تشهد محلات العطارة والمتخصصة في بيع البهاراتفي صنعاء، ومختلف المدن اليمنية، إقبالاً واسعاً من قبل المواطنين لشراء محاليلالعطارة والأعشاب، وأصناف من البهارات. هذا الإقبال الآخذ بالتزايد خلال الأسابيعالقليلة الماضية، دافعه الوقاية من الإصابة المحتملة بفيروس كورونا، الذي أثارالذعر في جميع دول العالم، سواءً تلك التي وصلهاالفيروس أو تلك التي لم يصلها حتى الآن.
دفعت الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها السلطاتفي اليمن، الناس إلى البحث عن وسائل الحماية التي يمكنهم التزود بها للوقاية من"كورونا". وقد كانت الأعشاب الطبيعية ومواد العطارة والبهارات، في طليعةهذه الوسائل نظراً للاعتقاد الواسع في أوساط العامة بجدوى هذه المواد لحمايتهم ليس منالفيروسات وحسب، بل من أمراض أخرى، خاصة في ظل تدهور قطاع الخدمات الصحية.
لقد عاش اليمنيون تجارب مريرة مع الأوبئةوالفيروسات، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة التي تشهد فيها اليمن حرب وصراعطاحن، إذ ما يزال الصراع والمواجهة قائمة مع وباء "الكوليرا" الذي حصدأرواح ما يقارب 2000 شخص خلال العام 2017 وحده.كما لا تزال أوبئة أخرى تحصد أرواح اليمنيين ما أن تهدأ حتى تعود مرة أخرى، مثلالدفتيريا "الخناق" وانفلونزا الطيور والخنازير والسل وغيرها. ذلك جعلمواد العطارة والأعشاب الطبيعية ملاذاً رئيسياً لليمنيين، للوقاية الصحية في ظل أوضاعمعيشية صعبة، وسوء تغذية جعلت نسبة كبيرة من اليمنيين فريسة سهلة للأوبئة والأمراضالفيروسية والموسمية.
صلاح الصبري- عامل في محل عطارة وبهارات في صنعاء- قال لـ"خيوط"إن "الثوم" و "الكركم" فيطليعة اهتمامات المواطنين اليمنيين، خصوصاً منذ مطلع مارس/ أذار الجاري، إلى جانبمواد أخرى مثل "الحلتيت" و"المُرّ" و"خلّ التفاح"و"السمسم"، وبهارات أخرى كالقرفة واليانسون والفلفل والكمون وغيرها.
و"الحلتيت" مادة صمغية لها تسميات أخرى مثل "صمغ الأنجدان" و"علك الكلخ"، وغيرها. وهي مواد اعتاد اليمنيون استخدامها في الطب الشعبي منذ القدم. كما يشيع استخدام "الحلتيت" و"المرّ" كبخور لطرد الأرواح الشريرة، خاصة في الشهر الأول من أعمار المواليد الجدد، الأمر الذي يمكن ربطه كذلك بتعقيم هواء الغرفة التي يتواجد فيها المولود/ة والأم خلال الشهر الأول.
طبيب: لا يجب الاعتماد على الأعشاب بشكل رئيسي، إذ لا غنى عن التشخيص الدقيق للحالات"، والالتزام بالصحة الوقائية
خبير أعشاب: بعض المواد المصنفة في خانة العطارة والأعشاب الطبيعية مفيدة كمواد لتقوية المناعة
وسألت "خيوط" مواطناً فرغ لتوه منالتسوق في أحد محلات العطارة بصنعاء، عن المواد التي اشتراها وعن ما إذا كان لها علاقة بمكافحة فيروس كورونا؟ فكان رده أنه قام بشراء "الثوم وبعض البهارات" التي سمعفي الإعلام أنها مفيدة لتقوية جهاز المناعة ضد الفيروسات. وأفاد توفيق سعيد بأنهشاهد في الإعلام المتلفز أنباءً عن لجوء موطنين من دول تفشى فيها"كورونا" لشراء مثل هذه المواد الطبيعية، وأنها كانت مفيدة في وقايتهممن الإصابة بالفيروس.
وبث تلفزيون "روسيا اليوم" مساءالأربعاء 25 مارس، إفادات لمواطنين روس بأنهم يستخدمون الثوم والليمون والزنجبيل، ضمنإجراءاتهم الاحترازية لتعزيز مناعتهم.
عبدالله العلياني- خبير عطارة وأعشاب طبيعية-تحدث لـ"خيوط" بصيغة تأكيد على أن هناك بعض المواد المصنفة في خانةالعطارة والأعشاب الطبيعية مفيدة كمواد لتقوية المناعة، وفي المكافحة الوقائيةالأولية للجسم، مثل الثوم. وقال العلياني إن هناك فائدة طبية أيضاً في بعضالمحاليل والمواد العشبية، مثل "الحلتيت" مع "الخل" الطبيعي،في مكافحة الالتهابات التي تصيب "الحلق"، وتساعد في التغلب على صعوبةالتنفس التي قد تنشأ عن ذلك.
