقائية على الجميع التقيد بها.
مكافحة الخوف
في نفس الإطار، ترى الخبيرة الصحية الباحثة اليمنية افتهان الزبيري أن الانفجار الإعلامي يسبب الخوف ويعمل على نزع المناعة، مضيفة: "الخوف يسبب كل الأمراض".
وقالت الزبيري إن الخوف سبب رئيسي لمرض السكر، لذا تنصح بالتعامل بهدوء مع أزمة كورونا الراهنة وعدم الانجرار للموجة الإعلامية المكثفة عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مع ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية قدر الإمكان.
كل منا يشكّ بأن كورونا الآن حوله، الفيروس يحتاج إلى قوة لدفعه بعيداً عن أجسادنا، والتعامل مع المرض أحدُ الفنون تحتاج للقوة والحيطة والحذر والوقاية والحفاظ على المساحة الشخصية
وتعمل مختلف وسائل على نشر الرعب وزرع الخوف بدلاً عن تكثيف الإرشادات، وطمأنة الناس وإرشادهم كيف يأخذون حذرهم وتوفير طاقة الكلمة الإيجابية التي هي بحد ذاتها مقام شفاء.
تقول الزبيري: "كل منا يشك بأن كورونا الآن حوله، الفيروس يحتاج إلى قوة لدفعه بعيدا عن أجسادنا".
ويجب على الإعلام، حسب الباحثة الصحية، الابتعاد عن نشر كل ما يبعث في المواطن الخوف، والعمل على نشر النصائح والإرشادات التي من شأنها أن تسهم في ترشيد المواطنين بكيفية مواجهة الأوبئة والأمراض، ما يمكنهم من التعامل معها بشكلٍ صحيح.
وأضافت: "بالطبع، لا بد من نشر الحقائق؛ ولكن للإعلام، والإعلام الصحي خصوصاً له دوره السامي في التأثير على نفسية الفرد، وكم من الدراسات التي تؤكد أن الكلمة قد ترمي بالمناعة جانباً لتصبح صِفْراً، وكلمةٌ معاكسةٌ قد ترفع المناعة لدرجة نسيان المرض"".
لا بد بأن يتذكر كلٌّ منا -كما تنصح الزبيري- "بأن مجرد كلمةٍ أهلكتْ نفسيَّتَه وسببت له الحمى تماماً كهذا الفيروس، ويحدث أن كلمةً قد أشعرتْنا بطاقة الاستعداد للحياة، هذه الطاقة التي تسري في الروح هي ذاتها التي لا بد أن يقوم بها القلم المواكب لهذا الحدث".
وفق هذه الباحثة، فإن التعامل مع المرض أحد الفنون أيضا التي تحتاج للقوة والحيطة والحذر، وتحتاج (للصابون) والحفاظ على المساحة الشخصية.
ومع خلو اليمن من الفيروس حتى الآن، وفق تأكيدات السلطات الرسمية، تظل الأهمية قائمةً للإجراءات الاستباقية لمكافحة كورونا، بالتوازي مع إجراءاتٍ تكتسب نفس الأهمية لمعالجة الأضرار التي تلحق بقطاعات الأعمال وفئة العمال بالآجر اليومي.
ويبدو أن العزلة المفروضة على اليمن، منذ خمس سنوات، بمثابة أداةِ تحصينٍ لليمنيين من فيروس كورونا المستجد "كوفيد19"، الذي يستمر في اجتياح العالم بوتيرةٍ عالية.
وحسب رَصْدٍ أجرته منظماتٌ دوليةٌ، فإن هناك 15 دولة على الأقل في العالم لم تعلن عن تسجيل أي إصاباتٍ بكورونا حتى الآن؛ من ضمنها اليمن. وأغلب تلك الدول إما نائيةٌ، أو شبهُ معزولةٍ عن باقي دول العالم؛ مثل كوريا الشمالية، التي تحوم الشكوك حول خلوها من الفيروس. وهناك 9 دول في إفريقيا لم تسجل إصابات؛ وهي: بوتسوانا وبورندي وجزر القمر وملاوي وساو تومي وبرينسيب وسيراليون وجنوب السودان. وفي آسيا، لم تسجل اليمن وطاجاكستان وتركمانستان وميانمار إصابات، إلى جانب جزرٍ صغيرةٍ في المحيط الهادئ خالية من فيروس كورونا.