ولم يتوقف اهتمام الناس في اليمن عند الموادالتي يقدمها الطب البديل، بل وجدوا أيضاَ ضالتهم في "معقمات" و"صوابينطبيعية" تقدمها محلات العطارة التي يتزايد إقبال المواطنين عليها، ليس فيصنعاء فقط، بل أيضاً في تعز وعدن وحضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية.
وقال مواطن في عدن لـ"خيوط" بأن سكانالمدينة يعيشون حالة خوف وترقب، كما هو الحال في مختلف المناطق اليمنية، وأنالمحال المتخصصة بالعطارة والبهارات، كانت في طليعة اهتماماتهم، نظراً للنقص الحادفي الأدوية والمستلزمات الطبية، وارتفاع أسعارها بنسبة تصل إلى الضعفين، خصوصاً"الكمامات" والأدوية المستخدمة عادة في علاج الصداع ونزلات الانفلونزا.
التشخيص والهدوء
رغم أهمية ما دأب عليه اليمنيون من اعتقاداتمتوارثة بالطب البديل، إلا أنها في الأخير تبقى في إطار الوسائل المساعدة حسبالدكتور أسامة الحمامي- المتخصص في الطب العام.
وقال الحمامي لـ"خيوط" إنه "لا يجب الاعتماد على الأعشاب بشكل رئيسي، إذ لا غنى عن الطب والمستلزمات الطبية والتشخيص الدقيق للحالات"، وأن الأهم من ذلك، هو الالتزام بالصحة الوقائية.
يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية في جميع المحافظات اليمنية على السواء، جراء استمرار الحرب والحصار المفروض جواً وبراً وبحراً على اليمن.
ويرى الحمامي، أن التشخيص الطبي هو من أهمالوسائل التي يجب الاهتمام والعناية بها، "لأن أغلب الأخطاء الطبية التي تحدثفي اليمن، أو التعايش مع الأوبئة والاعتقاد بالإصابة بها، سببه سوء التشخيص الطبيأو الفحص الوقائي". كما أكد على ضرورة "الحرص علىالتشخيص وتوفير الأجهزة والمعدات الخاصة بالتشخيص، والأدوية الضرورية المناسبة،والمستلزمات الطبية الأخرى"- حسب تعبيره.
وأشار الحمامي إلى "ضرورة التعامل معالإجراءات الوقائية بهدوء في الظروف الراهنة". كما أشار إلى أنه مثلما يجب "على كل فرد في المجتمع مسؤوليةالالتزام بالإجراءات الاحترازية من فيروس كورونا، فإن الأهم من ذلك هو الهدوءالنفسي". ووصف الحمامي "التوتر والهلع والتوجس" بالأعداء القاتلةللإنسان، لافتاً إلى أن "تفشي فيروس كورونا رافقه اضطراب نفسي خطير اجتاحالدول الموبوءة وغير الموبوءة مثل اليمن"، إضافة إلى أهمية "النظافةالشخصية خصوصاً في المنازل كوسيلة الدفاع الأولى في مواجهة الأوبئة".
وحذر الحمامي من "الانجرار غير المحسوب فيالاستخدام المفرط لـ"المعقمات" والمنظفات، وبالمثل مواد العطارة"،وقال إن ذلك قد يضر بصحة الإنسان أكثر مما يفيد. كما يرى ضرورة حثّ السلطاتالمعنية في صنعاء وعدن، على توفير المياه النظيفة للمواطنين كل في مناطق سيطرته،و"تفعيل إدارات صحة البيئة لمراقبة الأسواق والمطاعم ومحال المأكولاتوالوجبات الخفيفة، والتركيز على نظافة المدن ورفع النفايات باستمرار".
وشدد الحمامي على أهمية "الابتعادعن الشائعات والتهويل" بخصوص فيروس كورونا، والتقيدبالتعليمات الاحترازية، واتباع نظام غذائي صحي يساعد على تقوية جهاز المناعة. وأكدعلى أهمية الإكثار من شرب الماء الذي قال إنه "أهم وسائل الطب البديل وأكثرهافعالية، إذ يجب الحرص على شرب كمية كافية من المياه بشكل يومي، لأن كثير من حالاتالصداع والالتهابات في الجيوب الأنفية يعد الجفاف أهم أسبابها".
خدمات متردية
توجّه المجتمع اليمني إلى الطب البديل،والأعشاب الطبيعية ومواد العطارة، يأتي كملاذ رئيسي نابع عن تقاليد متوارثة منناحية، ومن ناحية أخرى، بسبب الوضع الصحي المتدهور بشدة في اليمن، خاصة في ظلالأوضاع الصعبة التي تعيشها اليمن منذ خمس سنوات.
كمايعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية في جميع المحافظاتاليمنية على السواء، جراء استمرار الحرب والحصار المفروض جواً وبراً وبحراً علىاليمن.
وحين باغتت جائحة "كورونا" دولالعالم، لم يستثن الهلع منه اليمنيين، رغم عدم إعلان السلطات الصحية عن تسجيل إصاباتحتى الآن.
وأعلنت حكومة صنعاء "خطة تنفيذية ومصفوفة عمل مشتركة، والتعبئة العامة لحشد الجهود الرسمية والشعبية، في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وفقاً للإمكانات المتاحة".
الصورة لـ أحمد باشا.